كيف يتم تقسيم الدول من قبل القوى العالمية للدول لكن قبل الاجابة عن هذا السؤال ، اجد انه من الضروري اعادة شرح مفهوم القوى العالمية ، لاني اجد المواطن العادي يفكر بطريقة بسيطة عند ذكر مفهوم القوى .
الكثير لا يدرك معنى القوى، و البعض يتعامل بسطحية و سذاجة مع مفهوم القوى، و البعض يعجز عن فهم معنى كلمة القوى ، لاسباب كثيرة منها ، صعوبة استيعاب المفاهيم المجردة ، و قياس مفهوم القوى بقوى الفرد العادية .
عندما نقول قوى ، فاننا نقصد شبكة من المصالح المترابطة ( فكرية ، اقتصادية ، اعلامية ، سياسية ، اجتماعية ، عسكرية ، مالية ، ...) و التي تسير في مسار واحد لتحقيق فائدة ما لصالح هذه الشبكة ، هذه الشبكة هي ما اقصده بمفهوم القوى. هذه الشبكة من المصالح المترابطة ( القوى) .
عند قيامنا بعملية مقارنة بين قدرات الفرد و بين قدرات القوى ، ستجعلنا نصل الى شعور بعجز كبير لنا كافراد امام القوى ، سينتفي الفرد لصالح القوى ، كما ينتفي الانسان عند عملية المقارنة بينه و بين الله. الفرد محدود جدا في وعيه و في علاقاته و في خبراته و في علمة و في دخله المالي و في ادارة حياته و في ذاكرته و في تاثيره، بينما القوى تملك الوعي الكلي، و المال الضخم و مراكز الابحاث و الجامعات و الخبرات و الذاكرة المستمرة ( المشاريع الاستراتيجية ) و الجيوش و الاعلام و العلاقات و الاجهزة و الخبرات و ....التي تمنحها القوة ل العمل و التنفيذ و اكتشاف الاخطاء و المعالجات الخ ، و ادارة الاشياء على مساحات كبيرة بسهولة و بسرعة جدا ، بقرار واحد تستطيع تلك القوى ان تحدث تغير هائل بسهولة و يسر بعد ان تحشد كل ادواتها الهائلة في التغيير. بقرار واحد تستطيع ان تحدث تاثير كبير و تغير كبير على مساحات جغرافية كبيرة .
هذه القوى (قوى سياسية او اقتصادية او اعلامية او مالية الخ )، عندما تتشابك مصالحها بينها البين فانها تشكل قوة منظمة مطلقة، تعمل لتحافظ على مصالحها المشتركة ، و تحدث تاثير واسع و كبير عند قيامها بالعمل ، انها قوى مطلقة، وعي كلي ، سلطة مطلقة ،لا تقارن بالفرد المحدود .
صعوبة استيعاب تلك المقارنة ، تجعل الكثير من الناس و خصوصا النيوعلمانين عاجزون عن فهم دور القوى في رسم الملامح السياسيه و الاعلامية و الاقتصادية و الثقافية الخ ... حولنا، فيقومون بتبرير هذا العجز بجملة " انا لا اؤمن بنظرية المؤامرة" ، لانهم يجدون صعوبة في فهم و استيعاب و تخيل تاثير القوى عند تحركها لتحقيق هدف معين ...يجري عمل هائل و تاثير شامل ، عمل منظم و مرتب لاجل تحقيق مصالح و اطماع تلك القوى.
ما قيمة النملة امام الانسان ؟
لا شيء ، بل ما قيمة الف نملة امام الانسان، بل ما قيمة قرية كبيرة تحوي مليون نملة ، لا شيء . بل ما قيمة قرى عدة .... تلك القيمة هي نفسها قيمة الفرد و التجمعات البشرية و المدن و اي جغرافيا امام القوى ، و نظرة الانسان للنملة هي نفس نظرة القوى للانسان و للتجمعات السكانية و الجغرافيا. لا قيمة للفرد و للاعداد الكبيرة من البشر و الجغرافيا في حسابات القوى عندما تريد تنفيذ مشاريع استراتيجية تخدم اطماع لها او عندما تتعرض لتهديد من قوى اخرى .
تقسيم الدول و صناعة الدول الجديدة .
هناك نقطة مهمة لا ينتبه لها الكثير عند الحديث عن رغبات القوى في تقسيم الدول و انشاء دول جديدة، و هي قيام القوى بصناعة حدود معنوية كمقدمة ضرورية قبل عملية صناعة الحدود الجغرافية .
ماهي الحدود المعنوية ؟
قبل فترة شاهدت فيديو لبرفسور صهيوني و نزلته في صفحتي و سارفق رابطه مع المقال يتحدث فيه عن نقاط القوة الاساسية التي حمت امن اسرائيل ، فتحدث عن نوعين من القوى، قوة معنوية و قوة مادية ، و حول القوة المادية تحدث عن علاقة اسرائيل بامريكا ، و عن القوة المعنوية التي حصنت و حمت اسرائيل تكلم عن الهولوكوست و تجريم معاداة السامية كمفاهيم ذهنية و ان لها الدور الاكبر في حماية اسرائيل ، و بالفعل الرجل صائب في كلامه جدا ، فالهولوكوست و تجريم معاداة السامية عملا كجدارين حماية لاسرائيل دوليا. فالهولوكوست كانت هي الشرعية لتاسيس و قيام اسرائيل كمظلومية دولية يرفعونها في وجه الجميع في جميع انحاء العالم ماعدا المنطقة لتبرير قيام اسرائيل ورفعها كحجة و شرعية للتاسيس ، و تم عمل نصب تذكاري ضخم ليكون رمزية معنوية يحتفل بها سنويا كرسالة غير مباشرة لتجديد بقاء اسرائيل ، و لولا الخوف من الاستنكار و الاستغراب لجعلت اسرائيل من يوم الهولوكوست هو العيد الوطني في اسرائيل.
هناك البعض في منطقتنا لم يستوعب بعد فكرة ان الصهيونية و القوى الدولية الناهبة التي اسست اسرائيل كان من مصلحتها الكبيرة صناعة العداء نحو اليهود و قتل اليهود، و بان الصهاينة كانوا سعداء جدا بموجة الكراهية نحو اليهود بل قاموا بتمويلها و ساعدوا في عمليات قتل اليهود لسببين ، الاول دفع اليهود للهروب من الغرب و التوجه نحو الوطن الجديد القادم اسرائيل ، فاسرائيل تريد شعب لتبقى و لاحل الا دفع اليهود للهجرة لاسرائيل باي وسيلة ، و الثاني صناعة المظلومية التاريخية التي تؤسس لحقهم الشرعي امام الغرب . مع ملاحظة مهمة ان الصهيونية تعمدت المبالغة و تضخيم الهولوكوست لاجل تضخيم الحدود المعنوية و هذا ما سنشاهدة الان في الاحداث التي تجري في المنطقة .
ما قامت به القوى الدولية الناهبة عند تاسيس الكيان الصهيوني ، تكرر مرات عديدة في مناطق اخرى في العالم ، ففي يوغسلافيا مثلا قامت القوى الناهبة بنفس التقنية التي قامت بعملها قبل انشاء الكيان الصهيوني و صنعت حدود معنوية قبل تقسيم يوغسلافيا، فالحدود المعنوية لا يمكن ازالتها و ستكون هي الحدود الاقوى التي تمنع اي محاولة لازالة الحدود الجغرافية .
يوغسلافيا لم تكن الا شوكة داخل اوروبا ، و موضوع ازالتها اصبح محل ارادة الناتو و امريكا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، و لم تكن دوافعها حرب عرقية او دينية ، لكن الغرب ارادها هكذا و صورها بتلك الطريقة ، ففي البداية قام عملاء تابعون لهم بمجازر عرقية و نسبت للصرب و الكروات لاجل دفع الحرب نحو هذا الاتجاة العرقي ، و تطورت الازمة لكنهم لم يتحركوا ابدا و تباطوا جدا لاجل زيادة الجرائم لزيادة قوة و صلابة الحدود الجغرافية الجديدة. لا ننسى ايضا انه تم اسطرة تلك المجازر ( المبالغة بها) كما حدث في الهولوكست.
تخيل لو تم تقسيم يوغسلافيا بدون تلك الحدود المعنوية ، فمالذي يمنع عودة الحكومات و الشعوب للوحدة مرة اخرى .
و بالفعل تم بناء نصب تذكاري ضخم في البوسنة و الهرسك لضحايا التطهير العرقي و في كل سنة يحتفل البوسنين بهذه الذكرى الأليمة. و اصبح لدى البوسنين حساسية و سخط تجاه من يحاول اعادة قراءة رواية المذابح او التقليل منها، و اعتقد ان هناك قانون يجرم التقليل من تلك الجرائم .
مازالت تلك التقنية مستخدمة حتى وقتنا الحاضر، و هناك محاولات من قبل القوى النهب الغربية لتنفيذها في المنطقة من العراق الى سوريا و اليمن و ....الخ
في العراق مثلا يتم تنفيذ تلك التقنية حيث تجري عملية صناعة المظلومية لاجل صناعة الحدود المعنوية قبل تاسيس الحدود الجغرافية لكردستان ...فالقوى الناهبة الغربية دفعت و مولت داعش للقيام بعمليات تخريب و جرائم في مناطق العراقين من الطائفة الايزيدية ثم دفعت قوات البرزاني للتوجه لقتال داعش و الحقيقة حدثت عمليات تسليم لها من داعش ، لاجل صناعة التحرير على يد قوات البرزاني و التوسع ايضا في عدة مناطق .
البرزاني قام ببناء نصب تذكاري في اقليم كردستان لقواته التي حررت مناطق من داعش، و نصب تذكاري لماساة الايزيدين ، كرمزين على شرعية و احقية البرزاني في تبني مظلومية الايزيدين و اراضيهم المحررة .
لا انسى نقطة هامة ، و هي حجم المبالغات التي تنشر حول جرائم داعش ، لاجل اسطرة المظلومية ، و منها مبالغة عن اغتصاب طفلة ايزيدية من قبل 180 شخص من داعش.
الغريب ، ان مواطنة عراقية من الايزيدين قررت السفر الى اسرائيل للحديث عن ماساتها و ماساة طائفتها، و العجيب انها لم تدرك بعد ان تنظيم داعش في خدمة اسرائيل و لاجل ان تذهب لاسرائيل كي تتحدث عن ماساتها كجزء دعائي يدعم قيام كردستان ، و لم يدرك ايضا الكثير من العراقين من الايزيدين و الكرد الذين يملؤون صفحات اسرائيل في الفيسبوك بالتعليقات المليئة بالتاييد و الحب و العشق لاسرائيل، انهم كانوا و مازالوا تحت طائلة مشروع صهيوني من خراب و دمار و تشريد و توجيه اعلامي لايصالهم الى هذا الوعي من الحب و التاييد و العشق لاسرائيل و كراهية الفلسطينين في نفس الوقت كخطوة تسبق مشروع دولة كردستان و تاييد اسرائيل لقيامها و عدم اعتراض احد على اسرائيل ..لا يدرك هولاء ان كردستان هي المشروع البدليل بعد سقوط مشروع داعش.
و الاكثر غرابة ...ان الكثير من العراقين الكارهون لداعش و العاشقون لاسرائيل لم يقراوا بعد تاريخ الكيان الصهيوني، حتى يدركوا ان مشروع تاسيس اسرائيل كان يشبه تماما مشروع تاسيس داعش حاليا...فمن يريد ان يعود للماضي و يشاهد بصورة مباشرة لطريقة تاسيس الكيان الصهيوني فكل ما علية الا ان يشاهد داعش ، داعش نسخة طبق الاصل من اسرائيل في كل شيء ، في شرعية التاسيس و الايديولوجيا التي حاربت من اجلها و وسائل و ادوات العمل و الدعم المالي و القوى التي وقفت خلف المشروعان.
.
.
.
ابن الشمس