في المقال السابق تحدثنا عن زرادشت و الزرادشتية الحالية بشكل مختصر حسب المراجع الرسمية و الواقع اليوم . و تحدثنا عن بعض معتقدات الزرادشتية لازالة التصور السلبي نحوها .
السؤال المنطقي
لماذا الاديان تحاول ايجاد موقع لها في الزمن و التاريخ، لماذا لا يكون الدين مجرد فضاء عام لمعتقد بدون وجود قصة تاريخية و زمن ما تتحدث عن بداية الدين ؟
سؤال منطقي جدا، قصة الدين ضرورية لربطها بسلطة علوية او روحية، تصبح هي النواة التي تحفظ الدين معناه في نفوس الناس و الدين بدون وجود رواية تاريخية له يصبح مجرد فكرة غير مقنعة .
لماذا لا يكون الدين و المعتقد مجرد فطرة من قديم الزمان، بدون احتياج لوجود قصة تاريخية ؟
هذا هو جوهر الموضوع، لان علاقة الزمن بالدين ضرورية كاصل للفطرة الاولى الطبيعية .... البداية .. و غيرها يصبح ليس من الفطرة الطبيعية .
اذن علاقة الاديان بالتاريخ و الزمن علاقة ضرورية، لربط الدين بالحقيقة الاولى (الفطرة الاولى) .
صحيح ان الدين و المعتقد خاص بجماعة من الناس و يجب ان تحترم معتقدات الناس، لكن المشكلة ان التاريخ و الزمن ليس معتقد و ليس ملك خاص بجماعة ، بل هو شأن عام يخص الجميع، و تواجد تاريخ و زمن وهميين و فرضهما كحقيقة و علينا احترامها كاحترام المعتقد ، فان هذا سينفي تاريخ اخر و زمن اخر حقيقين .
و هذا هو السبب في حديثنا حول موضوع زرادشت، و هو حديث يناقش تاريخ و لا يناقش دين او معتقد، فلا علاقة لنا بالمعتقد ابدا، و لا نهتم اطلاقا بمعتقدات الاخرين. نحن نناقش تاريخ.
لكن بسبب ارتباط الدين بالتاريخ و الزمن فنحن معذورين لو فهم الموضوع بشكل خاطىء بانه تهجم على معتقدات الاخرين .
----------------------------------------
لماذا زرادشت شخصية وهمية و قصته محض خيال قوة ارادت صناعة عالم جديد وهمي و لم تعرف ايران هذا الدين اطلاقا قديما ؟
دعونا اولا نناقش تاريخ زرادشت
■ اسم زرادشت لم تتفق جميع المصادر حول معنى اسمه، حتى معتنقي الدين نفسه مختلفين عن معنى الاسم، و هذا يدل على ان الاسم غريب، بل ان جميع المصادر تتفق على ان اسمه حصل عليه بسبب صفة او حادثة جرت له، هذا يعني انه ليس اسمه الحقيقي.
بالنسبة لي اعتقد بان اسم يوناني و ليس الا ترجمة معكوسة لاسم الملك داريس الموجود في الوثائق اليونانية و اليهودية.
- دارايس = دارايز
(حرف السين ينطق ز مثل كلمة قيصر تنطق سيزر)
- داريز = زيراد
- زيرادس = زيرادش
( السين ينطق شين بلهجات مختلفة ) نفس اسم الملك كورس الذي ينطق قورش.
- زيرادش = زيرادشت ( تاء اضافة مشهورة في اللغة الايرانية )
اعتقادنا بان الاسم هو ترجمة معكوسة للملك داريوس،لان التاريخ الذي كتب عن هذا الملك يقول، بانه كان ملك متدين جدا و وصل بالدين في ايران الى قمة المجد و ذروة الكمال، و يعتبر هو اول ملك لاول امبراطورية توحيدة في العالم القديم.
شخصية داريوس في كتابات اليونان و اليهود التي اتصفت بالتدين و الايمان ،كانت هي المدخل الذي جاء منه اسم زرادشت . لصناعة شخصية دينية مركزية يتمحور حولها دين .
يزيد تاكدنا هو اصرار المصادر على نطق اسمه وفق اللغة اليونانية ،بالرغم من ان الوثائق التاريخية اليونانية لم تتحدث اطلاقا عن شخص اسمه زرادشت و لا تتحدث عن ديانة اسمها زرادشتية.
فلماذا تكتب المصادر اسم زرادشت بالنطق اليوناني مادامت لم تتحدث ابدا عن ديانة زرادشتية او نبي اسمه زرادشت ؟
■ عاش زرادشت من 628ق.م - 550ق.م
لاحظ الى تاريخ ميلادة، الا تجده متشابه جدا مع تاريخ النبي محمد وفق التقويم الميلادي لكن بالمعكوس ( 570م - 632م)
تحديد زمن زرادشت تم حسب كلام المصادر على اساس تقويم قديم فارسي، و بعد مقارنة وجدوا بانه عاش في تلك الفترة وفق التقويم الروماني .
لكن اين هو هذا التقويم الفارسي القديم؟، و اين هي وثائقة التي تؤكد على انه كان موجود و معمول به، بالرغم من قصة زرادشت تتحدث بان معظم الانتاج الفكري قد احرق، حتى انه اعيد كتابة كتاب زرادشت بعد 600 عام تقريبا من اختفاءه ؟
لكن السؤال ..... هل الصدفة جعلت زرادشت يعيش في فترة بداية رواية ظهور فارس حسب مصادر التاريخ اليوناني و اليهودي؟ ، و كان هناك وعي مسبق يريد قصة الدين تبدا من هذا الزمن، ليس وعي محلي بل وعي يهودي و غربي.
زرادشت مات في عام 550ق.م، و في ساعة موته كان يحكم فارس ملك اسمه كشتاسب، و هو الملك الذي امن بزرادشت و نشر تعاليمه و اقسم على نصرة دين زرادشت و تقويته بعد ان وصل له خبر مقتل زرادشت ...... لكن حسب مصادر التاريخ الرسمية كان يحكم فارس في عام 550ق.م الملك كورس(قورش) .
فمن كان يحكم فارس عندما مات زرادشت ، هل كان كشتاسب ام قورش ؟
سيقال بان التقويم غير دقيق، فربما مات زرادشت قبل قورش و هذا يحل التناقض، لكن موت زرادشت قبل ظهور قورش، لن ينهي التناقض ايضل، لان كل مصادر التاريخ اليونانية التي كتبت حول قورش لا تتحدث عن شخصية زرادشت و لا تتحدث عن ديانة اسمها زرادشت.
ملاحظة هامة جدا :
لو طالعت تاريخ الاديان .... ستجد بان كل شخصياتها المحورية التي اسستها ظهرت في نفس فترة ظهور زرادشت، القرن السادس قبل الميلاد ، من بوذا الى مهاويرا الى كونفشيوس الى زرادشت الى قورش الى اليهود ، تشعر و كانه حدث اتفاق عام عالمي تم بموجبه تاسيس اديان للعالم كله، ما عدا الاسلام الذي شذ عن القاعدة ، و ظهر في فترة زمنية مختلفة ... في القرن السادس للميلاد .
ظهور زرادشت في نفس فترة ظهور فارس في التاريخ حسب مصادر اليونان و اليهود، يجعلنا نشعر عندما نقرا قصته و كاننا داخل عالم يعي جيدا التقويم الميلادي، ويعطينا دلائل باننا امام منتج يوناني و يهودي ، و هناك وعي حريص جدا على وضع منتجاته في نفس دائرته الزمنية و لا يتعداها الى زمن اخر.
■ زرادشت ذهب لعند شخص لتعلم الدين .
ما طبيعة الدين الذي كان عليه زرادشت، اي ان زرادشت خرج من سياق ديني قديم لكن التاريخ لا يتحدث حول اسم الدين و ماذا كان الدين قبل زرادشت؟
و هنا نطرح سؤال هل الاله اهورامزدا اوحى لزرادشت فقط ليكون نبي و رسول، ام كان هناك قبل زرادشت انبياء و رسل سابقون له، لو كان الموضوع سياق قديم لدين موجود قبل زرادشت، لكانت عقيدة الزرادشتية تتحدث عن انبياء و رسل سابقون، و زرادشت سيكون رسول مثل بقية الرسل، لكن الزرادشتية تتحدث عن زرادشت و بانه وحده رسول الاله اهورامزدا. و اصبح زرادشت هو من اوجد اهورامزدا ، و ليس العكس.
قلنا لا شان لنا بالعقيدة ، لكن طرحنا للنقطة هذه، لمعرفة هل الزرادشتية ديانها صنعها زرادشت ، ام هي ديانة قديمة موجودة حتى نعرف تاريخها .
■ زرادشت رسول الاله اهورامزدا
وفق التاريخ يقول بان بان الناس في فارس كانوا يعبدون اهورامزدا ، و يقال بان اهورامزدا مكون وفق اللغة الافيستية القديمة من مقاطع ( اهو)( را )(مزدا).
الحقيقة ان التفسير غير مقنع بالنسبة لي، خصوصا ان مصادر التاريخ الرسمية تتحدث بان اللغة الافيستية صعبة جدا و غير مفهومة ... ..... و لهذا السبب تم ترجمة كتاب زرادشت الى اللغة البهلوية. لذلك لا استطيع ان اقتنع بتفسير هذا الاسم وفق لغة صعبة و معقدة و غير مفهومة لدى اتباع الدين نفسه .
انا اعتقد بان اهورامزدا اسم يوناني بحت، و هو مشتق بتحريف من اسم هورمز و هو اله الحكمة في كتب اليونان .
اصبح لدينا حتى الان ثلاثة دلائل تجعلنا نعتقد باننا امام منتج يوناني ( اي تاريخ يوناني)، في وظيفة و مهمة لتاكيد تاريخ يوناني.
■ ولد زراشت في ااراس في اذربيجان
بالرغم من انه ولد في اذربيجان لكن معتنقي الدين فيها قليلون جدا، هذا من جانب و من جانب اخر، هو نفس المكان الذي ولد فيه قورش نبي اليهود .. منطقة اراس ... صدفة ؟! .... لكن لم نسمع قورش حسب مصادر التاريخ يتحدث عن زرادشت .
عندما مات زرادشت كانت الزرادشتية دين كل تلك المناطق ، و استمر الامر من 550ق.م حتى عام 333ق.م ..و اي 200 سنة . و خلال هذه الفترة تكونت مدينة كمركز روحي هي اصطخر .
200 سنة تصنع اجيال و شعوب يكون الدين فيها عميق و راسخ ، لكن العجيب ان الاسكندر المقدوني حسب التاريخ جاء و انهى الدين كله عن بكرة ابيه.
طبعا لا يمكن لمعتقد ان ينتهي من بلاد، اطلاقا
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن قصة الاسكندر و دورها في التاريخ، و تحدثنا بانها شخصية وهمية وظيفتها صناعة رحلة تاريخية عبر المنطقة لمسح تاريخ و زمن و صناعة تاريخ و زمن جديد، و هذا ما حدث مع قصة الزرادشتية ، وظيفة الاسكندر لاجل جعل القصة تبدو منطقية لو طرحت اسئلة حول اسباب عدم وجود نسخة اصل من كتاب الافيستا لزرادشت و حول تراث الزرادشتية اين هو، عندها يكون الجواب بان الاسكندر احرقها كلها و هناك تنتهي الاسئلة .
طبعا لو فكر انسان بشكل منطقي ، تخيل الاسكندر المقدوني بجيشة في ايران ... كم سيكون تعداده و ماطبيعة الاسلحة النووية التي جعلته يصل لهناك ... و ينسي كل العالم و ينشغل بحرق تراث الزرادشتية ...العالم كله مركز على فارس ... و جيشه يملك سيوف مثل بقية شعوب العالم ... لكنه استطاع ان يخترق الجغرافيا و يصل فارس و يحرق كتبهم كلها .
لكن كاتب القصة وجد مخرج امام القارىء ............ بان حصر الزرادشتية في مركز روحي موجود فيه كل تراث الزرادشتية، و عندما يحرق المركز يعني بانك احرقت كل عالم الزرادشتية من الوجود في كل فارس .
يعني لو احرقت مكة و كل كتب هناك ، فانت طمست عقيدة الاسلام عند الناس ، نفس هذا المنطق ؟
اصبحت فارس وثنية .......... و طوال 600 سنة من احراق كتب الزرادشتية لم يخرج حتى شخص واحد يكتب عن الزرادشتية . انتهت تماما . هل يعقل ؟
تخيل الاسكندر في مدينتك الان ... و معاه جيش بسيوف و انت و ابناء منطقتك بسيوف ... و تستسلمون لهم طوال 600 سنة و تنسوا الاسلام و يختفي الاسلام من عقولكم . و تختفي فكرة وجود اله في الكون و بان هناك حياة اخرى .
المهم
كتاب زرادشت الافيستا كتب على 12 الف جلد بقر .
هل تتخيل هذا الرقم ؟ ، رقم مهول و كان الانسان يحتاج الى هذا الرقم لفهم ان الحياة لها خالق و هناك يوم اخر .
هذا الرقم من اجل اعطاء بعد منطقي اخر، باستحالة كتابة كتاب مرة اخرى بحجم 12 الف جلد بقر ... لذلك يصبح من المنطقي ان 12 الف جلد بقر تحتاج الى انتظار 600 عام حتى يخرج ملك فارسي و يعيد احياء الدين و جمع كتاب الافيستا .
لكن الغريب ان فارس ظلت تحت حكم اليونان 600 عام و عادت مرة اخرى و استقلت عند صعود حاكم فارسي شاهبور .
في عام 222 م لم يعد لليونان اي وجود في التاريخ، و الروم وحدهم من كان لهم القوة في ذلك الوقت . كيف عاشت ايران في ظل حكم اليونان 600 عام، الذين استطاعوا انهاء دين . اليونان مشغولين بفارس لكن لا تواجد لهم في محيط فارس في المنطقة ، فليس لهم وجود في اي مكان في المنطقة الا في فارس .
حسب التاريخ بان سبعة من كبار رجال الدين قاموا بعملية بحث و تمشيط في فارس لتجميع تراث الزرادشتية ، هل يعقل بان رجال دين يبحثون عن كتابهم الديني من عند الناس ؟ ، و كان الموضوع متعلق بقصص و امثال شعبية يبحثون عنها لتدوينها .
مادام الموضوع متعلق بالبحث، فالمفروض بان 600 سنة لا تمنع احد من معرفة دينة و كتابة الديني ، لكن الناس كلهم بمن فيهم رجال الدين خاملين و غير مهتمين بالدين ، حتى جاء ملك و امر رجال الدين بالمهمة .
و قام رجال الدين بجمع ما استطاعوا و حصلوا على اجزاء من كتاب الافيستا ، و هذا يعني بانه كان هناك نسخ من الكتاب و ليست نسخة واحدة حتى يحرقها الاسكندر و ينتهي الدين .
لكن ما ان يتم تجميع ما استطاعوا تجميعه، حتى يقرروا ترجمتها للغة اخرى مختلفة ، لان اللغة الاصل معقدة و صعبة و غير مفهومة .
هل يعقل ان 600 سنة قادرة على محو لغة و استبدالها بلغة مختلفة و جديدة ، هل يعقل ؟ .. نحن منذ 1400 سنة و تعرضنا لغزوات كثيرة ، وحكمنا من قبل الاتراك ، لكننا مازلنا نستطيع قراءة كتب دينية مقدسة و لا توجد اي مشكلة .
كما ذكرت سابقا .. وظيفة شخصية الاسكندر الوهمية في التاريخ هو محو ازمنة و عوالم و لغات و استبدالها بعوالم جديدة.
تم جمع الكتاب و ترجم من لغتة الاصل الافيستا الى اللغة البهلوية مع شروحات و اضافات و تعليقات العلماء و الادباء في الكتاب الجديد .
يعني بان النسخة الاصل غير موجودة .... و نحن امام نسخة جديدة اقرها علماء ... في عام 222م ......... لكن العجيب بان اقدم نسخة من الكتاب الجديد بعد الترجمة عمرها من عام 1258م .
لاحظ الى التاريخ 1258م في نفس الفترة التي وقع فيها اجتياح المغول لبغداد حسب التاريخ .... الا يثير الموضوع استغرابك ؟
كيف
المغول و التتار الذي احرقوا كل الكتب حسب التاريخ المدون، تكون المصادفة ان يظهر مع هذا الحدث كتاب الافيستا .
لكن السؤال الاهم .... لماذا استبدلوا لغة الكتاب الاصلي بلغة جديدة ؟ ....... او السؤال بشكل اصح ... لماذا كتبوا في التاريخ بانهم استبدلوا لغة الكتاب الاصل بلغة جديدة ؟
ساخبركم السبب الحقيقي و المنطقي
علماء الغرب جعلوا لفارس في التاريخ ثلاث لغات .. بشكل رسمي و معتمد و لابد لكل قارى او دارس تاريخ ان يحفظ هذه المعلومة .
هذه هي اللغات التي مرت على ايران عبر التاريخ حسب الترتيب من الاقدم الى الاحدث .
اللغة الايرانية القديمة (الافيستا)
اللغة الايرانية المتوسطة( البهلوية)
اللغة الايرانية الحديثة ( الحالية )
لو كتب كتاب الافيستا باللغة الايرانية الحالية .... سيسبب الموضوع مشكلة تاريخية كبيرة ....... و سيدمر البناء التاريخي الذي اشتغلت عليه كيان في الغرب طوال قرون عديدة.
لابد من اختراع لغة اخرى و جعلها لغة كتاب الافيستا ؟
لماذا ؟
60% من مفردات اللغة الايرانية الحالية مشتركة مع اللغة العربية
و ماذا يعني ؟
هذا يعني ظهور مفردات اللغة العربية في التاريخ القديم قبل الميلاد بنفس لغة اليوم و هذا يمثل كارثة كبيرة ، ممنوع منعا باتا ظهور اللغة العربية في التاريخ القديم .......... ممنوع جعل اللغة العربية موجودة و ملازمة مع التاريخ اليوناني . لانه سيتكون عندها وعي بوجود العربية في قديم الزمان ..... بينما مخطط التاريخ يريد اللغة العربية تظهر في مكة فقط .
و ما الاهمية ؟
حتى لا يقترب الزمن في مخيلة الناس ، لابد ان يكون التاريخ قديم و لا ينتمي لليوم ، حتى لا تشعر الشعوب بان القصة حديثة و ليست بالقديمة جدا، و حتى لا يتم خلق وعي عند الشعوب، يمكن ان يفكر بوجود كتاب قديم فصلت اياته قران عربي.
يتبع
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق