لن تعود مصر الا من بوابة اليمن
المعادلة التي لم تستوعبها بعد مصر
تقريبا قبل خمسة اشهر من اعلان السعودية قيام تحالف عاصفة الحزم يضم 13 دولة و شن عدوان على اليمن ، كان في زيارة اليمن وفد اعلامي مصري للاطلاع على التطورات الجديدة التي تجري في اليمن خصوصا بعد تصاعد المخاوف من سيطرة الحوثين للشريط الساحلي و الامن باب المندب ، و قام الوفد بعمل لقاء صحفي مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ، و في اللقاء افشى صالح بمعادلة قوة مصر الصحيحة و قدمها كهدية لمصر و قال بالحرف الواحد : الازمة في اليمن حلها بيد مصر ، و نحن نقدم ملف اليمن لمصر، و راضين بحلولها على الازمة ، لكن بشرط ان تكون مصر هي مصر جمال عبدالناصر .
الكثير يدرك حقيقة عملية التشوية الكبيرة الفكرية و الاعلامية الممنهجة و المتعمدة على حقبة عبد الناصر بعد صعود السادات للحكم خصوصا في الداخل المصري ، لم تكن تستهدف عمليات التشويه تلك ناصر لذاته في مسالة شخصية ، بل كانت بالاساس تستهدف كل السياسة و المواقف و الخطوات المصرية في تلك الحقبة و تجريمها في وعي الراي العام سوى داخل مصر او خارجها ، و اعتبارها سياسات خاطئة و تدميرية لمصر ، بل كان هدفها فصل مصر فكريا و نفسيا عن محيطها، باعتبار ان المحيط لا يمت بصلة و علاقة بمصر ، بل يضرها و هو سبب نكسات مصر و خسائرها ، و نعرف كيف ظهرت موجات التذمر من المحيط، و زادت بعد مقاطعة المحيط لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد ، و لاجل هذا تم صناعة بطل النصر لمصر ، رمز للنصر لاجل الاطاحة برمزية ناصر ، فهذا الرمز استطاع تحقيق النصر و القادر ان يسحب البساط عن ناصر و تجريمه و القيام بعدها باي خطوة و سيباركها كافة الشعب ،فهو الوحيد القادر على مد يده لاسرائيل بحكم ان هذا البطل انتصر، و هو يمد يده من قوة و ليس ضعف.
تلك السياسة جعلت المحيط غير مرتبط بوجدان المصري ، و هذا هو المطلوب ، جعل المصري يرى في قضايا المنطقة امر غير مرتبط و مؤثر عليه بحيث يفقد رؤية مصالحه بشكل جيد ، كي تخسر مصر محيطها الامني مع الوقت و هو غير مهتم ابد ، و مع الوقت بدا المحيط يضيق و يضيق حتى يوشك على خنق مركز الدائرة ، اضعاف مصر حتى تفتيتها .
تخلت مصر عن العراق و ليبيا و اليمن و لبنان و السودان ، الحلقة تضيق على مصر مع الوقت ، حتى موعد التفتت الداخلي ..فاذا كان المصري يشاهد بريطانياا و غيرها من الدول تتدخل في المنطقة و هي القادمة من وراء البحار ، فكيف لا يكون لمصر مصالح استراتيجية قوية في دول مجاورة بعقلية المصري الذي لا يرى لمصر مصالح في المنطقة ؟
تنتشر في اوساط الراي العام في مصر فكرة خاطئة ان عبدالناصر كلف مصر خسائر في معركة وهمية في المنطقة بدون اي مصلحة سوى محاولة نشر الفكر القومي، و منها حرب اليمن و التي استنزفت مصر كثيرا و من اسباب هزيمة 67 ، خسرت مصر الكثير و لم تستفد شيء .
و هذه الفكرة خاطئة ، قد اتفق مع ان ناصر كانت له اخطا في العمل ، لكن ناصر لم يكن مخطىء في الخطوة و الموقف ، بل كانت الاخطاء في الحسبة و التنفيذ ، اما القول بان ما قام به ناصر بالاساس خاطىء و ليس في مصلحة مصر ، فهو كلام خاطىء جملة و تفصيل . ناصر تدخل في اليمن لمصلحة مصر بالاساس الاول و ليس حبا في اليمن، لاجل مصر، خطوة استراتيجية لتامين مصر ، هذه الحقيقة التي لا يستوعبها الكثير في مصر .
الان دعونا نعالج تلك الفكرة الرائجة في الاوساط المصرية لكن قبلها احب ان اتحدث في نقطة مهمة ، و هي ضرورة التخلص من ثقافة المن و الفضل و استيعاب ثقافة المصالح المشتركة ، هناك مقال بسيط يشرح هذه الجزئية على الرابط هذا و ارجوا الاطلاع عليه للاهمية
http://sun2son.blogspot.com/2016/12/blog-post_19.html?m=1
مصر دخلت اليمن لاجل امريين اثنين:
1- الامر الاول ...دعم دولة كي تكون حليف استراتيجي لها و في صف مصر عند اي محاولة سعودية لتهديد امن مصر ، لان السعودية هي من تدير مشروع امريكا و اسرائيل في المنطقة، هي اليد الطولى لامريكا و اسرائيل في المنطقة ، بمعنى ان مصر تصنع حليف استراتيجي لها قرب مديرة مشروع اسرائيل و امريكا ، حليف لها مهدد لاسرائيل و امريكا في اي محاولة لها في تهديد مصر ، و الدليل ما تشاهدونه اليوم من تحركات السعودية في المنطقة لخدمة اسرائيل و امريكا ، و محاولاتها تركيع مصر و محاصرتها لجعل موقف مصر في صف السعودية على حساب مصالح امن مصر الوطني.
2- الامر الثاني لاخراج بريطانيا من اليمن و انهاء سيطرتها و تحكمها بباب المندب الشريان البحري الاستراتيجي و الدليل بعد توقيع اتفاق ناصر و فيصل في الخرطوم مباشرة ، تم توقيع اتفاقية الجلاء البريطاني عن اليمن الجنوبي و تسلمت الجبهة القومية الحكم في اليمن الجنوبي التي كانت علاقتها قوية بعبد الناصر .
في عام 1962 دعمت مصر ثورة ضد النظام الامامي في اليمن . عبد الناصر نجح في الجزائر لانها كانت معركة تحرر وطنية ضد مستعمر خارجي وحد الجبهة الداخلية في الجزائر فطرفي الصراع كان خارجي و داخلي ، لكنه فشل في اليمن خصوصا شمال اليمن، لاسباب كثيرة ، من بينها انه في اليمن تحولت الى حرب اهلية داخلية و ان كانت بدعم خارجي، طرفي الصراع كانا الاثنان داخليا، فلم لم يستطع حسم الامر في اليمن سريعا بسبب طبيعة اليمن و التي كانت خارج خبرة التجربة السياسية لمصر ، ايضا المتغيرات التي جرت بعد نكسة 67 و التي ادت الى توقيع اتفاق بين مصر و السعودية في الخرطوم ، مؤكد ان السبب الثالث هو موت جمال عبدالناصر و عدم وجود خلف له يواصل المشروع بل قام باجهاضة .
في عام 1967 كانت مصر تخوض حرب ضد اسرائيل و كانت اليمن تخوض في نفس الوقت معركة ضد الملكين المدعوميين من السعودية و امريكا لتثبيت الجمهورية . و بعد النكسة اضطرت مصر لتوقيع اتفاق مع اسرائيل ، نعم اسرائيل و هذه الحقيقة التي يصعب فهمها ، اتفاقية الخرطوم كانت بين مصر و اسرائيل ، فقد كان فيصل مجرد وكيل لاسرائيل .
خروج مصر من اليمن و تحويل الصراع الى شان داخلي يمني سياسي في اليمن ، و خروج بريطانيا من الجنوب و توقيع اتفاقية الجلاء ، فتخلى ناصر عن الحسم النهائي في الشمال لكنه انتصر في الجنوب . اتفاقية الخرطوم نصت على سحب الجيش المصري و اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري في اليمن و استضافة الملكين لديها. ناصر قبل بالاتفاقية لكنه بعد خروج مصر من نكسة 67 و خسارة مصر لجنود في اليمن قررت التفكير بالية سياسية للصراع من خلال مفاوضات ، و في بال عبد الناصر تحويل الصراع في اليمن الى عمل سياسي على الارض اليمنية ، لانه يعي بان السعودية لن تنتهي معركتها في اليمن . و الدليل ما ان خرج الجيش المصري حتى وقعت ملحمة السبعين حصار صنعاء .
وضع مصر لم يكن يسمح بزيادة استنزاف .
1970 توفي ناصر و تشكل مؤتمر خمر في اليمن الممثل الرسمي للسعودية في اليمن و تمت مصالحة في اليمن تسمح بعودة الملكين التابعين للسعودية و مشاركتهم في الحكم ، اذن تم اقتسام اليمن بين السعودية و مصر في النفوذ، و كان قد تشكل تكتل سياسي اخر يسير في نفس مسار مصر. و بدات عمليات النفوذ السياسي في اليمن يمتد على كامل الخريطة و عمليات استقطاب واسعة تمت من قبل التكتلين . لكن بالاخير انتصر مؤتمر خمر السعودي و تحديدا بعد مقتل الرئيس اليمني الحمدي بتدبير من المخابرات السعودية بسبب خطوة كارثية كان الشمال مقبل عليها و هي توقيع اتفاق الوحدة مع الجنوب الذي خرج من نفوذ السعودية .
1978 تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، الزلزال الاكبر في المنطقة ، و من اهم نتائج الاتفاق ، تغيرت خريطة المنطقة ، حدث انقلاب صدام على البكر في العراق ، و قامت الثورة الايرانية .
اين تكمن اخطاء مصر التي وقعت في اليمن في عهد جمال عبدالناصر ؟
1- عدم وجود خبرة سياسية سابقة في اليمن ادى لتورط عسكري لمصر و استنزاف .
2- نكسة 67 التي اضعفت مصر ، فساهم في ضعف موقف مصر في اليمن
3- عدم مواصلة الموقف في اليمن بعد موت عبد الناصر .
لنترك ماسبق و نتجه الان لمصر
السؤال المهم : لماذا وصلت مصر الى هذا الوضع ؟
الاجابة المنطقية هي : اخطاء السياسة المصرية هي التي اوصلت مصر لهذا الوضع .
و ماهو الحل ؟
هو اصلاح تلك الاخطاء التي ارتكبتها السياسة المصرية و التي اوصلت مصر لوضعها الحالي .
كيف ؟
الان و نحن في عام 2016 تجري في اليمن احداث هي نسخة طبق الاصل من احداث 1962 ، الموقف الان في اليمن هو نفس الموقف عام 1962، و كأن اليمن يحاول اعادة سيناريو فلم 1962 و اهداءه لمصر، لاجل ان تصحح مصر اخطائها السابقة . مع الاختلافات في موازين القوى في اليمن بين الامس و اليوم ، بمعنى ان الموقف في اليمن الان هو نفس موقف الامس ، لكن مع حدوث اختلاف في طبيعة و ظروف اليمن اليوم .
السعودية تريد اعادة نفوذها السابق بشكل جديد مع اعادة تقسيم اليمن الى دويلات لتتخلص من قوة اليمن ، و بريطانيا عادت للمنطقة و تريد الحصول على عدن و تقسيم اليمن لجعلها تحت نفوذها و التحكم بباب المندب . و هناك اخبار مسربه عن رغبة اسرائيلية بقاعدة في اليمن و بدات السعودية تطرح موضوع قاعدة في جيبوتي و هي بالاساس لصالح اسرائيل .
ماهو الاختلاف بين الامس و اليوم في اليمن ؟
من حيث القوى ان الكتلة القبيلة التي وقفت مع السعودية بالامس هي الان تقف ضد السعودية بجانب اكبر حزب هو المؤتمر و جماعة انصار الله و اما الاحزاب السياسية التقدمية من احزاب الناصرين و الاشتراكين فهي تقف الان مع السعودية . في الماضي كانت المشكلة هي الحزام القبلي حول صنعاء و المنطقة الجبلية الوعرة في الشمال ، اما اليوم فالحزام الامني قوي حول صنعاء و معظم المناطق الجبلية الوعرة خارج نفوذ السعودية و بيد الجيش اليمني و اللجان الشعبية . في الماضي كان القتال بين جمهوريين و ملكين ، اما اليوم من وجهة نظر الواقفين ضد السعودية هي حرب بين استقلال و قرار سيادي و بين الهيمنة و النفوذ السعودي و تقسيم اليمن ..معركة دفاع عن الوطن ، و لدى السعودية هي حرب بين شرعية و بين انقلاب . في الماضي كان لدى اليمن جيش تقليدي ام اليوم فلدى اليمن جيش قوي مدرب و حديث بجانب لجان شعبية مساندة .
بمعنى اخر ، دخول مصر في ملف اليمن سيكون سهل جدا ، و لن يكون مثل المرة السابقة عام 1962.
بالامس السعودية و اسرائيل و الاردن و المغرب و امريكا و بريطانيا و ايران مع الملكيين في اليمن، اما مصر و الاتحاد السوفيتي مع الجمهوريين. و اليوم تقريبا نفس التحالف الامس مع تبدل بين مصر و ايران .
الان لنفكر بشكل منطقي
لاعب يحرك القطع فوق الرقعة الشطرنج و قام بعمل نقلات ، ثم اكتشف انها نقلات خاطئة جعلت موقفه في اللعبة صعب و ضعيف امام الخصم .
السؤال : ماذا يجب ان يعمل للخروج من هذه المازق؟
الاجابة : علية ان يتراجع عن تلك الخطوات الخاطئة . لكن هل يسمح الخصم ؟
فجاءة يجد اللاعب نفسة و هو يشاهد القطع تتراجع من تلقاء نفسها الى المواقع السابقة، و تهدي اللاعب فرصة نادرة ، للقيام باعادة اللعبة ، كي يغير نقلاته و لا يكرر الاخطاء السابقة التي وقع فيها .
ذلك اللاعب هو مصر و الخصم هو المشروع الصهيوني و الهدية هي اليمن .
قوة اليمن هي قوة مصر ، و قوة مصر هي قوة اليمن ، ضياع سيادة اليمن هي ضياع سيادة مصر ، و تفتت اليمن هو تفتت لمصر .
من مصلحة مصر الاستراتيجية ان تكون اليمن بدون وصاية سعودية، و عدم وجود نفوذ لها في اليمن و بسيادة يمنية كاملة .
على مصر ان تخرج من تحالف السعودية و تقف و تدعم بقوة اليمن ضد ال سعود، فكل خيوط المعركة بيد اليمن و السعودية غارقة في مستنقع اليمن و نتائج المعركة ستكون لصالح اليمن ، على مصر ان تقف مع اليمن لتكسب ورقة كبيرة في اي موقف مع اسرائيل ، ل تكسب حليف حقيقي باليمن تكون ذراعة القوية ضد المشروع الصهيوني ، مع العلم بان معادلة القوة في الحرب اليوم لصالح اليمن .
ابن الشمس
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق