يمكن صار لي ثمان سنوات و انا بعيد عن عن المشهد السياسي في اليمن، و اتجهت نحو تدبر القراءن و موضوعات تاريخية و علمية متعلقة بالقران ، لاني اصبحت اجد المشهد في اليمن واضح رغم وجود نسبة كبيرة مازالت عمياء عن رؤية طبيعة المعركة الدائرة في اليمن و المنطقة.
قبل اسبوع .. قتلت مديرة مكتبة النظافة في تعز، من قبل عصابة اجرامية مسنوده بقوة عسكرية تتبع ما يسمى حكومة الشرعية.
و الله المشهد اثر بي كثيرا، خصوصا ان المقتول امراة ناجحة لم تكن بحاجة للعيش هناك و تملك ما يجعلها تعيش في مكان اخر اكثر امان ، لكنها قررت خدمة الناس.
شعرت بقهر كبير داخلي و تقريبا لم ياتيني النوم يومين متتالين من بشاعة الجريمة ، ثلاثين رصاصة صوبت عليها ، و من شعوري بوجود قوة في تعز استرخصت دماء الناس و اموالهم بعد اطلاعي على حجم الجرائم الكبيرة و العديدة التي ارتكبتها تلك العصابة المسلحة ، من عمليات قتل و نهب و سرقة .
احسست ان المقتولة اختي و دمها برقبتي و رقبة الناس جميعا.
تقريبا منذ عام 2014 ..... خسرت كثير من الاصدقاء، خصوصا من مدينة تعز و عدن و صنعاء ، بسبب تغير موقفي نحو جماعة انصار الله، و انا الذي كنت احارب الاسلام السياسي و ادعو للدولة المدنية، بعد ان اعلنت تايدي لكل تحركات انصار الله و التي بدات تنطلق من صعدة في عام 2013 نحو عمران و صنعاء و اب و تعز و عدن .
كان سبب التحول بنظرهم هو اصول اسرتي الهاشمية المؤيدة لانصار الله، و كان ذلك السبب بمثل التهمة و التي تقنعهم حول اسباب هذا التحول المفاجىء ، فبدا الكثير ينظر بريبة نحوي من منطلق تلك التهمة، و لم يعد هناك اي ارضية ثقة تجمع بيني و بينهم، و اعلن الكثير وقوفهم مع المشروع السعودي و العدوان الصهيوني، فقررت الانقطاع عنهم، و انا على ثقة ان الزمن سيجعلهم يفهمون اكثر .
الحقيقة موقفي من انصار الله لم يكن بسبب اصولي الهاشمية، لان اسرتي ليست من اصول هاشمية ابدا، و لم تدعي اسرتي يوما هذا النسب، لكني وجدت في انصار الله افضل الموجود، و مشروعهم معادي للمشروع السعودي في اليمن، فلا يمكن لمشروع حقيقي في اليمن ان يظهر مادامت السعودية موجودة في اليمن.
لابد من قطع يد السعودية من اليمن ، و ما هو موجود عند جماعة انصار الله يقطع تلك اليد، و هذه الفكرة لم يكن احد من الاصدقاء يستوعبها في ذلك الوقت، و خصوصا من كان مصاب منهم بعقدة المناطقية و المذهبية و القبلية في فهم العالم من حوله.
المهم
اليوم .. شعرت بحزن شديد بسبب تلك الجريمة، و مازاد حزني اكثر هو تناول غالبية الناس في اليمن من المثقفين و الناس العادين لتلك الجريمة بشكل غير صحيح و غير مسؤول و يغلب عليها المراهقة و تذهب لتميع تلك الجريمة و اخفاء المجرميين، الا قلة قليلة منها تناولت الموضوع بالشكل المطلوب.
محزن ان 15 سنة منذ ما يسمى الربيع العربي، لم تغير طريقة تفكير العديد من الناس و لم تجعلهم يعملون مراجعة لطرق تفكيرهم و نظرتهم للأمور ، و مازالوا بنفس منطق عام 2011 ، و لم يتغيروا ابدا .
كيف ؟
قل خيرا او اصمت .... اذا كان تناولك للجريمة سيفيد في عملية القبض على الجناة، فتحدث به، و ان كان لا يفيد فكلامك سيكون تميع للجريمة و سيكون له دور في محاولات اخفاء الجناة ... سوى كنت قاصد او جاهل.
مثال على ذلك :
■ لا داعي الان للحديث حول المراة المقتولة من منطلق انتماءها لمنطقة ما في اليمن ، لانك بذلك تميع الجريمة ، فنحن امام جريمة صرفة، و المفروض يكون حديثك جامع من منطلق انها تنتمي لكل اليمن، فهي تنتمي لليمن كلها و لا ترفضها منطقتها ، بل ترفضها كل اليمن .
■ لا داعي الان للحديث حول الجناة من منطلق انتماءهم لمنطقة ما، لانك بذلك ستساهم في عملية اخفاء المجرمين الحقيقين، و ستوجه التهمة لمنطقة ما لا ذنب لسكانها، انت امام جريمة و نحن يجب ان نركز البحث عن الجناة الحقيقين .
■ لا داعي الان للخطابات الشعرية حول المقتولة، لنتوقف الان عن اللغة الشاعرية و نتحدث بلغة نثرية جافة نبحث عن الجناة.
■ لا داعي الان للخطوات العملية حول تسمية اماكن باسم المقتولة و تعليق صورها في اماكن ما، هذا لا يخدم القضية ابدا ، ف نحن الان نبحث عن الجناة و علينا ان نركز في هذه النقطة فقط .. فيما بعد القبض عليهم نتحدث بذلك.
■ لا داعي الان لإسكات اي شخص يتحدث عن هذه الجريمة ، بحجة ان هذا الشخص ينتمي لمدينة اخرى، هذا منطق صبيان و مراهقين و لا يخدم القضية بل يخدم الجناة، لانه لما تكون القضية راي عام يساهم في الضغط و يسرع في عملية القبض على الجناة.
■ لا داعي الان لإسكات اي شخص يتحدث عن هذه الجريمة ، بحجة ان الشخص ينتمي لمنطقة تحت سيطرة جماعة انصار الله و الاولى يشوف قضايا منطقتة، هذا منطق مغلوط، لان اي شخص حر في تناول القضية و لا يحق لك اسكاته، و لما تكون هناك جريمة في منطقته يمكنك تناولها و مطالبته بالحديث عنها ، لما تكون القضية راي عام يساهم في الضغط و يسرع في عملية القبض على الجناة.
■ لا داعي لاثبات مثالية المدينة التي قتلت فيها المراة ، خليك مركز على الجريمة و البحث عن الجناة ، لا تشتت الناس عن الجريمة و هوية الجناة ، يكفي معالجات من عقد نفسيه ، لانك بهذا الشيء تحاول اخفاء القبح في المدينة بحثا عن دعاية لها بانها مثالية، هذا يخدم الجناة و لا يخدم الضحية .
■ لا داعي لعمل مقارنات بين الجرائم في تعز و الجرائم في المدن الاخرى، لاثبات انك في المدينة الاحسن.
ارتاح نفسيا ، فكل المدن في وضع سيء و هناك انتهاكات و جرائم في كل مكان ، و مفيش حد احسن من حد، لكن خلينا نركز على الجريمة فقط .
انتهيت من حديثي حول الجانب الاعلامي المرافق للقضية، الان تبقى نقطة مهمة جدا و هي فهم الحالة الموجودة في تعز ، التي ستساهم في فهم تلك الجريمة و فهم ابعادها و ادراك حجم المغالطات التي سترافقها و الى اين ستؤول .
الحالة الموجودة في تعز.
هل تتذكرون عبد الله الاحمر ؟
الجميع يعرف عبد الله الاحمر و يعرف انه كان رئيس حزب سياسي يمثل تنظيم الاخوان المسلمين ( الاصلاح ) .
صح ؟
هل كان عبد الله الاحمر اخواني ؟
لا .. اطلاقا لم يكن ينتمي لتنظيم الاخوان ، كان رجل قبلي، و ربما لم يقرا بحياته حتى جملة واحدة من كتب سيد قطب، و لا يعرف من هو مؤسس الاخوان.
كيف يقبل الاخوان رئيس لهم غير اخواني ؟
تنظيم الاخوان في اليمن، كان يبحث عن ظهر له في اليمن يستطيع ان يتحرك خلفة و يعمل بدون ان يواجه اقصاء ، فاعتمد على الثقل القبلي في حمايته في اليمن، و اختار الاحمر لهذا الدور فقط، مجرد وسيلة يتسلق عبرها للحكم في اليمن.
و لهذا السبب، كان تنظيم الاخوان في اليمن يتغاضون عن فساد و جرائم اسرة الاحمر، و يتغاضون عن كل شيء غلط ياتي من عبد الله الاحمر و اسرته، و لا يوجهون اي نقد له، من باب الغاية تبرر الوسيلة، فلم يتحدثوا ابدا عن حالة المجتمع في منطقة الاحمر و افتقارها للاساسيات ، فقد كان الاحمر يرفض اصلاح منطقته، حتى يبقى سكانها دائما عسكر عنده و يحتاجوه.
كان الاخوان بحاجة الى قوة قبلية يتحركون خلفها .
هل الاخوان موجودين في تعز ؟
الان نفس الشيء تم في تعز ... فتنظيم الاخوان طبق في تعز نفس السياسة التي طبقها في اليمن في السابق ، بالبحث عن قوة في تعز تملك عصبية قبلية يستطيع الاخوان التحرك من خلفها، و من السهولة ايجاد تلك العصبية القبلية في تعز و التي تتمثل بمنطقتي شرعب و جبل حبشي ... فهما مناطق طوق تعز ، المناطق الاقرب الى تعز ، و سكانها مسلحين دائما و يجيدون استخدام السلاح، و مازالت سلطة المشيخ متواجده فيها، و سيكونوا هم المقاتلين الذين سيعتمد عليهم الاخوان في فرض وجودهم في تعز .
لذلك ..... الاخوان لا يظهرون في الصورة الامامية الاعلامية ، بل يتحركون من خلف تلك العصبية القبلية لفرض مصالحهم في تعز.
اذن تم عمل عقد بين جماعة الاخوان و تلك العصبية القبلية في تعز.
الاخوان استقطبوا شيوخ من تلك المناطق، و اعطوهم المال الضخم و السلطة و النفوذ و المناصب مقابل ان تعمل و تتحرك تلك العصبية القبلية لصالح اوامرهم و سياستهم .
لذلك انت ترى المقاتلين لا ينتمون ظاهريا للاخوان، لكنهم مجرد واجهة يتحرك خلفها الاخوان.
تقريبا ليست هذه سياسة الاخوان ، بل هي سياسة تتبعها كل القوى الخارجية التي تبحث عن نفوذ لها في اليمن لادارة اطماعها، و الاخوان هم الان يتبعون قوى خارجية .
و لكي تفهم الحالة الموجودة في مدينة تعز ، فعليك مقارنتها بالحالةالموجودة في مدينة عدن .
فما يحدث في مدينة عدن هو نفسه ما يحدث في مدينة تعز.
هناك عقد تم توقيعة بين قوة خارجية مع عصبية قبلية و مناطقية داخلية ، العصبية القبلية المناطقية تحصل على مال و نفوذ و سلطة مقابل تنفيذ اوامر تلك القوة الخارجية .
لذلك فمشاكل المدينتين واحدة تقريبا.
هناك عمليات قتل و اغتيالات بدون القبض على القتلة او محاسبتهم ، و هناك عمليات نهب و سرقة كبيرة للاراضي، و كل تعينات المسؤولين في المدينتين من عصبية قبلية واحدة .
و اختيار تلك العصبيات القبلية بعينها، لم ياتي من فراغ ، لانه لا يوجد شخص مستعد ان يحمل السلاح و يقاتل، خصوصا سكان المناطق التي لا يوجد لديهم ميول للعسكرة، و معظمهم لا يحبون حمل السلاح و منشغلين بانشطتهم الاقتصادية ، فلا بد من اختيار منطقة قبلية و سكانها يجيدون حمل السلاح و يستطيعون رفد الجبهات بالمقاتلين.
لذلك لا يشترط في عملية اختيار مقاتلي العصبية القبلية شهادة حسن سيرة و سلوك، بل يشترط شهادة القوة و العنف و اجادة حمل السلاح،
و لذلك هولاء المقاتلين سيحصلون على صك شرعي لللقيام باي شيء
قتل و نهب و سرقة و جرائم و فساد في الارض، و لن يتم القبض عليهم ، لانهم محمين من قادة العصبية القبلية، و التي تقف خلفها قوة خارجية داعمه لها ماليا و سياسيا.
لكن المشكلة في ذلك العقد بين الاخوان و تلك العصبية القبلية، ان رؤوس تلك العصبية القبلية لم تختار رجال دولة بقيم اخلاقية لادارة المسؤولية و لم تختار ايضا كفاءات من عصبيتها، بل اختارت علاقة اسرية بحته ، فجميع افراد تلك العصابة عبارة عن مجموعة اقارب، و يتصف معظهم ب الصعلكة و الفراغ الفكري و المعرفي و البلطجة، و كانت النتيجة الحاصلة في تعز .... عملية استرخاص لدماء الناس و عملية نهب شاملة لاموال الناس.
لذلك ... هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل غالبية المسؤولين و القادة العسكرين و الامنيين في تعز من ابناء منطقة قبلية معينة، و اسباب قيام افراد تلك الالوية العسكرية بجرائم و عمليات نهب و سرقة عديدة بدون حصولهم على عقاب رادع ، و هو ايضا السبب الحقيقي وراء تاخر عملية القبض على الجناة الذين قاموا بقتل مديرة مكتب النظافة في تعز، فهم يسعون لتهريبهم باي طريقة ، او تقديم ضحايا اخرين بدل عنهم او تصفيتهم ان لزم الامر قبل القبض عليهم، لان القتلة ليسوا الا ادوات لرؤوس كبار هم من طلبوا منهم ارتكاب تلك الجريمة .
و هذا هو السبب الحقيقي وراء سكوت نخب و قادة الاخوان عن جرائم تلك العصبية القبلية في تعز، و عدم الحديث عنها و عدم ايقافها ، تماما كما كان تنظيم الاخوان يسكتون عن فساد عبد الله الاحمر و عن فساد ابناءه .
اتمنى ان تكون الصورة الان واضحة جدا .... و هذه الصورة يحتاجها الجميع من اجل ادراك الخطوات التي يجب عملها من اجل القبض على القتلة و المجرمين، و اتقاء المراوغات التي ستحدث من قبل العصابة لتهريب القتلة .
اخيرا ..... اياكم ان توقفكم فكرة ان هولاء ضحوا من اجل المدينة و قدموا شهداء، فهولاء يستخدمون القتل لابسط شيء و النفس لديهم رخيصة ، و مستعدون ان يضحوا بافرادهم لاجل قضايا سخيفة، و قتالهم في السابق لم يكن لاجل قيمة او لاجل مدينة بل لاجل المال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق