لماذا عليك اعادة اكتشاف اليمن ؟
الجواب ببساطة
■ لان اليمن ليست الصورة النمطية الاولى التي تكونت في عقلك و التي وصلتك من الاعلام بصورة مباشرة او غير مباشرة.
■ لان اليمن تعرضت لعملية تكتيم اعلامي ممنهجة بسبب جوارها من السعودية و بحكم موقعها المشرف على مضيق باب المندب.
اليمن تقع في شبه الجزيرة العربية ، لكن من يزور دول شبه الجزيرة العربية و يزور اليمن، فابسط ملاحظة يجدها .... ان اليمن لا يشبه محيطة ابدا، جغرافيا و مناخ و شعب و نشاط اقتصادي للمجتمع و ادب و فن و في كل شيء. عالم مختلف تماما .
الاختلاف لا يعني محاولة البحث عن اختلاف ، لكنها الحقيقة الجلية التي تسمعها من اي زائر محايد او موضوعي .
ليست مبالغة لو قلت لكم، لم يكن بشر يسكن الا في جنوب ما تسمى شبة الجزيرة العربية، تحديدا في اليمن و عمان ... و بقية الجزيرة خالية تماما من الاستيطان البشري لما قبل ٢٠٠ سنة تقريبا او اقل.
فجنوب الجزيرة هو افضل مكان للاستيطان البشري، و الانسان لا يمكن ان يستقر ابدا في الجزيرة العربية الا في جنوبها ، لما تتميز بالمناخ و الامطار و الزراعة، و ما عداه غير صالح ابدا لعيش الانسان لعدم توفر مقومات العيش و الحياة و الاستقرار.
مهما خدعك التاريخ المكتوب الذي قدم لك و فبركات الاكتشافات في المنطقة المطلة على الخليج ، فلا يمكن للانسان ان يتواجد في تلك المناطق من الخليج ، و ما تشاهده من تواجد بشري في ما تسمى دول الخليج ليس الا نمط حياة حديث فرضه الاستعمار على مجموعة من الناس الذي قام بجلبهم من اماكن عديدة و قام بتوطينهم هناك للعيش هناك، بعد ان اجتهد على توفير ضرورات الحياة لهم، لانه اراد استثمار تلك الارض لصالحه و جعلها اماكن نفوذ له ، و زادت التكنولوجيا الحديثة من تحسين ضروف الحياة هناك .. و الا ف فالحياة هناك غير ممكنة.
هذه الملاحظة عن اليمن و اختلافها عن بقية دول الجزيرة العربية تسمعها دائما من السواح الاجانب الذين يزورون اليمن، خصوصا من الباحثين في العلوم الاجتماعية و الانسانية
هذه الحقيقة التي يجب على كل عربي ان يعرفها، حتى يستطيع ان يجيب على سؤال حول اسباب هذا الاختلاف الكبير و الواضح بين اليمن و بين دول الخليج، و حتى يستطيع الخروج من الصورة النمطية المغلوطة عن اليمن التي قدمها له الاعلام النفطي .
لماذا احث الناس على اعادة اكتشاف اليمن ؟
السبب الرئيسي ما تعانيه اليوم اليمن منذ عشر سنوات من القصف و الحصار من قبل عدوان امريكي صهيوني باسم السعودية و الامارات، لكن سطوة الاعلام النفطي مازال يضلل الناس عن فهم الوضع في اليمن و شرح المشكلة في اليمن .
اولا ..... صدقني الانتماء المذهبي ليس عميق في المجتمع اليمني، و ليس واضح و غير ملحوظ ابدا لاي زائر لليمن رغم محاولات السعودية و الامارات منذ مدة على تصدير الوهابية الى اليمن و تكوين جماعات سلفية و مراكز تعليم ديني وهابية .
بمعنى اخر ...... الحالة المذهبية ليست المحرك للصراع الخفي في المجتمع اليمني، و ليست اصل الصراع في اليمن، و لن ينجح اي مشروع خارجي يستهدف اليمن، و هو يرفع شعار مذهبي او ديني للسيطرة على اليمن و تقسيمها.
في اليمن ... هناك مذهبين الزيدية و الشافعية ... لكن لا تستطيع ان تميز الشافعي من الزيدي من حيث الشكل، فلا توجد مظاهر شكلية تميز الناس بناء على الانتماء المذهبي، فالعادات و التقاليد واحدة، لافرق، و الناس يتزاوجون فيما بينهم و لا توجد اي مشكلة .
و مع ذلك ... رغم ان الانتماء المذهبي ليس عميق في اليمن ، لكني استطيع القول ان الانتماء القبلي و المناطقي هو العميق في اليمن، و هو المحرك الصراع الخفي في المجتمع اليمني، لكن هذا المحرك لا يمكن ان يتحول الى حالة متطرفة، او يخرج خارج الحدود الحرجة، يتحرك تقريبا ضمن اطار الاعراف و التقاليد و الدين و الانتماء للاصل الواحد.
اعتقد ان حديثنا عن الانتماء القبلي في اليمن، سيجعل الكثير يكون صورة نمطية حول اليمن بانه بلد متخلف تحكمه علاقات اجتماعية قديمة قبلية لم تعد تناسب عالم اليوم ، لكني اعتقد ان الامر يحتاج الى توضيح.
تقريبا اليمن مثل باقي دول المنطقة ... يمتاز بوجود مجتمعين اثنين فيها، مجتمع الريف و مجتمع المدينة، و مجتمع الريف في اليمن مثل باقي المنطقه تعداده هو الاكبر، و هذا الشيء هو الذي يفرض الصورة النمطية الوحيدة بان اليمن مجتمع قبلي فقط، لكن الحقيقة يوجد في اليمن ايضا عدة مراكز مدنية قديمة و كبيرة ... لا يتم تسليط الضوء عليها، و قد خرج منها حالة عميقة جدا و مميزة من العلم و الجمال و الادب و الفن و الموسيقى.
اليمن جغرافيا ... جبال و وديان و صحاري و سهول، و تقريبا تتركز الكثافة السكانية في اليمن في الجبال و خصوصا الشريط الاخضر و بعدها في الوديان و السهول، اما الصحاري فالكثافة السكانية قليلة فيها .
في اليمن تتميز ب الوديان ايضا ، و هذه الوديان خصبة و غنية بالمياة الجوفية، و هي مصبات سيول الامطار التي تتساقط في الجبال ، و هذه الوديان تتركز فيها ايضا كثافة سكانية.
في اليمن يوجد مجتمعين .. مجتمع المطر سكان الجبال و مجتمع السيول سكان الاودية . و الانسان في اليمن يعظم المطر كثيرا، و من تقديس اليمني للمطر يمنع الغناء و اي عمل غلط وقت نزول المطر، و هناك مجتمع يتغنى بالسيل و وصول السيل .
مجتمع يتغنى بالمطر و مجتمع يتغنى بالسيل
في اليمن توجد جنتان ... في الشرق و في الغرب ، في الشرق هناك جنة المهرة ، و في الغرب سلسلة الجبال المحاذية للبحر الاحمر جنان معلقة في السماء، و تقريبا تلك السلسلة تمتاز ب اعلى معدل سقوط امطار على مستوى المنطقة.
تمتاز اليمن بان فصل الصيف الحار هو موسم الامطار فيها، بعكس كثير من دول المنطقة التي موسم الامطار فيها شتاءا، مما يكسب بعض اجزاءها مناخ بارد صيف.
هناك عدد من الظواهر الملفته في اليمن، من بينها :
عدد القرى الكبير فيها ، و الموزعات بشكل عشوائي و كثيف خصوصا في الجبال الوعرة ، مما يساهم في صعوبة التنمية الريفية في اليمن.
فعندما ترى صور القرى و كثافتها و توزيعها، ستحس بانك امام مكان يدل على انه استيطان بشري قديم.
النمط المعماري العمودي المرتفع ... في الريف و المدن من احجار الجبال ، فمن يقوم بزيارة للارياف سيجد قرى مبنية بنمط معماري مكون من ادوار عدة و مميز ، و يظهر على البناء القدم، فكان الزمن توقف فيها ، كذلك في المدن مازال فيها نمط معماري قديم يسميها السكان المدينة القديمة لتميزها عن البناء الحديث الجديد .
لذلك اليمني ثقافيا عندما يفكر ببناء بيت، ففكرة كون البيت يجب ان يكون من احجار الجبال عميقة جدا، و لا يفضل بيت من الطوب الصناعي، رغم تكلفته الرخيصة ، و يحب ان يعمل اساس قوي للبيت حتى يعلي البيت عدة ادوار، فلا يصبح بيت بنظرة بدون ان يكون مرتفع عموديا.
ثقافيا البناء العمودي عميق في المجتمع اليمني.
المجتمع في اليمن ... لان غالبيته مجتمع ريف، ف نشاطه الاقتصادي الاول الزراعة، و لكن بجانب ذلك هناك التجارة و الاغتراب، و لم يصل لمرحلة المجتمع الصناعة ، لكن تقريبا في اليمن المجتمع يمتهن اي مهنة و يمارسها و لا يعاني من مشكلة مثل دول الخليج في ممارسة اي مهنة حرفية يدوية، و هناك ضغط شديد سكاني في مجال التعليم الجامعي.
المجتمع في اليمن .. يملك حالة تشبه الحالة العميقة في لبنان في تفكيره بالاغتراب ..... فهي حالة واضحة في المجتمع خصوصا في مناطق معينة في اليمن.
المجتمع في اليمن ...... يحب الغريب، فالغريب في اليمن يعامل باحترام و الناس تميزه اكثر عن ابن البلد، بحكم كونه غريب فينال المساعدة و الضيافة المتواصلة، و ايضا المجتمع اليمني عشري، و يكون صداقات و علاقات اسرية سريعة في اي مكان يتواجد فيه.
و من يزور اليمن، يحس بانه ليس غريب بين اهله .
اليمن ثقافيا .... يملك تراث ثقافي و غنائي و موسيقى و حكم شعبية كبير و غني و مميز غالبيته من تراث اغاني الزراعة القديمة ، و من يزور اليمن سيجد ذلك واضح في حجم التراث الشعبي، و ليست مبالغة لو قلت ان المطبخ اليمني الشعبي التقليدي اكبر مطبخ ، فجحم الاطباق الشعبية فيه كبير جدا .
اليمن سياسيا ...... اليمن منذ ٦٠ سنة شمالا و جنوبا قبل الوحدة ، و هو لم يشهد اي استقرار ، فكل تقريبا ٢٠ سنة و اليمن يدخل في صراع و مشكلات، و اهم سبب لذلك هو التدخلات الخارجية و خصوصا من قبل السعودية .
ربما الجميع اصبح يدرك الان ، دور السعودية خاصة و الخليج عامة في المنطقة، كاذرعة صهيونية في صناعة الخراب و الفتن و الدمار في المنطقة ، و هذا الدور تمارسه السعودية في اليمن منذ ٦٠ سنة، لدرجة ان ملف اليمن في السعودية لا يتبع وزارة خارجية السعودية بل وزارة الداخلية، فقد تمكنت من صناعة مراكز قوى في اليمن كما تصنع الان في المنطقة، و عبر هذه القوى لم تشهد اليمن اي استقرار.
بشكل مختصر ... اليمن يشكل تهديد خطير على الدور السعودي الموكل لها من قبل الصهيونية، بسبب عمق اليمن من حيث حجم السكان و الاقتصاد و الثروات و الجيش و الموقع .
بمعنى اخر ........ وجود يمن قوي و مستقل بجانب السعودية ، يهدد الدور السعودي في المنطقة الذي رسمته الصهيونية، فوجود يمن قوي و مستقل سيحجم دور السعودية و سيشكل ضغط على السعودية،و لن يجعل المشروع الصهيوني يستطيع تمرير مشاريعه في المنطقة عبر السعودية.
تماما مثلما ان وجود صواريخ بالستية مدمرة بحوزة دول تحد الكيان يشكل تهديد وجودي لدولة الكيان، كما حدث في سوريا عندما دمر الكيان اسلحة الجيش السوري، كذلك وجود يمن قوي مستقل يشكل تهديد وجودي للكيان السعودي و لدوره في خدمة الصهيونية.
لذلك ........ ما يجري في اليمن اليوم، ليس صراع سنة و شيعة كما يحاول الاعلام النفطي غسيل عقول الجماهير لجعلها تؤيد السعودية و تقف خلفها في معركتها ضد اليمن ، و ليس صراع بين ذراع ايران مع السعودية كما يحاول اعلام النفطي غسيل عقول الجماهير لجعلها تقف في صف السعودية و تصفق لها ، ما يجري الان هو وجود قوة داخلية يمنية بالظاهر انها ترفع خطاب ديني لكنها قوى تحمل توازنات قبلية و مناطقيةفي اليمن ، قررت قطع يد ال سعود عن اليمن ، حتى لا تصبح اليمن محل تدخلات ال سعود و تستطيع اليمن الاستقرار و النهوض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق