الزمن الثاني - زمن الفينقين
هذا الزمن له نقطة بداية و نقطة نهاية ....... و المفروض ان كل نقطة لديها وثيقة اثبات شرعية ... و اقصد بالوثيقة .... الدليل الحقيقي ...... حتى يمكن لنا الدخول الى هذا الزمن بموثوقية و الخروج منه بموثوقية .
تقريبا ........ مدة هذا الزمن الموجود في مخيلة سكان المنطقة الذي رسمته كتب التاريخ الموجودة الان و التي كتبها الغرب لنا ، يصل طولها الى 1200 سنة .... فصورة الفينقين لدينا الان تبدا قبل الميلاد ب 1200 سنة تقريبا .... و هذا الزمن قام برسمه لنا رواية تاريخية يونانية فقط .... و من واقع تلك الرواية اليونانية خرج لنا كل التاريخ الذي كتب عن الفينقين و عن زمنهم .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه .......... على اي اساس تم تحديد طول هذا الزمن 1200 سنة تقريبا ؟
لاننا عند البحث في مصادر التاريخ .. سنجد بان اول ظهور رسمي لكلمة الفينقين في التاريخ ....... جاءت من تاريخ هيرودتس في 450ق.م تقريبا......... و كتاب هيرودتس لا يتكلم عن الفينقين برواية تاريخية كاملة و مفصلة .... بل احاديث مقتطفة و ليست كبيرة و هنا تطرح اسئلة :
ما هي مصادر تاريخ الفينقين قبل رواية هيرودتس ؟ ..... لانك تستغرب من شحة النقوش و الكتابات الفينقية الموجودة في المنطقة و التي كثير من النقوش معظمها تتحدث عن قرابين و نذور .
و كيف يعقل ان هيرودتس يمر على الفينقين بذلك الحديث البسيط ...... رغم حجم و كمية المؤلفات الغربية الضخمة و التي تكتب عن الفينقين .......... هولاء الفينقين الذين يعيشون في ذلك الفضاء الجغرافي الكبير ؟
من المنطقي ............ ان بداية زمن الفينقين قد تم تحديدة في فترة زمنية حديثة نسبيا و تحديدا في زمننا الحديث ..... و تم اعتمادها كمقياس لزمن الفينقين .
من هولاء القوم الفينقين ؟
في البداية لابد من ذكر ملاحظة مهمة : نحن قبل قرن تقريبا لم يكن احد في منطقتنا يعرف شيء عن الفينقين ......نعم هو موجود مسبقا ... لكن لم يدخل هذا الاسم الى مخيلتنا الا بعد قراءة ترجمات الكتابات الغربية اليونانية ......... و بعد القراءة تكونت في مخيلتنا مسمى جديد لشعب .............. و هذا هو سبب صعوبة فهم هذا الاسم ....... و صعوبة فهم هذا التاريخ و زمنة ، فنحن اليوم نحاول رسم صورة جديدة لهذا الشعب و الزمن في مخيلتنا ..... و هذا الامر طبيعي لانه عالم جديد .
سنحاول الاجابة على السؤال السابق
فجاءة ظهرت رواية تاريخية يونانية ....... و بدات تتحدث عن شعب اسمه الفينقين ......... و تتحدث عن الساحل الفينيقي . الرواية تتحدث عن الفينقين في الشام و شمال افريقيا و اسبانيا ايضا .... و تتحدث عن البحر الابيض المتوسط بشكل عام .. بانه بحيرة فينقية ...... هذه المساحة الجغرافية الكبيرة يبدو عالم فينيقي
هذه الرواية وصلت لنا ....... و صورت الفينقين على ان موطنهم الاصلي الشام .... ربما لسبب ورود كلمة الساحل الفينيقي بدليل ان اسم فينقين يدغدغ عواطف البعض في الشام ، خصوصا مع موجة الفينقين في الشام .. و لدينا الشاعر السوري ادونيس الذي اختار لنفسة هذا الاسم كدليل على تلك العاطفة .
نعم صورت لنا تلك الرواية التاريخية بتلك الطريقة .... و يبدو واضحا في ابحاث الغرب التي يخرجها عن الفينقين و هو يتجه صوب لبنان و سوريا للبحث عن الفينقين.
صور لنا ذلك التاريخ القصة بالشكل الاتي :
من الموطن الاصلي خرج الفينقين و استوطنوا شمال افريقيا و اسبانيا و جعلوا البحر الابيض بحيرة فينقية ..... ما عدا مصر لم يدخلها الفينقين ... مصر مختلفة عن الفينقين تماما ... قوة تاثير الفينقين استطاعت تحويل كل البحر الابيض المتوسط الى عالم فينيقي ...ما عدا مصر .. مصر محتفظة بطابعها الخاص الفرعوني .. و الفينقيون لم يقتربوا ابدا من مصر ...........مصر حالة خاصة رغم قرب الشام من مصر .... مصر عصية جدا على الفينقين .
هذه الصورة التي وصلت لنا ......... جعلتنا نستبعد مصر من عالم الفينقين ....... و جعلتنا عند دراسة تاريخ مصر القديم .. نلتزم بقاعدة اساسية و هي : مصر ليست من عالم الفينقين.
لانه لو كانت مصر ضمن عالم الفينقين ....... فهذا سيفرض علينا الاعتقاد....... بان معتقد مصر الديني القديم هو نفسه معتقد الفينقين الديني ......... او العكس معتقدات الفينقين هي نفس معتقدات مصر قديما .............. بل يفرض علينا ان يكون البحر الابيض المتوسط كله يتكلم لغة فينيقية ... بينما مصر تتكلم بلغة مختلفة ..... و لا يجب ان نخلط في موضوع اللغات .
فالفينقيون اشتهروا بعبادة الهة اسمها بعل .... بينما مصر مختلفة لانها عرفت عبادة مختلفة ...عبادة امون و رع و ايزيس...الخ.
و هنا ....... تستغرب من تصور الكثير من الباحثين عندما يقراون كتب اليونان التي تصف البحر المتوسط بانه بحيرة فينقية ، لكن الباحثين يعتقدون ان مصر ليست فينقية ؟ ، مصر في وعيهم فرعونية. طيب و مصر على البحر المتوسط ؟! ، مع ان هيرودت يتحدث عن المصرين و احاديثهم و قداستهم ل طير الفينيق.
رواية الفينقين منعتنا من هذا الامر .... و حددت مسبقا الصورة و القواعد التي يجب ان نلتزم بها في تخيل الزمن الفينيقي و العالم المحيط به .......... بالرغم من ان هيرودتس الذي كتب اول رواية تاريخية عن الفينقين ........ لا يذكر طائر الفينكس و هو الطير الذي نسب للفينقين و ارتبط بهم الا في مصر ... فهو يتحدث عن ان المصرين يقدسون طائر الفينكس و هم ينتظرون عودة الطائر و الذي ياتي كل 500 عام .
و هنا تستغرب .... فاذا كان المصرين القدماء قد قدسوا هذا الطائر و ينتظرون عودته ... و اذا كانت اول رواية في التاريخ ذكرت طائر الفينكس في مصر ... فالمفروض ان مصر قديما كانت ضمن العالم الفينقي الذي تعنيه رواية اليونان التاريخية ايضا .
اذن من المنطقي ان عالم الفينقين ....... هو الشام مصر شمال افريقيا و حتى اسبانيا .... حسب رواية اليونان .
لكن عندما نطالع تاريخ هيرودتس .. فهو يذكر بان اصول الفينقين جاءت من وراء البحر الاحمر .... فاذا كانت اصول الفينقين جاءت من وراء البحر الاحمر .... فهذا يعني منطقيا ان وراء البحر الاحمر ايضا ضمن العالم الفينيقي الذي تصفه رواية التاريخ اليونانية .
و هنا .... تدخل معنا جغرافيا اخرى الى عالم الفينقين .....العالم الموجود وراء البحر الاحمر .
كذلك ....... عندما نبحث في القاموس اللاتيني عن معنى كلمة فينكس ....... فالقاموس يقول ان الفينكس طائر يعيش في الجزيرة العربية ............و هو ما يقوله ايضا هيرودتس في تاريخه ، فهو يتحدث عن طائر الفينكس في مصر ...... و يقول بانه ياتي من بلاد العرب و هو يحمل اباه معه بعد ان يغطيه بمادة المر .... فهو يصنع بيضة من مادة المر و يفرغها و يضع اباه داخلها ، و يحمل البيضة و يضعها في معبد الشمس في مصر . ...و هذا ايضا يتفق تقريبا مع ما ذكر في النصوص العربية الاولى التي تتحدث عن طائر العنقاء ..و بانه يعيش في جنوب الجزيرة العربية و يحرس اسحار اللبان ( المر) .
السؤال المهم : لماذا الفينقين يقدسون طير لا يعيش في بيئتهم المحلية ، فلو كان الفينقين انطلقوا من الشام لكان من المفروض ان طائر الفينكس يعيش في الشام و يحرس اشجار الزيتون مثلا ؟
المهم .......... اذا كان الطائر .... الذي نسب الى الفينقين و اعتبر العلامة التي تميزهم و الذي يقدسه الفينقين يعيش في جنوب جزيرة العرب ......فهذا يدل على ان جنوب الجزيرة العربية هي ايضا ضمن العالم الفينيقي الذي تقصده رواية اليونان التاريخية .
اذن ..... فهذه المساحة الجغرافية الكبيرة .... من جنوب الجزيرة الى الشام و مصر و شمال افريقيا و حتى اسبانيا ...... ضمن العالم الفينيقي ........ فهل يعقل ان هذا الفضاء لا يحمل لغة و عقيدة واحدة في ذلك الزمن ؟
المفروض منطقيا انهم بلغة و عقيدة واحدة .... مادام و ان اليونان يسمونهم فينقين .. فهم عالم واحد ..... لكن لا تجد موضوع يفصل هذا الامر ....... فمصر تعبد امون و رع و ايزيس و لغتها مصرية، و الشام و شمال افريقيا يعبدون بعل و لغتهم فينيقية ... و جنوب الجزيرة يعبدون عم و سين و مقة و لغتهم سبائية .
و هذا الامر يجعلنا نطرح سؤال مهم :
هل الفينقين .... مسمى شعب ام هي تسمية دينية ام هي صفة فقط ؟ ...... و هل سمى الفينقيون انفسهم بهذا الاسم ؟ ، ام هي التسمية التي اطلقها عليهم اليونان ؟ و من اين جاء هذا الاسم ؟
طبعا هناك نظريات كثيرة حول اصل التسمية فمؤرخين محلين يقولون انها من اصل فنق و هو المرفه و المنعم ....... لكن الرواية الرسمية الموجودة في القاموس اليوناني تقول بان معنى كلمة فينقين هو اللون الاحمر الارجواني نسبه لصبغة حمراء كانوا يستخرجونها. و اعتقد ان هذه الرواية تبدو لي الاقرب ... لماذا ؟
اعتقد ان هذه التسمية .... اطلقها الاخر على سكان المنطقة من صفة تميزهم ..... و ليست تسمية اطلقها سكان على انفسهم .
لاني انطلق من حقيقة ان الاوروبي الابيض دائما عندما ينظر للاخر فهو يراه من خلال الشكل ..... و اول صفة تظهر له عند رؤية الاخر هو لون البشرة ..... فنحن مازلنا بنظر الاوربيون الى اليوم اصحاب بشرة حمراء او بنية .........تجد هذه الملاحظة مازالت موجودة عندهم الى اليوم ........عند مقارنة لون بشرة الفلسطينين بلون بشرة اليهود القادمين من اوروبا و المحتلين لفلسطين .... فليست سوداء و لا بيضاء ... بل بنية او حمراء .
و اكبر دليل ..عندما دخل الاوروبي الى قارة امريكا غازيا ... فأول لقاء مع سكانها ، كانت اول ملاحظة لهم هي لون البشرة، و جعلهم يطلقون عليهم تسمية الهنود الحمر ...... الهندي الاحمر .
و ما يزيد من تاكيد هذه الملاحظة .. بانه في عصر ما يطلق عليه العصر الذهبي العباسي ... و هو عصر الترجمات الضخمة للمؤلفات اليونانية الى اللغة العربية ،تم ترجمة كلمة الفينقين اليونانية الى كلمة الحميرين ( احمر ) في العربية ... و تم نقل كلمة طائر الفينكس كما هي و يتحريف بسيط الى لفظة عنقاء ... مع العلم بان لون هذا الطائر هو اللون الاحمر .
و هذه النقطة لا يريد ان يستوعبها الكثير ... لان الموضوع اصبح فعلا يدل على وجود اعاقة مزمنة في التفكير، اليونان سموا سكان المنطقة بتسميتهم الخاصة وفق نظامهم اللغوي ..... و لا تعبر عن وجود حقيقة خارجية و مستقلة كانت تسمى فينقين ......... لان الرواية اليونانية هي حرة باطلاق تسميتها، لكن ليس من حقها او من حق البعض فرض مسمياتها كحقيقة ثابتة و مستقلة كانت موجودة فعلا .
بمعنى اخر
● نحن نسمي سكان الصين باسم الصينين ، لكن الصينين لا يسمون انفسهم بهذا الاسم ابدا ، فهل عندما يقرا الصيني تاريخه من مصادر عربية سيعتقد ان هناك قوم اسمهم الصينين عاشوا في الصين غيرهم ؟
● نحن نسمي سكان المجر بالمجرين .......... لكن سكان المجريين يسمون انفسهم بتسميه اخرى ...... فهل عندما يقرا المجريين تسميتهم من مصادر عربية سيعتقدون بان هناك قوم عاشوا في وطنهم و انقرضوا فجاءة و كان اسمهم المجريين ؟
● الاوربيون اطلقوا على السكان الاصلين في القارة الامريكية اسم الهنود الحمر ....... لكن هل سكان امريكا الاصلين يسمون انفسهم بهذا الاسم ؟ ... طبعا لا ............ بل انهم ينزعجون جدا من هذه التسمية .
ملاحظة : لاحظ كيف ان الاسبان اللاتين عندما دخلوا امريكا الحنوبية اطلقوا على شعب اسم إنكا المشابهة للفظة عنقا. و هي نفس التسمية التي اطلقها اللاتين على سكان المنطقة .
قد يكون هذا الاستناج منطقي ......... ليحل اجابة السؤال السابق حول أسباب عدم وجود عقيدة مشتركة او لغة مشتركة في هذا الفضاء الجغرافي الكبير الذي كان يعيش فيه الفينقين . فالكلمة مجرد تسمية لون فقط و ليست تسميه شعب او دين .........لكن هذا الاستنتاج المنطقي لا يحل معضلة كونهم يقدسون طائر موجود في بقعة جغرافية بعيدة عن جغرافيتهم ...لان وجود هذا الطير يعني انهم يحملون شيء مشترك ...... تعطيهم رابط ديني مشترك و رابط اصل مشترك .
لكن هناك ملاحظة
اداة التعرف في اللغة العربية هي ( ال ) لكنها في اللغة اليونانية القديمة هي حرف (ف) ، فحرف ( ف) في فينيق هو اداة تعريف فقط ............... و اما في اللغة اللاتينية فاداة التعريف فيها هي حرف ( ب) ......و هذا الامر جعل اللاتينية تنطق كلمة فينيق بكلمة بونيق ( لون بني ) . فحرف الفاء و الباء زوائد و ليست من اصل الكلمة .
و نجد هذه الملاحظة بشكل واضح في اللغة العبرية ..... فهناك تعبير في العبرية ( حاي فيكيام) و تعني بالعربية ( حي قيوم) ،
( فيكيام = القيوم ) ، لاحظ كيف ان حرف( ف ) في بداية كلمة (فيكيام) هو نفسه الحرف (ف) الذي يبدا في كلمة فينكس .... و كما نعلم بان اول نسخة من العهد القديم كتب باللغة اليونانية ، هذا الشيء يؤكد لنا بان حرف (ف) كان اداة تعريف في اللغة اليونانية و اخذت العبرية تلك الاداة بحكم ان اليونانية كانت لغة كتاب العهد القديم .
و عليه :
فينق = ينق
فعندما تم ترجمة هذه الكلمة الى العربية ، تحولت كلمة (ينق) الى (عنق)
ينق = عنق
و لان حرف العين غير موجود في اليونانية ستكون الكلمة عنق، و هي العنقاء ... بمعنى اخر ... تخيل انك طلبت من يوناني ان ينطق كلمة عنقاء او عنقان ، فانه سينطقها بالصورة الاتية : enican،enica .......... و الان قم باظافة الحرف ف الى بداية الكلمة السابقة و ال (ف) كما نعرف هي اداة تعريف في اليونانية القديمة كما في فيلسوفيا اصلها صوفيا و لكن الفاء اداة تعريف ، عندها ستصبح الكلمة :
enica = phenica
enican = phenican
و لذلك ... فان الفنقيون هم الحميريون و هم جميع الشعوب التي قدست طائر العنقاء الاسطوري ............ و طائر العنقاء كان طائر مقدس عند سكان في المنطقة فس قديم الزمان ..... و هذا على افتراض ان هذه الرواية التاريخية صحيحة و ليست رواية وهمية كاذبة .... و على افتراض ان كاتبها يطلق على نفسه اسم اليونان .
لان المثل القديم يقول : ثلاثة من المستحيلات ... الغول و العنقاء و الخل الوفي .
يبقى السؤال الاهم ............ اين اختفى هذا الشعب فجاءة من التاريخ ... او كيف اختفت هذه التسمية فجاءة من التاريخ ؟
رواية التاريخ .........تجعل ظهور الفينقين حوالي 1200 ق.م ، و ينطلقون من الشام ... و في 900 ق.م تقريبا ينطلقون الى شمال افريقيا ... و يستمرون حتى تقريبا قبل الميلاد بفترة 100 عام ، و تحديدا حتى سقوط قرطاجة .... و بعدها تختفي التسمية.
لكن الغريب ..... ان الفينقين يختفون فجاءة و يحل مكانهم تسمية جديدة لشعب جديد اخر .............. و الاغرب ان كل ذلك الفضاء الجغرافي الذي كان يحتله الفينقين ... تم احتلاله بشكل مفاجىء من قبل تسميه جديدة .... و هذه التسمية الجديدة هي ( كنعان) .
و مع ( كنعان ) .... تتكرر معنا نفس قصة ( الفينقين ) تماما .
فالكنعانيون يظهرون في الشام ... و بعد فترة من الزمن يهاجرون الى شمال افريقيا و حتى اسبانيا ... لكنهم لا يمرون اطلاقا عبر مصر القريبة لهم .... فمصر ليست كنعانية .
ثم يظهر تاريخ جديد يقول ...........الكنعانيون هم الهكسوس و دخولوا مصر و استوطنوا فيها مدة من الزمن ... ..و كان دخولهم الى مصر في 1200 ق.م ، و هو نفس تاريخ ظهور الفينقين، لكن دخولهم مصر هذه المرة بشكل احتلال و ليس بشكل تجارة كما هو طبيعة الفينقين ...... و كانها رواية واحدة ... بديكورات مختلفة .
ثم تظهر نظرية جديدة .......... تقول بان الكنعانين جاءوا من اليمن.
نفس قصة الفينقين .... تماما .
لذلك فهذا التطابق ... ........ هو السبب الحقيقي ...... الذي اوجد صعوبة في الفصل بين هذين الشعبين و خلق جدال تاريخي في الشام و شمال افريقيا بين اختيار تسمية فينقين او كنعانين ... فهناك من يفضل تسمية فينقين و البعض يفضل تسمية كنعانين .
فهذا باحث جزائري يستدل بمقولة القديس اغسطين التي تقول : بانه حين كان يسال سكان تلك المناطق يقولون بانهم كنعانيون . للتاكيد على تاريخ حقبة كنعان في شمال افريقيا و بانهم جاءوا من الشام ... لكن هذا الباحث لم يستطع ان يفرق بين الفينقين و الكنعانين و يخلط بين الازمنة .
مع انا ارى بأن مقولة هذا القديس لم تقال بهذه الطريقة و بهذا الشكل الا لأجل تثبيت هذا المصطلح و تأكيد وجوده في حقبة زمنية فقط .
تقريبا ....... اسم كنعان ظهر لدينا مع ظهور الزمن الرابع الديني الموجود في المخطط ........ و المقولة السابقة التي جاءت على لسان القديس اغسطين دليل على صحة هذا ... و لذلك فهذا الاسن في مخيلتنا مرتبط بصورة دينية لانه اسم موجود في نصوص العهد القديم ... لان اول ظهور لهذا الاسم جاء في كتاب العهد القديم ..... بينما اسم فينقين مرتبط في مخيلتنا بصورة سحرية من عالم اسطوري ساحري .. و طبيعي هذا لانها تسميه نجدها في مؤلفات اليونان التاريخية و في عالم غير مرتبط بالاديان الحالية .. عالم بعيد عن الدين الحالي .
هل انت فينيقي ام كنعاني ؟
لو طلبنا من البعض خصوصا في الشام و شمال افريقيا ... الاختيار بين التسميتين فالبعض سيفضل كنعان و هم تقريبا المتدينين و البعض الاخر فينقين و هم الجماعة اللادينية.
لكن الحقيقة ......... التي لا يدركها البعض او لا يريد اس احد ان يستوعبها هي ..... الكنعانين هم انفسهم الفينقيون ... لكن السبب في الاختلاف في التسميات هو .... الترجمة المحرفة فقط .
في مقال سابق تحدثت حول ظاهرة و لا ينتبه لها الكثير خصوصا من هواه قراءة التاريخ و الباحثين، هذه الظاهرة يمكن ان نجدها بشكل ملفت في روايات التاريخ القديمة الغربية التي كتبتها روما . و تحدث عنها هيرودت في تاريخه ...... عندما ذكر بان المصريين يكتبون من اليمين الى اليسار ..........و ان المصريين يتعجبون من اليونانين الذين يكتبون من اليسار الى اليمين.
و هذه الظاهرة تجدها بشكل واضح في مسميات الاماكن و الاقوام و الشخصيات في المصادر اليونانية و الرومانية عند مقارنتها بما هو موجود في النصوص العربية الاولى التي ظهرت بعد الترجمات اليونانية الضخمة الى العرببة .......... فتجدها مكتوبة بطريقة عكسية ( مقلوبة من اليسار الى اليمين ).
تستطيع التأكد من هذا الشيء بنفسك، فحاول ان تقرا اسماء كثير من الاعلام و الاماكن التي ترد في مصادر اليونان من اليسار الى اليمين ستجد بانها اسماء مقاربة لتسميات موجودة في نصوص من التراث او بعضها تقارب مسميات موجودة في روايات تاريخية اخرى مكتوبة بلغة يونانية او لاتينية .
سنضرب مثال :
كلمة كنعان ليست الا قراءة معكوسة لكلمة فينيق فقط.
قلنا سابقا بان حرف ( ف ) هو اداة التعريف القديمة في اللغة اليونانية ، و عليه فان اصل كلمة فينق هي ( ينق )
فينق = ينق
و تم نقل هذه الكلمة اليونانية الى اللغة العربية بكلمة عنق و منها جاءت لنا كلمة عنقاء و هو الطائر الاسطوري المعروف الذي ارتبط بالفينيقين .
انق = عنق ( لان حرف العين غير موجود في اليونانية )
الفينقين = الانقين = العنقين
لكن هناك من نقل كلمة (عنق) في اليونانية بطريقة معكوسة من اليمين الى اليسار .....و ليس كما هي مكتوبة في النص اليوناني من اليسار الى اليمين ، فنقلها الى كلمة كنع لان حرف ( ق ) يتطابق مع حرف ( ك ) في المخرج الصوتي ..... و مؤكد بان من نقلها بهذه الطريقة ......هم السبعين رجل الذين قاموا بالترجمة السبعينية لنصوص العهد القديم من اللغة اليونانية الى اللغة العبرية ... هم السبب وراء هذا النقل المعكوس ....و هذا يوضح لنا الاسباب التي جعلت كلمة كنعان ترتبط بمخيلتنا بوعي ديني .
فتم ادخال كلمة كنعان في نصوص الكتاب العهد القديم، فتكون لدينا شعب جديد ولد فجاءة بعد الفينقين ...و كما نعلم فان كتاب العهد القديم كتب في القرن الثاني قبل الميلاد ... و هو تقريبا بداية الزمن الذي اختفى فيه الفينقين .
لقد اختفى شعب كامل بعد كتابة العهد القديم ....و تحول الى شعب يحمل رواية تاريخية مختلفة و جديدة ذات طابع ديني ، لان هذا الشعب اصبح له شجرة اصل و نسب مكتوبة في النص المقدس ...... و اختفى شعب من التاريخ كان اسمه الفينقين كان يعبد بعل ... و اصبح لدينا شعبين و كل شعب لديه رواية تاريخية و زمن مختلف و صورة مختلفة في المخيلة ، و اصبح يجد الكثير صعوبة في الدمج بينهما ، لان الكنعانين شعب مرتبط في وعينا عند ظهور الرواية الدينية بينما الفينقين مرتبط بوعينا برواية اسطورية سحرية تحمل دين اسطوري مختلف.
عنق = قنع ( قراءة معكوسة )
عنقاء = قنعاء
عنقان = قنعان
عنقان = كنعان
قنعاء = قنعان = كنعان ( حرف ك = حرف ق )
و لأن مجتمعاتنا تنظر الى اللغة كانها حالة ازلية ... و لا تتخيل كون بدا الا بواسطة اللغة ....... و تنظر الى اللغة بانها موجودة خارج الانسان و هو من تعلمها ... ربما لانها لغات كتب مقدسة، و ربما هي ثقافة قديمة راسخة في منطقتنا العربية لان هذه المنطقة خرج منها اول حرف، خرج منها اول نصوص دونها التاريخ للانسان.
فهذا الامر كون لدينا ثقافة تعتقد بان اللغة عملية استدعاء لكيانات مستقلة ...... فعندما ننطق اسم لكيان ما ........ فاننا نقوم بعملية استحضار لهذا الكيان .... و نعتقد بوجوده ككيان مستقل خارج الذات ............ لكنه عندما يختلف نطق الاسم بطريقة محرفة و لو بحرف واحد ...... فنحن سنعتقد باننا امام كيانين مختلفين و مستقلين تماما .... و لا يوجد علاقة بينهما .
الان تخيل ..... كيف ان مقلوب ترجمة محرفة انتجت لنا مسمى شعب جديد و رواية تاريخية مختلفة عن الرواية الاولى و جعلتنا ندخل في تحليلات و تفسيرات و تعقيدات عديدة ...... بل جعلتنا نعتقد بوجود شعب جديد جاء بعد شعب اخر ...... بينما الحقيقة انها مجرد ترجمة محرفة .
و تخيل .... كيف ازدحمت مخيلتنا بمسمى لشعب جديد بسبب ترجمة محرفة . و كيف اختفي شعب من الوجود بسبب عملية تحريف للاسم ، و تحول الى شعب اخر بتسمية اخرى و نحن لا نعلم .
الخلاصة .
■ الزمن الثاني عبارة عن رواية تاريخية يونانية و رومانية حول شعب اسمه الفينقين يمتد من اسبانيا و شمال افريقيا الى الشام و قادم من وراء البحر الاحمر لكن لا تعرف شيء واضح هل كانت له لغه واحدة و او عقيدة واحدة .......... و في هذا الزمن لا نملك اي رواية تاريخية سوى رواية اليونان التي تؤكد وجود هذا الزمن ، و لا توجد رواية تاريخية اخرى غير رواية التاريخ اليونانية تتحدث عن شعب اسمه فينقين.
■ و لان زمن الفينقين ينتهي مع بداية زمن فارس .. لكننا لا نعرف ما طبيعة العلاقة بين الفينقين و فارس و لا توجد وثيقة حول لقاء تم بين الفينقين و فارس ، و لا نعرف ما هو موقف الفينقين من صراع فارس و اثينا .
هذا الزمن لا يمكن التاكد منه
لانه يبدا من نهاية الزمن الاول و ينتهي عند رواية اليونان حول حروب فارس و اثينا ، و في نقطة البداية و النهاية لا نملك دليل مادي على انهم ظهروا في تلك النقطة الزمنية ، فنحن لا نملك اي وثيقة تاريخية من نقوش المنطقة يرد فيها اسم الفينقين و لا نملك وثيقة تاريخية من الحضارة الفارسية او اي حضارة اخرى غير اليونان تتحدث عن الفينقين .
الوثيقة الوحيدة التي لدينا ............ هو ثقتنا المطلقة باليونان كمصدر تاريخي و اخلاقي و يتحلى بالامانة العلمية .. فاليونان في مخيلتنا عالم مثالي راقي ديمقراطي يمجد العقل و العلم و يملك سطوة و سلطة فكرية علينا ...... و لا يمكن لنا الا ان نستسلم لما يقوله اي مصدر يوناني في اي موضوع و نحن مغمضين عيوننا .
لكن العجيب و الغريب ... ان هذا الشعب .... بذلك التاريخ الكبير الذي كتبه اليونان و الرومان ....... لم يستطع ان يعرف عن نفسه ابدا، بل احتاج الى وسيط اخر للتعريف عن نفسه و هم اليونان او الرومان. بالرغم من ان هذا الشعب هو من اخترع الكتابة و هو من علم اليونان الكتابة، لكنه طوال هذه الحقبة خلف لنا نصوص بسيطة جدا و عاش في صمت و كان يفشي كل اسراره لعند الرومان وحدهم ................ ثم اختفى فجاءة بلغته و اديانه و كتابته ...... و لا وجود لاي كارثة حتى نعتقد بانها السبب وراء انقراضهم .
بل الاغرب .......... ان هذا الشعب لا يعرف احد في المنطقة اي شيء عنه لولا الرومان .......... رغم انه قد وجد في منطقتنا مدة زمنية طويلة و استطاع ان يؤثر على العالم كله حتى وصل امريكا و لم يستطيع ان يؤثر على منطقتنا و يترك فيها ذكرى قديمة يتم توارثها ....سوى لغة او دين او مكتبة نصية كبيرة او معبد او معلم عمراني كبير و واضح ........ وحدهم الرومان من يعود الفضل لهم في تعريفنا بهذا الشعب .
بمعنى اخر .... نحن في هذا الزمن نقرا سردية تاريخية رومانية فقط و لسنا متاكدين من صحتها ... فليس هناك وثيقة اخرى كتبها اي شعب او اي حضارة ..... كانت من حضارات المنطقة او من حضارات خارج المنطقة .... و تتحدث عن هولاء الفينقين .
يتبع ...
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق