السبت، 8 يوليو 2017

الحرب العادلة - تزيف الوعي باسم الثقافة

انها موضة العصر ، الكاتب الحداثي العلماني ، الناشط المثقف، الذي يفتي في جوانب عديدة ، معتمدا على سلطة الثقافة التي يرتديها ، الثقافة التي اصبحت سلطة فوقية تمارس سطوتها على المجتمع ، تجعل من موضة الكاتب المثقف، يمارس نفس سلطة رجل الدين في تاثيره على المجتمع .

بالفعل .....نحن امام سلطة جديدة باسم الثقافة ، سلطة قادرة على تدمير الوعي الجديد في المجتمع الذي استطاع الخروج من سلطة التدين و تفسيراته الخاطئة لكن هذه المرة باسم الثقافة. مجتمعنا ينتقل من عبث التدين الخاطىء الى عبث التثقف المزيف، من عبث رجال الدين الى عبث رجال الثقافة ، من عبث الدعاة الدين الى عبث ناشطين الثقافة . من الرجعية  الى الميوعة و التفسخ .

الحرب الحقيقية هي حرب المصطلحات و المفاهيم ، حتى الحروب العسكرية تسبقها حرب مصطلحات و مفاهيم . و لا يمكن غزو اي مجتمع في العالم قبل غزوه فكريا . فعندما تخلق فكر و تعرف مصطلحاته و مفاهيمه و تروجه في مجتمع ، فانت تنقل الاخر الى ارضيتك ، و بعدها يمكنك التحكم ب الاخر بما يخدم توجهك ف يسهل عليك القيام باي خطوة و التغلب عليه . و حرب الارهاب افضل مثال على ذلك ، فقد تم تعريف الارهاب امريكا و اصبح الجميع يؤيد هذا المصطلح ، و اصبح الارهاب يشار الى الاسلام ،  لكن قتل و تشريد ملايين البشر و تدمير اوطانهم لا يعد ارهاب .

لذلك فمن العبث و السذاجة حين تنفق وقت طويل في مطالعة الكتب كحال هذا الكاتب، و انت تجهل فكرة ان الكتاب مادة اعلامية مثل بقية المواد الاعلامية كالاذاعة و الصحف و القنوات الفضائية ، ليس بريئ كله بل اغلبه كتابات موجهة . يستلزم منك ان تكون  عقل حر منتج و تدرك المعنى و ان لا يكون دورك مستهلك فقط (متسمر امام شاشة الجزيرة ) وتصدق كل مادة اعلامية و تعتقد انها حقيقة و لا تخضعها للعقل و المنطق . متلقي فقط، تم صناعتك من ثقافة التلقي و الحفظ و الترديد التي ورثناها و تعلمناها من مناهج التربية و التعليم في مجتمعاتنا . 

الحديث عن الحرب العادلة بهذه الصورة العارضة و المجتزاة و مخاطبة جمهور و كانها حقيقة مطلقة و التعامل معها كمرجعية صحيحة ، تدل على محاولة تزييف وعي بالترديد و الحفظ ، و ربما محاولة استعراض و ادعاء فقط اكثر من كونها رغبة في اصلاح الوعي و توصيف دقيق لما يجري .

كيف جاء مفهوم الحرب العادلة ؟

عند النظر للحرب من نظرة علم الاجتماع ، يرى الكثير من علماء الاجتماع بانه لا يمكن تفادي الحروب ، لانها صراع مصالح و اطماع ، فلا يوجد شيء اسمه حرب عادلة و حرب غير عادلة ، اما الحديث عن اخلاق الحروب التي يعتقد ان مفهوم الحرب العادلة جاءت به، فهو غير صحيح ، لان اخلاقيات الحروب قديمة جدا موجودة في كل الحضارات ، و ايضا تشترط الحرب العادلة سرعة حسم الحرب في وقت بسيط ، و هذا الشرط انما وضع لصالح القوى العسكرية الكبيرة التي تملك امكانيات حسم المعارك بالنظر الى امكانياتها العسكرية المتقدمة التي تفوق امكانيات دول اخرى ضعيفة .

الحرب هي الحرب و عدالة خوض الحرب قائمة على شرعية الدفاع عن النفس و الحفاظ على المصالح فقط . لان هناك فرق بين المصالح و بين الاطماع .

الامبريالية الغربية مع هذه الحداثة حول الحقوق و قيم الحريات و حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ، اصبحت تعاني امام شعوبها و العالم من شرعنة حروبها  و تحاول ان تصنع عقيدة لجيوشها يمكن من خلال خوض حروب و تغليفها بثوب اخلاقي ، لاعطاء مبرر اخلاقي لدى الجندي في القتال . و عندما تعجز عن المبرر الاخلاقي في الحروب تستبدله بمرتزقة اجانب بعقائد اخرى دينية (كداعش او القاعدة ) يقاتلون لخدمة مصالحها بطريقة غير مباشرة . فتم التنظير للحروب الامبريالية باسماء كثيرة ، منها الحرب الشرعية و الحرب العادلة و الحرب بقرارات دولية و الحرب بشرعية مجلس الامن ، و الحرب ضد الديكتاتوريات و الاستبداد ، و الحرب ضد الارهاب.

لذلك فان اسقاط مفهوم الحرب العادلة و الاستناد عليه كقيمة جديدة حداثية و حضارية ، على اي حرب تقع ، و قراءتها من منظور الغرب الذي انتج هذا المفهوم انما هو عملية تزييف للوعي، يجعلك تخلط بين مفهوم العدوان و الاحتلال و بين مفهوم الحرب العادلة ، و يجعلك تشرعن بصورة غبية للاحتلال العسكري و انت تعتقد في نفسك انك اصبحت انسان حداثي .


ابن الشمس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق