هل سالت نفسك .... لماذا الاسكندر المقدوني صنع فتوحاته في منطقتنا، و لم يصنعها في شمال اوروبا و يقطع اسيا و يصل للصين ، لماذا تاريخ الغرب لا يبدا الا من منطقتنا فقط، لماذا وجود التاريخ الغربي لا يتم اعتماده و تاكيده الا على حساب منطقتنا، لماذا تاريخ الغرب يتعمد ربط تاسيس تاريخه بمنطقتنا ؟
هل يعقل ان الاسكندر عجز عن بناء مدينة باسمه في وطنه و قرر ان يبني هذه المدينة في مصر ، لم يبني مدينة لا في ارضه و لا في ايطاليا و لا في اي ارض خارج منطقتنا ؟
العجيب ان طوال التاريخ السحيق و لم يفكر اي ملك مصري ان يبني مدينة باسمه ليخلد نفسه حتى يومنا هذا حتى جاء واحد يوناني ليخلد اسمه عندنا ؟
و مازال الباحثين العراقين يبحثون عن مدينة بابل و مدينة الاسكندرية في العراق ، لكن العجيب و الغريب الذي لا يثير تفكير هولاء الباحثين ان اسكندرية مصر باقية حتى اليوم من عهد الاسكندر بينما بابل و اسكندرية في العراق اختفيتا نهائيا.
تمثال واحد و ربما اثنين للاسكندر لا ينتميان للفن القديم ، بل من خيال نحات حديث نسبيا ليخلد اسمه و يؤكد حقيقته ، تمثالين لاجل ان يجسد وجوده و يؤكد حقيقته .
--------
لقد جعل الروم اليونان هذه الشخصية في رواية تاريخية، لصناعة رمز و بطل، من اجل صناعة مخيلة قومية لهم، و من اجل تصميم رواية تاريخية له و هو يقود رحلة عسكرية على طول مساحة جغرافية شاسعة جدا و طوال الرحلة يواجه قصص و احداث في كل منطقة جغرافية ، و ينتصر طوال رحلته و يخلد اسمه في التاريخ كبطل عظيم ، و يكون عمله هذا بداية ميلاد الزمن عند الروم اليونان .
لقد كانت رحلة من اجل فرضتفاصيل تاريخ هذا البطل على كل بقعة جغرافية ، فهو يصل مصر و تقوم الكاهنة في معبد امون بوضع قرني وعل على راسه ، و يلقب بملك مصر ، و هنا نحصل على معلومة بان مصر كانوا يعبدون امون ، و هنا نشعر بان المصرين رحبوا به و باعوا وطنهم لهذا الملك الرائع الجميل .
ثم يصل الى ساحل الشام و يقوم بمجازر و يتقدم حتى يصل بابل و يهزم الفرس و يقتل داريوس يستقبله ابناء بابل بفرح ، و يبني اسكندرية هناك ، و يتقدم نحو وسط اسيا و يتوقف ،ثم يصاب بالحمى و يموت في بابل و هو مازال شاب .
و هنا يقوم البطل بتاكيد قصة فارس و قصة هزيمة ملكها
حتى اليمن لم تسلم من رحلته الجغرافية العسكرية ، ففي التاريخ الرسمي يقول بانه جاء لليمن و كان المستشارين يلحون عليه و اتجه عبر البحر نحو اليمن.
و طوال رحلته نصادف اسماء مواقع جغرافية غريبة ، و قصص شعوب غريبة ، و قصص اديان غريبة.
لقد قطع مسافات شاسعة و بعيدة بجيشة بعيد عن الوطن من اجل ان يحقق حلمة الجميل توحيد العالم ( يقوم بعمل من اجل غاية مثالية ليقتنع بها عشاق الثقافة ) قام برحلة على كل المنطقة مع جيشه و انتصر طوال رحلته.
عندما اتخيل مدينتي و المسافة التي نقطعها مشيا حتى اقرب مدينة تبعد 100 كم و التي تحتاج الى يوم و نصف مع الراحة ، فاني اتخيل بعدها المسافات البعيدة و الطويلة جدا التي احتاجها هذا الاسكندر حتى يخيط المنطقة و يصل حتى افغانستان و كيف حفظ الاسماء و القصص و سجلت عنه و كيف خاض حروب متواصلة و لم يتهالك الجيش ابدا من تعب السفر و الحروب .
بنية الخرافات واحدة . فدائما تختصر الزمن و المكان بشكل سريع جدا، يحدث فيها انتقالات لامنطقية في المكان و الزمان . عالم يشبه عالم الرسوم المتحركة التي يشاهدها الاطفال ......عالم غير واقعي و مصنوع من خيال مؤلف و رسام. لكنه عالم جميل عند الانسان بشكل عام ، لان الانسان يجد صعوبة في هظم و تقبل العالم الواقعي الجاف . لكن عندما تخلطه بعالم ساحري متحرر من قوانين الواقع و يختصر الزمن و المكان عبر انتقالات سريعة فهو يتقبله بسهولة و سرعة .
لقد كانت رحلة اشبه بعملية صناعة رواية تاريخية للمنطقة ، و صناعة عالم جديد للمنطقة ، بمسميات الجغرافيا و الاديان و الشعوب. صناعة عالم جديد للمنطقة و مسح العالم القديم و التاسيس على تلك الرحلة من اجل بناء زمن الروم اليونان.
لقد بدا التقويم الروماني بهذه القصة ثم اصبح فيما بعد تقويم ميلاد المسيح، و انا انقل لكم على لسان مؤرخ مقوله تقول بان التقويم الروماني عام 840 كان ساعتها يبدا من انتصار الاسكندر .
هذا البطل العظيم و العبقرية العسكرية لابد ان يخلد و يجسد على انه حقيقة ، باسم مدينة و بتماثيل و بتدريس خططه في الكليات العسكرية ..... و لا بد ان يدخل ذاكرة سكان المنطقة و يتجسد و كانه حقيقة .
لابد ان تتاسس ذاكرة المنطقة على حقيقته ، و هذا العمل يتم عبر جعل اول النصوص المكتوبة بخطهم الجديد، مكتوب فيها هذا التاريخ .
لقد دخلت المنطقة الى ذاكرة جديدة عبر انتقال نصوص القران من خط قديم صعب ، الى خط جديد سهل القراءة، و من الطبيعي ان اول النصوص التي ستكتب بهذا الخط ستكون حقيقة مؤكدة موجوده في عقل سكان المنطقة .
و قد تم بالفعل في عصر الترجمات عندما تمت عمليات ترجمات ضخمة لكتب الروم اليونان ، فتم كتابة التاريخ ، وكلها لابد ان تحوي على فصول تتحدث عن الاسكندر المقدوني و عن تاريخ فارس و ملوكها .
حتى في الدين دخل الاسكندر بقوة الى عقول الناس على انه ذو القرنين ، مع ان قصة الاسكندر تقول بانه كان وثني و مخنث و لديه عاشق، فاصبح الكتاب الديني يؤكد هذه الشخصية و مادام يؤكدها فهو حقيقة مطلقة .
لقد كان مشروع طمس لذاكرة المنطقة ، و صناعة عالم وهمي جديد للمنطقة ، عبر تاليف تلك الرحلة التاريخية و فرضها بقوة على انها حقيقة . من اجل تاسيس زمن جديد للمنطقة .
العجيب ان رحلة الاسكندر العسكرية سبقتها بزمن رحلة هيرودت السريعة ايضا و التي حاولت تغطي كل المنطقة الشاسعة ، و كان الاسكندر المقدوني اراد تاكيد رحلة هيرودت بشكل اكبر ايضا و تغطية كل ذلك العالم. و اما الغريب ما ان تنتهي رحلة الاسكندر ، حتى تبدا رحلة اخرى في المنطقة و هي رحلة اليهود بعد تخريب الهيكل حسب ما كتبوه و هي رحلة تتشارك مع الرحلتين السابقتين في نصفها و نصفها الاخر مختلف تماما.
انها وظيفة الرحلات التاريخية الوهمية .. صناعة عوالم جديدة و ازمنة جديدة وهمية ، من اجل السيطرة على الشعوب ، و القيام بعملية سلخ تاريخي للشعوب من اوطانهم .
السامري حصل على شيء من رسول مرسل من الله، و هذا الشيء جعله يفهم اللعبة بسهولة ، استطاع ان يرى ما لم يراه احد ، و ادرك حقيقة الزمن و التاريخ المليء بالثعابين الطائرة و النسور التي تخرج من تحت الرماد .
{قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي}
لكنه اخفى ذلك الشيء، حتى لا يسقط قومه تاريخيا .
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق