بعد ان تحدثنا عن التاريخ الذي كتب لمصر و دوره في صناعة شخصية للانسان المصري، الشخصية النفسية و العقلية في مقالنا السابق ، لابد من الحديث عن نقطة هامة مرتبطة بهذا التاريخ و طريقة قراءة التاريخ عند المسلم بشكل عام و المصري بشكل خاص، و هي متعلقة بفرعون و الهكسوس .
لو تتابع تفسيرات الكثير من المسلمين لقصة موسى و فرعون، و الموجودة في القراءن و هو الكتاب الديني لغالبية سكان مصر ، ستجد بان معظمها تتحدث حول احتمال حدوث قصة فرعون في عهد الهكسوس ، و بان فرعون كان من ملوك الهكسوس الذين غزوا مصر ، بدليل ان اسم فرعون اسم ليس مصري بل يبدو اسم سامي، و المصرين لم يعرفوا تلك الاسماء.
فلو تلاحظ التاريخ الذي كتب حول الهكسوس، و تقارن بينه و بين هذا المنطق في تفسير قصة فرعون، ستجد بانه منطق واحد .
فمثلا لاحظ كيف يحاول تفسير قصة فرعون من زاوية ان اسم فرعون ليس مصري و كذلك الهكسوس الذي كاتب التاريخ قال بانهم شعب سامي بالنظر الى اسماء ملوكهم و التي لم تكن مصرية .
لاحظ تشابه هذا المنطق مع نفس المنكق الذي كتبه الغرب حول الهكسوس، ثم لاحظ كيف اصبح هذا التاريخ يستخدمه المصري و غير المصري كاداة حقيقية واقعية لتفسير نصه الديني القراءن الحقيقي .
هذا يجعلنا نعتقد بان قصة الهكسوس قد صنعت ايضا و بشكل متعمد لاجل ايصال المسلم لهذا التفسير اثناء محاولته فهم قصة موسى و فرعون، و تستطيع ان تتاكد من خلال تعليقات بعض كتب الغرب التاريخية التي تتحدث عن تاريخ الهكسوس.
فمثلا هناك شخص اسمه مانيتون كتب كتاب عن الهكسوس و يقول فيه : " أن الهكسوس هاجموا أرض مصر بأعداد ضخمة لم يقدر المصريون على مقاومتها في بادئ الأمر، وقاموا بحرق المدن وتدمير المعابد وسبي النساء والأطفال و بعد حرب شرسة مع المصريين" .
و عندما تبحث عن هذا المؤرخ المسمى مانيتون ، ستجد ما يلي:
مانيتون مؤرخ مصري من مدينة سمنود محافظة الغربية .
كان كاهناً في عهد الملك بطليموس الثاني حوالي 280.ق.م" الذي كلفه بكتابة تاريخ مصر القديمة. أخذ مانيتون هذه المهمة على عاتقه واعتمد في كتاباته على الوثائق التي خلفتها الحضارة المصرية والتي كانت تضمها دور حفظ الوثائق بالمعابد بالإضافة إلى كل ما وجده في متناول يديه من وثائق الإدارات الحكومية وغيرها. فقدت النسخة الأصلية من تاريخ مانيتون أثناء حريق مكتبة الاسكندرية ، ولم يصل من هذا التاريخ إلا مقتطفات نقلها بعض المؤرخين، ومنهم المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه "الرد على إيبيون" الذي حاول أن يدافع فيه عن اليهود ذاكراً أنهم هم الهكسوس الذين غزوا مصر بعد انهيار الدولة الوسطى. ومن المؤرخين كذلك المؤرخ الإفريقي جوليوس الذي نقل في مؤلفه بعض أسماء الملوك التي كانت مدونة في تاريخ مانيتون الأصلي.
--------------------
في البداية ..... لاحظ كيف ان كاتب هذا التاريخ يتحدث بان كل المخطوطات الاصلية لهذا المؤرخ ميناتون قد فقدت بسبب حريق الاسكندرية، حتى لا ياتيك الفضول و تسال عن تلك المخطوطات لتتاكد بما لو كان تاريخ حقيقي ام مكذوب ، لكنهم وجدوا حيلة اخرى، بان قالوا احرقت و لكن وصل بعضها في مؤلفات مؤرخين اخرين و منهم يوسفوس الذي وضع كتاب كامل للرد على مانيتون ، و يدافع عن اليهود و بانهم هم الهكسوس الذين غزوا مصر .
الان انظر الى الذكاء الشديد من قبل كاتب التاريخ في عملية طرح المعلومات و الافكار و الموضوعات ...... فمن يقرا هذا التاريخ و يؤمن به التاريخ، فمن الطبيعي بانه سيصل مباشرة لذلك الاستناج اثناء محاولة فهم قصة موسى و فرعون ، و هو ان الاحتمال كبير بان فرعون ظهر في عهد الهكسوس .
اذن ... كاتب هذا التاريخ متعمدا ايصال المسلم لهذا المنطق .
و الوعي الذي يقف خلف كتابة تاريخ مانيتون و يوسفوس سابقا، بغض النظر عن حقيقة تلك الشخصيات ، هو نفسه الوعي الذي اوصل للمسلم فكرة ان فرعون كان من الهكسوس ، و هو ايضا نفس الوعي الذي اوصل للمسلم فكرة ان فرعون كان يذبح اليهود ، و بان موسى كان يهودي .
اذن فقصة الهكسوس قد كتبت ايضا للمصرين، من اجل ان يصل المسلم ايضا لذلك الاعتقاد بان زمن فرعون و موسى هو فترة الهكسوس و بان فرعون من الهكسوس و بانه ذبح اليهود .
اذن فكيف يمكن فهم قصة فرعون و موسى ؟
هناك ملاحظة هامة لا ينتبها لها الكثير في هذا التاريخ الذي كتب و حاول جعل المسلم يتوصل بان فرعون من الهكسوس ، و هي :
كيف ان هذا الوعي الذي كتب هذا التاريخ يريد ان يوصلك لفكرة تشترط عليك امر لم تنتبه له جيدا ، و ربما كاتب التاريخ ايضا لم ينتبه للامر ، و قد غفل عن احتمال كونها ستسبب مشكلة كبيرة، و هذا الشرط هو :
لماذا كاتب التاريخ لم يرد ايصال المسلم الى ان فرعون احد ملوك مصر القدماء، و اشترط ان يكون فرعون ملك من الهكسوس الغير مصرين ؟
و كان كاتب التاريخ يدرك جيدا، بانه لا يمكن ان تحدث القصة في مصر من قبل واحد مصري ، بل تحتاج الى شرط و هو ان فرعون شخص غير مصري .
الحقيقة ان كاتب التاريخ يفضح نفسه و نحن لم تنتبه ، و يفضح اساس قصة فرعون، بكون القصة تتطلب شخص غير مصري .
و هذا الشرط الذي قدمه لك كاتب التاريخ و هو غافل و نحن لم ننتبه له ، هو بالفعل الشيء المنطقي و الطبيعي الذي يوضح لك القصة ، فلا يمكن فهم قصة شخص معه جنود و يقوم بقتل و ذبح الناس ، الا لكونه شخص غازي ليس من مصر، و قد جاء بجنوده الى مصر و مارس القتل و الذبح .
فلا يمكن تخيل قصة لواحد مصري و يقتل شعبه الذي هو منهم و يذبح ابناءهم ، و لا يمكن تخيل قصة واحد مصري يظهر فجاءه في مصر و يقتل ناس ينتمون لع ، فلا يمكن تخيل الامر الا قصة واحد جاء الى مصر و معاه جنود و قام بقتل و ذبح الناس .
و نحن امام قصة لغزو حقيقي مؤكد جرى في مصر ، و قام بقتل و ذبح الناس ، و لو اردنا التفتيش حول هذا الغزو في التاريخ ، فكما عرفنا بان التاريخ المصري يحتفظ باربعة غزوات ، ثلاث غزوات منها وصلت للمصري من خلال كتب الطابعة، فلم يشاهدها اي مصري، و لم يكن شاهدا عليها الا ان المصري يؤمن بها ليس لانها صحيحة، و لكن لانها مكتوبة فقط في كتب الطابعة، و هي غزو الهكسوس و اليونان و الغزو العربي الاسلامي ... و أما الغزو الرابع هو غزو حديث و يعرفه اي مصري من خلال ذاكرته الشعبية المحلية و العالمية ، و من خلال ايضا كتب الطابعة ايضا، و هي غزوة نابليون .
غزو الهكسوس ... افتراضية
غزو اليونان .... افتراضية
الغزو العربي الاسلامي .... افتراضية
غزوة نابليون .... واقعية
لكن هناك 100 مليون مسلم تقريبا في مصر ، و هولاء يؤمنون بالقراءن، التي توجد فيه قصة موسى و فرعون ، و هذه القصة قد جاءت للمصري من الغزو العربي الاسلامي لمصر، لكن هذه القصة في القراءن تتحدث عن نبأ حق من الواقع :
(تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِیَ فِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَحۡذَرُونَ)
الان لو رتبنا الغزوات سنجد ما يلي :
غزو الهكسوس ... افتراضية
غزو اليونان .... افتراضية
قصة موسى و فرعون .... نبأ حق لواقع
غزوة نابليون و جيشه .... حدث حقيقي واقعي
فاذا كانت غزوة الهكسوس و اليونان ، عبارة عن قصص افتراضية غير حقيقية فقصة موسى و فرعون لم تحدث فيها، و القراءن لا يتحدث عنها ابدا ، و ايضا لان قصة موسى و فرعون نبأ حق تتحدث عن واقع جاء بعد القراءن ، و لايوجد غزوة واقعية جرت في مصر و المنطقة و جاءت بعد القراءن، الا غزوة نابليون و جيشه
و النبا الحق الموجود في القراءن حول فرعون و جنودة، متطابق جدا مع قصة نابليون و جيشه التي جرت في الواقع في كل شيء.
- فرعون و جنوده .... نابليون و جيشه
- موسى جاء لفرعون بكتاب قديم .... نابليون كان مشغول بكتابة مصر القديمة
- فرعون مارس الذبح و القتل ... فرنسا مارست الذبح و القتل في كل العالم
- فرعون جاء بالسحر .... نابليون جاء بالطابعة التي طبعت السحر
- فرعون كفر بالكتاب ... و نابليون زور كتابة مصر
- السامري قال مساس ... و شامبليون قال مساس
- ضلال حدث بعد موسى ... الناس في ضلال بعد نابليون
و من المعروف بان الغرب في فترة ظهور نابليون، خرج الى العالم لاحتلاله و مارس القتل و الذبح بطريقة متوحشة لا يمكن تفسير اسباب هذا التوحش الا انهم جنس مختلف عن الاخرين ، لكن الشيء الغريب بان العالم كله يعرف اجرام الغرب، لكن البلاد الوحيدة التي تتحدث عن اجرام الغرب في بلادها هي مصر، بل ان التاريخ الذي كتب لها لا يسميه احتلال و لا غزو بل جاء نابليون بجيشه لنقل الحداثة و العلم الى مصر
اذن .... غزوة نابليون هو الواقع الحقيقي الذي اجتهد الغرب على محوه من عقل الانسان المصري ، عبر تجميل هذا الاحتلال و جعله يبدو جميل و ثقافة و علم ، و في نفس الوقت اجتهد الغرب على زراعة تاريخ غزوات افتراضية في عقل الانسان في مصر، و جعله يشعر بانها حقيقية، حتى تنزعه من الواقع و تدخله الى خيال افتراضي يفكر داخله ، و تمنعه من فهم اهم رسالة يملكها في حياته موجودة في القراءن، التي تحدثه عن واقعه و تصف الواقع الحقيقي الذي جرى ، وتخبره عن الغزوة الحقيقية لمصر ، و عن اوصافها الحقيقية و ليست التي في كتب الطابعة التي تجمل تلك الغزة ، الاجرام و القتل و الفساد و الذبح الذي جاء به فرعون و جيشه الى مصر ، حتى تخرجه من هذا السحر الكبير الذي جاءت به هذه الغزوة لاخفاء الواقع، حتى لا يفهم المصري بداية اللعبة التي وقعت عليه و على كل الناس .
(إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ رَسُولࣰا شَـٰهِدًا عَلَیۡكُمۡ كَمَاۤ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولࣰا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق