يوجد في ثقافتنا الشعبية نساء نسميهن بالمتسفلات.
المتسفلات جمع متسفلة و هي امراة طاهرة جدا .. لا تجد للحقد و الكراهية مكان في قلبها، تتصف ايضا بالنظافة الشديدة و تحب لبس الالوان البيضاء ... تعيش وحيده ، و ينظر الناس لها بطريقة فيها نوع من الاحترام و المحبة .
تملك المتسفلة قدرات غير طبيعية ، و يقوم بعض الناس باستدعاءها بسبب تلك القدرات الغير طبيعية التي تملكها، فعندما يريد شخص معرفة ماضي انسان ميت لتسديد ديون علية او معرفة مكان كان يخفي فيه مال او وثائق هامة او معرفة اي شيء عن حياة الميت ، يتم استدعاءها ثم تنزوي في مكان و تعود و قد جاءت بالاخبار عن الميت .. لا تأخذ المتسفلة مال على عملها هذا، فهي تقوم بهذا العمل من باب الأجر، و لا تستخدم قدارتها هذا في اي عمل سيء او فيه أذية لأحد، بل انها لا تكشف عن اشياء سيئة في حياة الميت لاقرباءه و يمكن ان تسبب بمشاكل لهم.
من المؤكد بان كلمة متسفله اصلها جاء من كلمة أسفل و كانها اشارة بانها تزور العالم الاسفل عالم القبور ...... و يقال بان تلك النساء وصلن لتلك الحالة بسبب موت عزيز لهن كانت تحبه جدا فاصابها حزن شديد عليه و جعلها تنزوي بعيد عن الناس و تعيش الوحدة.
هذه الظاهرة لم اكن اصدقها، كنت اعتقد انها مجرد قصص من التراث الشعبي و لا صحة لها ، حتى وجدت شخص اكد لي انه استدعى يوما احداهن و اخبرته بمكان وثائق هامة لوالدة كانت موحودة عن صديق قديم لوالده و يعيش في مدينة اخرى و حددت اسمه ايضا.
ماهو تعريف الزمن في ثقافتنا ؟
الحقيقة اني احترت كثيرا في تفسير ظاهرة المتسفلات ، بواسطة مناهج التفكير الحالية التي ندرسها و نتعلمها ، و كانت هذه الظاهرة تشغلني دائما، لاسباب كثيرة من اهمها اني كنت و مازلت منشغل في البحث عن مفهوم الزمن في ثقافتنا الشعبية، و عن صورة و مفهوم الزمن في وعينا، فكنت اطرح عدة اسلئة محاولا فهم تلك الظاهرة و فهم جوانب عديدة في ثقافتنا الشعبية مرتبطة بها، و عن اصولها و جذورها القديمة.
في يوم ما و انا افكر في تلك الظاهرة سالت نفسي سؤال:
هل هذه الظاهرة تؤكد بان ثقافتنا الشعبية قد وصلت لتعريف ثابت للماضي و الحاضر و اصبح التعريف كحقيقة ثابتة في ثقافتنا. و هل هذه الظاهرة توكد على اننا وصلنا للتعريف الحقيقي للماضي بدليل اننا وصلنا لتجربة ناجحة بالاطلاع و الكشف عن الماضي ؟!
لو سلمنا بحقيقة تلك الظاهرة باعتبارنا كعنصر داخل هذه الثقافة ، محاولين فهم معنى الزمن لدى كافة العناصر داخل الثقافة ، فان هذا سيضطرنا الى الخروج من مناهج التفكير الحالية ، لكن خروجنا هذا لا يمنع ان نفكر بمنطق من منطلق تلك الظاهرة.
لنفرض ان هناك اناس يملكون فعلا قدرات غير طبيعية ، يستطيعون من خلالها معرفة ماضي شخص ما، فالسؤال :
هل لان الامر مرتبط باشياء قد حدثت، هل لان الماضي قد حدث، و من المنطقي ان الشيء الذي قد حدث فهو موجود و يمكن البحث عنه و ايجاده، و هولاء الاشخاص يلتقطون من سجل احداث لا نعرف ماهيته، ام ان الموضوع مرتبط بتواصل بين ارواح فقط، و هو موضوع اخر يصعب علينا فهمه ايضا ؟
لكن اذا كانت ثقافتنا قد وصلت لتعريف الماضي و بانه سجل احداث قد وقعت ، و يوجد من يستطيع كشف الماضي و الحاضر، فهل كان يوجد في ثقافتنا او مازال يوجد من يستطيع كشف المستقبل بنفس تلك القدرات الفائقة ، بالرغم من معرفتنا بان المستقبل لم يحدث بعد؟!
الحقيقة من خلال البحث في ثقافتنا الشعبية، نجدها ايضا مليئة بهذا الجانب المرتبط بالمستقبل، فكثير ما نجد قصص و اخبار و حكايات تتحدث عن النبؤات التي ستتحقق في المستقبل ، بغض النظر عن التصديق بها او علاقتها بالدين، فهناك مثلا نبؤة محلية تحكي بان الاعور هو من سيحصل على الكنز الموجود في منطقة ما، و هناك حكاية من التراث تحكي عن شخص من اسرة فقيرة تحققت عليه نبؤة رجل زار منزلة ، و هناك نبؤات تتحدث عن نهاية حاكم، و هناك ايضا قصة مثل قصة النبي يوسف عليه السلام ، و هناك الكثير من القصص تدور حول النبؤات.
هذا التراث الكبير الذي يدور في موضوعات النبؤات يؤكد بان هناك ثقافة تعتقد ايضا بامكانية كشف المستقبل، و تؤكد كذلك بان بنية هذا الثقافة تؤمن و تعتقد بان المستقبل ايضا قد حدث فعلا.
لهذا من الطبيعي ان يكون المستقبل في وعي العناصر داخل هذه الثقافة قد حدث فعلا لكن في علم المثل الاعلى للثقافة و هو الله، و سيكون الناس داخل هذه الثقافة مجرد سيناريو معد مسبقا و لكنهم لا يعلمون.
تاريخيا ...... تعرض هذا المفهوم للزمن لجدال و نقاش كبير بين العلماء و الفلاسفة و تسبب في ظهور مذاهب فكرية و دينية متعددة. و في الوقت الحالي نال هذا المفهوم للزمن نقد من العديد من المفكريين و معظمها ترى ضرورة اصلاح هذا الزمن ، باعتقاد ان هذا المفهوم لا يدفع الانسان للحركة. و لاني لا اريد ان ادخل حاليا في نقاش فلسفي و فكري حول مفهوم الزمن و انعكاسة على الواقع فهو ليس موضوعي الرئيسي ، فاني سانهي هذه النقطة بسؤال :
اليس هذا المفهوم للزمن يتفق مع العلم حديثا الذي يؤكد على ان السفر عبر الزمن ممكن نظريا، اليست بعض النجوم البعيدة جدا عن مجرتنا وفق النظريات الحديثة في الفيزياء، و التي يصل ضوءها للارض، هي في الحقيقة نجوم قد ماتت من زمن بعيد و نحن الان نشاهد ماضيها فقط ؟!
اعتقد ان ثقافة كشف الماضي بشكل عام داخل ثقافتنا نادرة ، لكن بشكل عام فجل الموضوعات المرتبطة بها مقتصرة على الاشخاص مثل ظاهرة المتسفلة التي تبدو لي الابرز ، فهذه الظاهرة مقتصرة على الشخص و كان التجربة تحتاج الى شخص ميت فقط ، لكن هل يمكن لهذه الظاهرة ان تكشف عن تاريخ عام و تكشف عن الاحداث و كيف جرت بشكل حقيقي ؟ ..... سؤال هام لدي.
ظاهرة كشف المستقبل تبدو واضحة داخل ثقافتنا بشكل اكبر ، من قصص تدور حول احداث عامة او حول شخصيات ، و من اهتمامات الناس في مطالعة الابراج ، الى م علوم تدور حول هذه الظاهرة و الخ ... و تبدو نبوءات المستقبل كالخوارق في داخل ثقافتنا ، عندما تنطبق الاحداث مع منطوق النبوءة .
هذه التساؤلات و الافكار و عمليات البحث يطول الحديث حولها ، لكني اختصرتها بالشكل السابق ، لان ما يهمني فيها انها قادتني الى طرح سؤال هام:
هل يمكن القول بان الانبياء ظاهرة ولدت من داخل هذه الثقافة ، و هم من بين هولاء الذين حدث لهم اتصال مع المثل الاعلى للثقافة و هو الله، حسب اعتقاد المؤمنين بظاهرة النبوة و كشف له عن المستقبل ، هل الانبياء هم الذين يستطيعون مشاهدة احداث المستقبل و الكشف عنها، و هل كانوا ظاهرة قديمة جدا و متعارف عليها و هل كان لهم انعكاس متكرر على الواقع منذ القدم؟
و هل يمكن القول بان الانبياء ليسوا الا اشخاص جاءوا بنبوءة عن المستقبل ؟
اعتقد بان هذا التصور قد يبدو لي ممكن جدا و منطقي ، و نسبة الاحتمال فيه كبيرة جدا، ف هذه الثقافة تحتفي جدا بالتنبؤات و تجدها ظاهرة خارقة بل و معجزة، بل انها جعلت من الانبياء في مكانة هي الاعلى بين البشر .
لكن هذا التصور الذي يبدو منطقيا ، سيدفعنا لطرح سؤال كبير :
مادام محمد يعتبر نبي ، فلماذا لا نفترض بان محمد(ص) قد جاء بنبوءة عن المستقبل و التي تؤكد بانه نبي فعلا؟
لما لا يكون الامر كذلك ، لنفترض بانه فعلا جاء بنبوءة فهذا سيجعلنا نطرح سؤال تخيلي، اذا كان محمد جاء بنبؤة المستقبل ، فكيف ستكون النبوءة و في اي موضوع ؟
- النبوءات في مجتمعاتنا كثيرة جدا، و الكثير منها يتحقق ، فما الذي اذن سيفرق بين نبوءات و نبوءة النبي محمد مثلا.
هل ستكون مثلا دليل او اثبات و مالفائدة الاثبات، هل يمكن ان الفائدة من اصلاح خلل ، ثم ان النبوءات بشكل عام تبدو كمن يحاول فرض احداث و زمن على النبوءة لتحقيقها، لذلك لو جاء النبي محمد بنبوءة فلا بد ان تكون خارقة جدا و تنطبق جدا على زمن معين ، و لا يمكن الا التسليم بها، بالنظر الى مرتبة النبوءة التي في داخل ثقافتنا، و لا تحتمل افتراض الامكانية او عدم الامكانية ، لابد ان تكون بطريقة بحيث لا تقبل الشك، و لا يمكن لاحد الا التسليم لها . لابد ان تكون بالشكل 1+1=2.
هذا هو وصف النبوءة لو حقا جاء محمد بنبوءة المستقبل، لكن في اي موضوع ستدور حوله النبوءة؟
الاجابة صعبة ، و ليس امامي الا الافتراضات و البحث حولها ، و لكن هذه الافتراضات ساختارها من خلال تجربتي و تفكيري البسيط .
لابد ان تدور النبوءة حول شيء و لابد ان يكون جذري، حول اساس او نقطة جوهرية جدا جدا ، لابد ان تكون نقطة تودي الى اصلاح كل شيء مثلا ، نقطة يدور حولها الحقيقة مثلا ، شيء له علاقة باصل الاشياء .
لدي تجربة لاباس فيها في القراءة و البحث ، و عندي تصورات شخصية في قضايا متعددة ، و من خلال هذا بالاظافة الى تجربة شخصية وقعت لي قبل سنوات و استمرت تقريبا السنة معي، و التي خرجت منها برغبة عارمة في البحث عن الزمن، فالزمن الشيء الوحيد الغير معالج في ثقافتنا، بعد ان وصلت لقناعة باننا نعيش في داخل زمن وهمي غير طبيعي ابدا، بل شعرت بان هذا الزمن الوهمي هو المصيبة الاكبر الواقعة علينا .
نعم ..... الزمن هو الكارثة الاكبر التي لا يستشعرها الكثير.
لما لا يكون الزمن ؟!
نعم لما لا تكون نبوءة محمد تدور حول الزمن ؟ ، اذا كان محمد نبي امه فلابد ان يحمل معه نبوءة تحل مشكلة الزمن بطريقة 1+ 1=2 و لا يقبل الاحتمال و بشكل واضح ، لان امته مسجونة داخل زمن وهمي. و مادام هو نبي ، فلابد انه قد اطلع على المستقبل و كشف لامته اين الخلل بشكل واضح .
بالاظافة الى الزمن لابد ايضا من البحث في افتراضات اخرى، و بالنظر للواقع اليوم فهناك ايضا جذور اخرى اساسية ، و لكن اجدها مرتبطة بالزمن ... اذن لا شيء غير الزمن ... و علاج الزمن سيعالج بقية الجذور الاخرى .
لما لا تكون النبوءة حول حقيقة الغرب اليوم ، و هم مشكلة العالم الاساسية ، لو حقا محمد جاء بنبوءة فلابد و انه قد اطلع على المستقبل و كشف لامته حقيقة هولاء و كيف التعامل معهم و علاج مشكلتهم و اجرامهم و عبثهم ؟
لما لا يكون كل هذا فعلا
اذن فاين يمكن البحث عن نبوءة محمد ؟.
ليس امامنا الا شيء واحد يمكن البحث من خلاله و التاكد من هذا الشيء ، و هذا الشيء هو القران الكريم ، الميراث الذي يمكن الاحتكام له و بثقة تامة ، لان بقية ما ينسب للنبي من قصص و احاديث لا يمكن الجزم و التاكد منها، لان الاحتمال سيكون كبير جدا بكونها نتاج شعبي و سياسي و اجتماعي تفاعل مع ظاهرة النبوة مع الزمن. و عليه و وفق منطقنا هذا الا يمكن ان نطرح السؤال التالي :
هل القران الكريم من اول صفحة فيه حتى اخر صفحة عبارة عن نبؤة كاملة تتحدث عن المستقبل ؟
هذا السؤال يتطلب منا تفصيل كبير و تدرج حتى نصل الى استيعاب الحقيقة التي تم اخفاءها عمدا عن المسلمين طوال قرون عديدة ، و التي تؤكد بشكل قاطع بان التراث الديني الذي انتج حول القران ليس الا محاولات فاشلة لتاويل القران و تزوير متعمد و شخصيات و همية، و هي نفسها المحاولات الفاشلة لمناهج التفكير الغربية و التي انتهجها البعض في فهم ظاهرة القران .
{هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}
{فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين}
يتبع ....
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق