ما معنى كلمة يلحدون في الاية { ان الذين يلحدون في اياتنا }؟
لا يختلف اثنان اليوم حول معنى هذه الكلمة، فالمعنى الشائع للكلمة هو يكفر لكن بدرجة اكبر، فالكلمة تحمل دلاله سلبية اكبر من كلمة يكفر .
لكني اعتقد ان كلمة يلحد من بين الكلمات الصعبة التي وردت في القران و تحتاج منا الى بحث لفهم معناها، فهي ترد في سياقات عديدة في النص القراني و لا يستقيم معناها في تلك السياقات.
حسب منهجنا الذي نعتمده، فنحن لا نستطيع اطلاقا البحث عن معنى الكلمة من خارج القران، لماذا ؟
الاجابة اعتقد واضحة عند الجميع، القران حجة على النحو و القواميس و ليس العكس ، اي نحن امام نص تاسيسي و النص التاسيسي هو الارضية الاولى التي يتم البناء عليها، فهو حجة بذاته.
لكن هذا لا يمنعنا في البداية من الذهاب للقواميس للبحث عن المعنى، لكن وفق شروط دقيقة.
اولا ...علينا ان نكون حذرين جدا في تعاملنا مع القواميس في فهم بعض مفردات القران ، لان القواميس ليست مرجع للقران، القران هو المرجع الاول لنا هو من يفسر نفسه، و هذا لا يعني انه ليس هناك حقيقة في القواميس ، لكن سنطابقها مع ايات القران و نعرف هل تلامس الحقيقة .
ثانيا ..... هناك فائدة مهمة في القواميس في جانب البحث في التاريخ ... حتى نعرف تصورات الناس الاولى في ذلك الزمن حول معاني الكلمات للقران ، و نطابقها بتفسيرات الناس في ذلك الزمن ، حتى نستطيع معرفة محاولات التدليس الاولى و الغاية منها و نعرف اكثر الخط الزمني للوعي . لاننا كما نعرف بان معظم تراثنا و نصوصنا خرجت في زمن واحد بشكل مفاجىء ، و لا نستبعد ابدا وجود مشروع تزوير استراتيجي ضخم .
الان دعونا نذهب للقواميس
في قاموس العين لحد :
اللحد: ما حفر في عرض القبر، وقبر ملحد، ويقال: ملحود، ولحدوا لحدا، قال ذو الرمة: أناسي ملحود لها في الحواجب، حيث شبه إنسان العين تحت الحاجب باللحد، حين غارت عيون الإبل من تعب السير. والرجل يلتحد إلى الشيء: يلجأ إليه ويميل، يقال: ألحد إليه ولحد إليه بلسانه أي: مال، ويقرأ: لسان الذي يلحدون ويلحدون
و في قاموس المحيط في مادة لحد (لحد)
اللَّحْدُ، ويُضَمُّ: الشَّقُّ يَكُونُ في عُرْضِ القَبْرِ، كالمَلْحود، ج: ألْحادٌ ولُحُودٌ.ولَحَدَ القَبْرَ، كَمَنَعَ، وألْحَدَهُ: عَمِلَ له لَحْداً،و المَيِّتَ: دَفَنَهُ، وـ إليه: مالَ، كالْتَحَدَ. وألْحَدَ: مالَ، وعَدَلَ، ومارَى، وجادَلَ.
-----------------------------------------
● لو حاولنا البحث عن معنى مناسب من بين المعاني التي وردت في القواميس ، سنجد بان المعنى يكفر و يجادل يتفق مع معنى الاية السابقة ( ان الذين يلحدون في اياتنا)
لكن لو قمنا بمقارنة بين كلمة يجادل و يكفر ، ستكون كلمة يجادل اكثر صحة من كلمة يكفر .
لماذا ؟
لو بحثت في القران ستجد بان كلمة يكفر ياتي بعدها حرف الجر (باء)
{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}
يكفر به
لذلك لا تستقيم كلمة يكفر في الاية السابقة، لانه لو قلنا بان معنى يجادل ... يكفر ...سيكون النص .. ان الذين يكفرون في اياتنا
و هذا لا يستقيم
المفروض ان الذين يكفرون باياتنا ..... لذلك فالمعنى الاسلم هو يجادل ...... ان الذين يجادلون في اياتنا
لكن علينا البحث في اية اخرى لمعرفة المعنى الاصح
● {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}
في هذه الاية نجد ان المعنى لا يستقيم مع المعنى السابق الذي وصلنا له و هو الجدال، فلا تستقيم الجملة لسان الذي يجادلون اليه اعجمي و هذا لسان عربي ،خصوصا بسبب وجود كلمة ( اليه).
سيكون المعنى الاقرب لكلمة يلحدون هو يميل اليه. و هذا المعنى حسب ما هو موجود في كتب التفاسير .
عندها سيكون معنى الاية:
لسان الذي يميلون اليه اعجمي و هذا لسان عربي واضح .
و هذا المعنى الاكثر وضوح من المعنى السابق و هو (يجادل).
سنحاول معرفة السياق الذي ورد فيه هذا النص ، لفهم المعنى اكثر . اي ان علينا البحث عن النص السابق للاية .
{وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (102) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}
اي ان المعنى
و اذا بدلنا اية مكان اية ، قالوا انك مفتري و كاذب بل اكثر هولاء ليسوا من اهل العلم، قل نزله روح القدس من ربك ليكون هداية و بشارة للمسلمين ، و نحن نعلم بانهم يقولون انما يعلمه بشر ، فاللسان الذي يميلون اليه (اعجمي) و هذا لسان عربي واضح .
سنحاول البحث عن معنى اخر ، يجمع بين معنى يجادل و يميل اليه في الاية الاولى و الثانية .
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
الاية تقريبا مثل الاية الاولى، فيمكن ان تعني يجادلون او يكفرون في اسماء الله ، لكن كما قلنا كلمة يكفر في القران ياتي بعدها حرف (باء) و هنا ياتي بعدها ( في) ، بمعنى انه من المفروض ان تكون الاية ( يلحدون باسماء الله)، اي يكفرون باسماء الله، و ليس يلحدون في اسماء الله .
لذلك لا يستقيم معنى يكفرون .
مازالت الكلمة تبدو صعبة و معقدة.
المعنى الاول يجادل يبدو اسلم، فالاية تعني يجادل في اسماء الله ، و تختلف هذه الاية عن الاية الاولى بانها تخص الالحاد في اسماء الله، بينما الالحاد في الاية الاولى في ايات الله .
لنذهب الى نص اخر في القران
● {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا}
في هذه الاية، معظم التفاسير تقول ان ملتحدا بمعنى ملتجا، فالاية تعني لن تجد من دون الله ملتجا . الان اصبح معنا معنى ثالث بمعنى يلتجا.
و لو اعتمدنا معنى يلتجا ، فلن يستقيم معنى الاية الاولى
يلحدون في اياتنا اي يلتجؤون في اياتنا.
فالاية تعني :
اتلوا ما اوحي اليك من كتاب ربك.... فهي كلمات الله .. فلا مبدل لكلمات الله، فكلها من عند الله ....... و لن تجد من دون الكتاب ملتحدا( اي لن تجد من دونه ملتجا ).
دعونا نذهب الى اية اخرى
● {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
في هذه الاية نجد ان الموضوع يتحدث عن الذين يصدون عن المسجد الحرام ، و عن من يرد فيه بالحاد بظلم، سيذوقه الله عذاب اليم.
لكن ما معنى لفظة يرد ( التي تنطق يورد) ؟،
لو بحثنا سنجد ان كلمة (ورد) نجدها في لهجات العربية و تطلق على قراءة جزء من القران.
يقال عمل ورد ... اي قرا قليل من القران .
فنحن هنا امام عمل مرتبط بالقراءة، فهي تتحدث عن من يقرا .
يؤكد هذا المعنى للفظة يرد، حسب التراث هناك عبارة
الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
فكلمة يرد هنا بفتح الراء هي فعل بصيغة مبني للمجهول للفعل يرد بكسر الراء . اي لا يقرأ الدعاء بين الأذان و الاقامة .
الان اصبح لدينا اربعة معاني للكلمة
يكفر
يجادل
يلتجا
يميل
و لم نصل لجواب منطقي ... المفروض ان معنى يلحد في القران هو معنى واحد بحيث يستقيم هذا المعنى في كل اية ترد فيها كلمة يلحد و مشتقاتها .
لدينا طرق اخرى للبحث
أول طريقة ...... هل نستطيع ان نجمع هذه المعاني الاربعة في معنى واحد .... اي نبحث عن كلمة تعبر عن كل تلك المعاني السابقة؟
او
علينا البحث في الموضوعات التي ترد فيها كلمة يلحد، و نعمل احصائية حول اكثر المفردات و الموضوعات المرتبطة بهذه الكلمة ، او البحث في سياق الموضوع السابق للكلمة حول ماذا يدور ؟
لو لاحظنا
سنجد بان معظم الايات التي وردت فيها كلمة الالحاد مرتبطة دائما بالكتاب، اي تدور في موضوع كتاب .......... و في ايات اخرى مرتبطة بالاسماء ، و في الاية الاولى بالايات .... و في اية اخرى مرتبطة باللسان ... و في اية اخرى مرتبطة بالكلمات ...و في اية اخرى مرتبطة بالقراءة
هذه الملاحظة ... تجعلنا نعتقد بان هذه الكلمة لها معنى مرتبط باللسان او الكلام .
نحن امام كلمة لها علاقة بالفم ... فعل مرتبط بعلاقة بالفم .
ربما يكون مرتبط بالتلفظ ... او الكلام ... او النطق الخ
فهل يمكن ان يكون يلحد بمعنى يتلفظ بطريقة محرفة ؟
اعتقد اننا نقترب من المعنى السليم للكلمة.
فنحن امام لفظة تصف فعل التكلم و التلفظ بطريقة محرفة . و اطلق عليه لفظة يلحد بانه مثل الميل عن الشيء المستقيم و لذلك اطلق على الحفرة بجانب القبر لفظة لحد . فالالحاد هو قراءة ايات الله او قراءة اسماء الله او ذكر شعائر تعبدية بصوت محرف ... اي بنطق محرف .
هذه النتيجةالتي وصلنا لها في معرفة معنى يلحد تتفق مع اية في القران حول ميلان اللسان عند قراءة الكتاب .... فهل الالحاد هو لي اللسان ( الميلان ) ؟
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
نعم
كلمة لحد ... تشير الى شيء مائل و غير طبيعي، و اللالحاد الميلان ، و الملحد المائل، و اللحد الشق المائل داخل القبر .
لكن هذا الشيء المائل مرتبط بالفم . شيء يخرج من الفم او اللسان بشكل مائل و غير طبيعي . اي تحريف لفظي
ساضرب مثال
انظر الى المثال الموجود في الصورة
تخيل ان لدينا كتاب، و مرسوم فيه هذه الحروف
( ا ل ر ح م ن )
لو طلبت منك قراتها ..... ستقراها .... الرحمن و بشكل طبيعي
لكن لو قرات الكلمة .... ايل مقة ..... متعمدا ... ستكون عندها ملحد
نعم
ستكون ملحد في اسماء الله
و ستكون من الذين يلحدون في ايات الله
و سيكون لسانك يلحد
و ستكون قراءتك بالحاد
و لن تجد من دون هذا الشرح ملتحدا
.
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق