لا اريد ان اعيد سرد نص القصة من كتاب العهد القديم و تفسير القصة من كتب التراث التي وصلت المسلم و استعرض التناقضات و المشكلات الموجودة فيها .... فقد كتبناها في مقال سابق.
لذلك ساسلك طريق اخر لتوضيح طبيعة هذه القصة، من باب تثبيت و ترسيخ الصورة الصحيحة ، حتى نتمكن من قراءة القران من على الارضية الحقيقية التي خرج منها نص القران .
لكن يجب القيام بخطوتين :
الاولى ..... يجب ان نوضح القاعدة او المنهج الذي سنسير عليه
الحقيقة = القران الكريم + واقع + تفكير علمي منطقي.
و الواقع هنا ... سيكون الاعتماد على لهجات سكان المنطقة في فهم معاني مفردات القران، و ليس اعتمادا على القواميس التي طبعتها المطبعة العثمانية ....... لان القران نزل بلسان سكان المنطقة.
الثانية ......... يجب اصلاح ثلاثة اشياء قبل فهم هذه القصة و الوصول للجواب ... و هذه الاشياء هي .... الزمن و صيغة المخاطب و دوره في القصة و مفهوم النبأ .
لا اريد ان اعيد شرح هذه الاشياء ، لاننا قد شرحناها في مقالات سابقة ، و لا اريد ان اعمل نسخ و لصق لها،حتى لا يطول الموضوع لكن ساختصر الشرح في نقاط .
-------------------
■ نص القران سابق زمنيا لكل النصوص، و كل النصوص الاخرى جاءت بعده .
النص المقدس هو كلام الله ...... و الله هو الاول قبل كل شيء، النصوص المقدسة هي نصوص جديدة لا تشبه اي نص او كلام اخر ........ سابقة لكل النصوص ...هي نصوص وصلت للمؤمن لاول مرة جديدة و طازجة .... و لا تخضع للتبديل او التغير او التعديل، نصوص مقدسة ثابته نزلت كما هي ..... و لا يفهم المعنى الا من النص نفسه فقط ، و هي نصوص قديمة في نفس الوقت، لانها كلام الله و كلام الله سابق للزمن .
هذه الحقيقة مهمة جدا لفهم سطور القران .
لانه براي ... ان استمرار المسلم بالمخيلة الزمنية التي زرعت في عقله من قبل كتب التراث و التاريخ التي وصلت له ..... هي السبب الاولى لصعوبة فهمه لمعاني سطور القران الكريم، هي و السبب الجوهري في السطوة الكبيرة لكتب التراث و النصوص الاخرى على عقل المسلم .
لماذا ؟!
لان المسلم عندما يقرا القران بشكل عام ...... يقرأه و هو يملك مخيلة زمنية مصطنعة و غير حقيقية .......و هذه المخيلة موجود فيها زمن سابق لنص القران ......و ينطلق منها في فهم القران.
فمثلا
● عندما يقرا المسلم قصة ابني ادم من القران ... و لان المسلم يعتقد اعتقاد الهي راسخ بان اليهودية ديانة جاء بها الله، و قد اعطاهم كتاب اسمه التوراة، و فيه قصة هابيل و قابيل و الخرفان و الفواكة
عندها سيكون سيناريو القصة التي سبقت نص القران في وضع يفرض سلطته بقوة شديدة على نص القران داخل عقل المسلم ... و تجعل المسلم يتخيل القصة و يفكر بها بنفس ما جاء في السيناريو السابق من صور و معاني و مفاهيم اثناء قراءة القران .
و هذا سبب السطوة الشديدة من كافة الجوانب لقصة ابني ادم الموجودة في العهد القديم على عقل المسلم .
ايضا
● عندما يقرا المسلم قصة ابني ادم من القران ... و لان المسلم يعتقد اعتقاد الهي راسخ بان اليهودية ديانة جاء بها الله، و قد اعطاهم كتاب اسمه التوراة، و فيه قصة هابيل و قابيل و الخرفان و الفواكة
عندها سيرسم المسلم و بقوة في مخيلته عالم قديم قد سبق نص القران ....... و في داخل هذا العالم لابد من وجود مجتمعات كانت تعي هذه القصة، اي لديها ثقافة راسخة سبقت نص القران بهذه القصة و تفاصيلها.
و عندها سيكون اي نص اخر يتحدث عن قصة ابني ادم غير نص القران .... في وضع يفرض سلطته في وعي المسلم ....... سوى كان هذا النص قد سبق القران او جاء بعد القران .
لان الايمان بوجود نص سابق لنص القران ، يستلزم الاعتقاد و الايمان بوجود ثقافة قديمة لديها علم بهذه القصة ، و عندها فلا مانع في عقل المسلم من الأخذ بتفسيرات القران و اعتمادها و الايمان بها، لانه من المؤكد بانها قد خرجت من وعي سابق لنص القران يدرك و يملك تفاصيل تلك القصة ... فالامر ليس جديد .
و هذا هو السبب الجوهري للسطوة الشديدة و الكبيرة من كافة لكتب تفاسير القران التي وصلت من الطابعة العثمانية على عقل المسلم.
الان لو قمنا بعمل تجربة افتراضية ، و تخيلنا بان العالم اليوم و لايوجد فيه الديانة اليهودية اطلاقا و لا كتابهم و لم يمر على العالم اطلاقا ديانة اسمها اليهودية، فقط يوجد المسلمين و هم يحملون معهم القران الكريم
الان .... ماذا ستعتقد انه سيحصل من قبل المسلم لو قمنا داخل هذه التجربة بالاعمال الاتية :
- لو قام شخص ما، باخراج مسلسل كرتوني يحكي قصة عادية عن رجل اسمه ادم يعيش في قرية ما ، و كان لديه ابنين واحد اسمه هابيل و الاخر اسمه قابيل، و قرر الاثنان ان يشكرا الرب ، فقدم احدهم كباش و الاخر قدم فواكهة ، فنزل برق من السماء و ضرب الخرفان فقط ، فحقد الاخ صاحب الفواكهة على اخوه و قرر قتله، ثم جاء غراب فشاهده و هو يدفن غراب اخر ، فندم على قتل اخيه و دفنه .
اعتقد بان القصة ستقابل باستهجان و رفض شديد و كبير من قبل المسلم، لان مخرج المسلسل الكرتوني حاول كتابة قصة مشابهة لنص مقدس لديه، و كل مسلم سيقول : استغفر الله العظيم ، هذا المخرج يحاول ان يسخر من كلام الله بطريقة غير مباشرة، بعمل قصة باحداث تشبه قصة في القران .
- لو قام شخص بتأليف كتاب في تفسير القران كاملا ، و ذكر في تفسيره لقصة ابني ادم، بان ادم كان لدية اربعة ابناء و اسماءهم هابيل و قابيل و شيث و اسرائيل ..... و قصة ابني ادم في القران وقعت بين هابيل و قابيل.
اعتقد بان المسلم سيرفض بشده هذا التفسير و سيعتبره تحريف للقران ، و سيقول كل مسلم : هذا تحريف للقران، لو كانت هذه اسماءهم لذكرها الله في كتابة، فمن اين اخترع المؤلف هذه الاسماء، و كيف عرف ان هذه اسماءهم، و كيف يدعي انهم اربعة و القران يقول انهم اثنين فقط .
لهذا السبب المتعلق بالزمن و بعد هذه التجربة، اعتقد بانه يمكن القول و بشكل منطقي و عملي و علمي و واقعي ، بان المسلم حاليا لا يحمل معه القران الكريم ...... او بمعنى اخر لا معنى لنصوص القران الكريم و لا يوجد لها اي قيمة لدى المسلم .. او بالمختصر لا يوجد القران الكريم في الارض نهائيا ... كلام الله غير موجود لدى المسلم .. مختفي .
لان المسلم يقرا كتاب العهد القديم و كتب التراث فقط، و هي من تفرض سلطتها الالهية على المسلم و هي من تصنع تصوراته و تفكيره و نظرته و منطقه، و جعلت المسلم تابع لتلك النصوص، و ليس متسيد عليها ..... بينما كلام الله ملغي تماما و لا وجود له في عقل المسلم، و لا يتبع المسلم كلام الله اطلاقا . كلام الله لم يعد هو السيد على المسلم، بل كلام كتاب العهد القديم هو سيد المسلم .
{واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين (31) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون }
هل يوجد في النص السابق اسم قابيل و هابيل او خرفان او فواكهة او نار او غراب يدفن غراب ؟
لا
النص واضح جدا .........لا يتحدث عن اسم هابيل و قابيل، و لا يتحدث عن فلاح و راعي، و لا يتحدث عن ثمار و فواكه و اغنام ، و لا يتحدث عن نار ، و لا يتحدث عن اختين، و لا يتحدث عن غرابين و واحد منهما دفن الاخر .
اذا ..... كله اوهام
------------------------------------
■ علاقة المخاطب بالقصة
{واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق }
لمن الخطاب في القصة ؟!
الخطاب في القصة لدى المسلم هو للرسول، لكن مادام و ان القران هو وحي الهي ، و هذا الوحي قد وصل لك بنفس الصيغة التي وصلت للرسول، فمنطقيا بانك ايضا مشارك في العملية، و لديك دور في فهم القصة ......... و الا لكان الوحي في غنى عن هذه الصيغة .
لماذا يخاطبه و ما الاهمية ؟!
- لو كان الخطاب في القران للرسول ، من اجل ان يخبر قومه بنفس صيغة النص الموجودة في القران ، لما كان هناك من داعي لهذه الصيغة الموجودة في القران .... لان الرسول سيعطي قومه القران.
و لكانت الصيغة في القران بالشكل الأتي :
{ نتلوا عليك نبأ ابني آدم بالحق }
خصوصا و ان هناك نفس الصيغة موجودة في القران
{نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون}
{نحن نقص عليك أحسن القصص }
- لو كان الخطاب في القران للرسول ، من اجل ان يذهب الى اليهود حتى يخبرهم بنفس صيغة النص الموجودة في كتاب العهد القديم ( قابيل و هابيل) التي وصلت للمسلم من كتب التراث، لما كان هناك من داعي لوجود نص القران هذا من اساسه، لان القصة في كتاب اليهود تكفي مادام و انها من عند الله ، او لكان من المفروض ان يسرد الوحي على الرسول قصة ابني ادم و بان اسميهما قابيل و هابيل و بان احدهم قدم خروف و الاخر قدم فواكهة، تماما كما سردها الوحي قديما على اليهود بذلك السيناريو ... او لما كان هناك داعي لوجود الرسول للاسلام، لان دوره في هذه القصة هو رسول لتاكيد نصوص اليهود، او كان من الاولى القول بانه رسول اليهود و ليس رسول للمسلمين، لانه رسالته السماوية التي جاء بها من عند الله مخصصة لمنح نصوص كتاب العهد القديم شرعية سماوية مقدسة .
طبعا ... نحن قد ناقشنا في النقطة الاولى مفهوم الزمن و علاقته بنص القران .... و بان نص القران هو الاول و كل النصوص الاخرى جاءت بعده ... و هذا الشيء سيجعل من المنطقي ان لا نعيد طرح هذه الفرضية ..... لكن انا تعمدت اعادتها لزيادة توضيح التناقض في كتب التراث .
- لو تاكدنا و تيقنا بان القران هو النص الاول زمنيا ، و هو بالفعل الاول و لا نص يسبقه ... وكان الخطاب في القران للرسول ليتلوا هذا النبأ ....... و ادركنا جيدا من خلال شرحنا السابق ...... بان الرسول لن يتلوا على قومه نفس نص القران و لن يتلوا قصة قابيل و هابيل ... فاذن ....... ماذا سيتلوا الرسول على قومه غير نص القران ؟!
هنا سنأتي لمعالجة النقطة الاخيرة
------------------------------------
■ مفهوم النبأ
{واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق }
- لو تاكدنا و تيقنا بان القران هو النص الاول زمنيا ، و هو بالفعل الاول و لا نص يسبقه ... وكان الخطاب في القران للرسول ليتلو هذا النبأ على قومه ....... و ادركنا جيدا من خلال شرحنا السابق ، بان الرسول لن يتلو على قومه نفس نص القران ، و لن يتلوا قصة قابيل و هابيل ... فمنطقيا بان الرسول سيتلوا على قومه قصة اخرى .
- فلو كانت قصة ابني ادم حسب القصة التي وصلت لنا تتحدث عن اول مواليد ابناء ادم ....... لكان الوحي قد تلاها له بدون تلك الصيغة ( اتل عليهم) و بكل تفاصيلها ... لان الرسول لا يعلم شيء لانه حدث قديم و علمه عند الله .. و المفروض ان الرسول مجرد مستمع لا اكثر و ينقل لقومه قصة بداية اول اسرة، لكن مادام و ان الرسول مشارك في العملية ........ فالرسول اصبح لديه علم بالقصة، و اصبح له دور في توضيحها .
- لو كانت القصة تتحدث حول اول مواليد ادم ...... لكان الوحي قد تلاها على الناس بصيغة الجمع ، لتحدثهم عن قصة اول اسرة في الارض .
- لو كانت القصة تتحدث حول اول مواليد ادم ..... لكان الوحي قد تلاها للناس بالتفصيل بدون احتاج لدور الرسول ، من اجل توضيح اثر هذه القصة و علاقتها باليوم ... لانها غيب قديم ... و لا الرسول و لا نحن نعلم تفاصيلها.
هل القران يتحدث عن ابني ادم ... اول مولدين لادم ؟
لا
المعنى واضح ...... ابني ادم فقط ...... لا هابيل و لا قابيل و لا شيث ، فانت ابن ادم ... و انا ابن ادم ... و جميعنا ابناء ادم، او بني ادم .
اليس القران في خطابه للناس يقول : يا بني ادم لا تعبدوا الشيطان .... فهل يخاطب الناس ام يخاطب اول مواليد لادم ؟!
اذا ...... عندما يقول القران ابني ادم ...... فهو يقصد اثنين من ابناء ادم ... اثنين من الناس ... اثنين من البشر .
هل الايات تتحدث عن قصة حدثت في الماضي قبل نزول القران؟
لا
القصة هي نبأ .................. نبوءة
{واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق}
مادمت القصة نبوءة ...... ف مؤكد بانها قد وقعت خلال المدة الزمنية ما بين نزول القران و حتى اليوم .... اي ان القصة لا تتحدث عن اول مولدين لادم .
مادامت القصة اسمها ( نبأ ) ... فاعتقد بان الموضوع واضح و الاجابة سهلة جدا :
الوحي يخاطب الرسول بعد ان يصل له هذا النبأ، بان يتلوه على قومه.
.
.
.
كلامك منطقى وما يخرش المبه
ردحذف