الأحد، 9 سبتمبر 2018

2- تفكيك الزمن الصهيوني - ملاحظة رئيس الصين

في خبر .... حول زيارة رئيس عصابة امريكا ترامب للصين و ما رافق زيارته من نوادر، كان هناك ملاحظة دقيقة ..... قدمها الرئيس الصيني لنا و لم تنل تلك الملاحظة اي اهتمام  بل تم تناولها كالمعتاد من زاوية العقلية المتضخمة المرضية .

الملاحظة كانت عندما علق ترامب و هو يشاهد جانب من جوانب التاريخ الصيني  اثناء زيارة متحف صيني :

"أعتقد أن الحضارة المصرية هي الأقدم، بعمر ثمانية آلاف عام"

فكان جواب الرئيس الصيني عليه:

" نعم هي أقدم قليلا، ولكن الحضارة الصينية هي الوحيدة المتواصلة كل هذه السنوات، لدينا ثلاثة الاف سنة من التاريخ المكتوب باللغة الصينية."

بصراحة .. لقد اعجبني جدا رد الرئيس الصيني ،  اولا لانه كان رد حكيم جدا و مفحم و يدل على وعي عميق بالتاريخ و الزمن و علاقته بالشعوب ، و ثانيا لانه يقدم لنا ملاحظة جوهرية واضحة لمن يقرا تاريخ المنطقة منذ القدم، و  تلك الملاحظة لا تنطبق على تاريخ مصر بل على تاريخ المنطقة كلها. فمن يقرا تاريخ المنطقة سيجد انقطاعات عديدة في التاريخ ولا يفهم سببها ، فلا تستطيع ان تضع مرحلة زمنية منطقية و دقيقة لتاريخ الاحداث ،  و هذا يجعل من المنطقي ان الكثير يطرح سؤال  متكرر عن اسباب اندثار الحضارات في الماضي و عدم اتصالها مع اليوم و لماذا لم تستمر. و براي انها تمثل مشكلة للانسان في المنطقة لا يستطيع ان يتخيل صورة زمنية واضحة  ، يجعله يفهم سياق التاريخ بشكل جيد.

فمثلا ...... عندما اقرا تاريخ المنطقة بشكل عام فان الزمن الذي يرتسم في مخيلتي اجده كخط، لكن ليس خط مستقيم و متصل،  هناك صمت شديد في مراحل عديدة من تاريخ المنطقة  و لا افهم ما هي الاسباب ، و كانه زمن كمي يسير عبر انتقالات و قفزات كمية و لا يسير بشكل متصل ، هناك انقطاعات متكررة في خط الزمن، هناك فوضى في المسار في بعض نقاط خط الزمن.

هل ترون مثلي ام لا؟

عندما افكر كثيرا بهذه الملاحظة ، اجدني اطرح اسئلة عديدة تبحث عن اجابات منطقية ، هل هناك حلقة مفقودة و لم نكتشفها بعد ..... ام ان المشكلة لدينا في فهم السبب ناتج عن نقص في علومنا التي تدرس التاريخ ...... ام ان الامر ليس عفوي بل هو طبيعة تدخل ضمن معالجة الزمن في وعي الشعوب قديما ؟!

علينا البحث عن اجوبة منطقية للاسئلة . و الاجوبة ستكون مفتاح لحل الكثير من الالغاز.

لدي منهج خاص اتبعه في قراءة التاريخ ، و وفق هذا المنهح اعتقد باننا لن نستطيع الوصول لاجابات منطقية على الاسئلة السابقة الا بعد تفكيك مفاهيم الدين و اللغة و الاسطورة في عقل سكان المنطقة ، و قيامنا بحل الكثير من التصورات الخاطئة المرتبطة بتلك المفاهيم ،  لان تلك المفاهيم تشترك بينها في نقطة جوهرية و هي الزمن ، فالزمن في الوعي مرتبط بتلك الثلاث المفاهيم ، بدون ذلك الشيء   فانا اعتقد باننا لن نستطيع تفكيك بنية الزمن الذي نعيش فيه ابدا .

الوعي الزمني ام العقل التاريخي ؟

كنت محتار في التسميه ، هل اسميه الوعي الزمني ، ام اسمية العقل التاريخي ، لكن فضت التسمية الاولى حتى لا يحدث لبس ما بين مفهوم الزمن و التاريخ، لان التاريخ في وعينا هو الزمن، بينما لدي ان مفهوم الزمن الذي اقصده مختلف عن التاريخ ، مع ان هناك علاقة بينهما، فنحن مثلا لن نستطيع قراءة التاريخ جيدا الا لو كان لدينا مسار صحيح للزمن ،  لا نستطيع ان نسقط احداث التاريخ على خط زمني غير سليم ، و طبيعة الموضوع تفرض علينا وضع منهج محدد ، و مبادىء نلتزم بها و مفاهيم نقوم بتوظيفها ، و نقصد بالمفاهيم كل المواد الخام التي التي لا تحوي معني و نجمعها باطار مفهوم ليمنحها المعنى .

           
الفجوات الزمنية

قبل عدة سنوات وقعت لي حادثة غريبة لم اجد لها تفسير ، كتبت عنها في مقال على مدونتي من خمسة اجزاء ، مقال يتحدث حول فقداني للذاكرة ليوم واحد ... ثم كيف عادت  الذاكرة مرة اخرى. و كيف عقبها تغيرات جديدة لي و  تيهان طوال سنة ابحث فيها عن المعاني التي فقدتها. 

تلك الحادثة جعلتني اشعر جيدا بالزمن ، و اشعر باهميته.

هل مسح الذاكرة هو ولادة جديده،  و هل الذاكرة الوهمية حياة حقيقية  ؟.

السنوات الاخيرة التي صاحبها  فوضى و تدخلات خارجية في المنطقة ، جعلتني استرجع احداث تلك الحادثة  لتساعدني في اعادة قراءة التاريخ بشكل جيد كجزء من مقاومة هذه الهجمة على المنطقة ، لاني اثق بقدرتي على فك الالغاز، بعد ان لاحظت مؤخرا موجة كبيرة تجتاح المنطقة في قراءة التاريخ تدعم مشاريع قوى خارجية ، رغم انها قراءات مليئة بالفوضى و المغالطات، لكني عزمت على التفكير الجدي و البحث عن زمن المنطقة الحقيقي.

هل الزمن هو كما هو الان ام انه زمن مختلف؟!

عند بداية مطالعتي للتاريخ فاول شيء حاولت القيام به ، هو السير فوق خط الزمن التاريخي للمنطقة، لكني اثناء السير وجدته زمن غير منطقي اطلاقا، الزمن الذي تسير عليه المنطقة مش طبيعي ابدا، خط الزمن يسير بشكل غير طبيعي اطلاقا ، هناك صمت في مناطق عليه و فجوات عديدة و فوضى في مناطق اخرى.

ماذا لو تم محو ذاكرة شعوب فجاءة ، هل هو ميلاد جديد ، من اين تاتي الذاكرة .. هل الذاكرة هي التاريخ. ماذا لو كان التاريخ مزيف بفعل فاعل و اكتشفنا تاريخ جديد مختلف ، هل سيولد شعب من جديد ؟!.

الامم و الشعوب مثل الانسان تماما، اذا طمست ذاكرتها الحقيقة ستعيش في تيهان و فوضى، و لو حدث مثل هذا الشيء ، فلابد عندها من استعادة ذاكرتها التاريخية ، و لن يتم هذا الا باصلاح خط الزمن في مخيلتها و اصلاح جميع الفجوات فيه و الفوضى عليه .

هل يمكن طمس تاريخ شعوب بسهولة ؟

طبعا هي فكرة خيالية و شيطانية ، لكن بالنسبة لي يمكن ذلك، يمكن طمس الذاكرة الزمنية لشعب او امة  بخطوة واحدة و بسهولة جدا، اذا تم التلاعب في خط الزمن التاريخي، و تم تغيير اتجاه الزمن في نقاط داخله .
خصوصا و ان مفهوم الزمن لا ينتبه الى خطورته الكثير من الباحثين في التاريخ  ، و لا ادري لماذا لا يستطيع الكثير استيعابه و فهمه، كيف يمكن كتابة او قراءة تاريخ بدون اصلاح الزمن؟! ستنتج فوضى و اوهام لا اساس لها من الصحة .

كيف يبدو سير الزمن في وعي المنطقة ؟

عندما اطالع التاريخ بشكل عام من بداية ظهور حضارات المنطقة و حتى اليوم، فانه يمكن لي تقسيمه الى خمسة ازمنة . 

1- الزمن الاول : هو من بداية اول حضارة في المنطقة و ما تلاها من حضارات حتى ظهور رواية اليونان على مسرح  المنطقة و هي الرواية التي قام عليها الغرب حتى يومنا الحالي . فالغرب يبدا الزمن في مخيلته من بداية ظهور رواية اليونان .

2- الزمن الثاني: هو من بداية ظهور رواية اليونان و روايتهم عن الفينقين

3- الزمن الثالث : من زمن الفينقين و حتى روايتهم عن حروب فارس و اليونان.

3- الزمن الرابع : و هو زمن الاديان و اقصد به الزمن من بداية رواية الديانة اليهودية 550 ق.م - حتى عام 850م و هو  المرسوم في الصورة.

4- الزمن الخامس : من عام 850 م حتى اليوم

سنترك الزمن الاول و نؤجل الحديث حوله ......لاني اجده مرتبط بنقاط مهمة لها علاقة ببقية الازمنة و لن استطيع الدخول له الا بعد اصلاح الازمنة التي بعده،   و لذلك ساحاول البدء بالتحدث عن الزمن الثاني.

■ الزمن الثاني

عند النظر الى الزمن الثاني سنجد باننا الان داخل رواية اليونان و لا نشك اطلاقا بها و غير قابلة للنقد، فهي مثل الكتاب المقدس، قال اليونان شيء فيجب ان نصدقهم و نحن مغمضين العيون.

البداية ظهرت فجاءة اليونان مع زمنها،  ثم بدات تتحدث عن الفينقبن، هذا الاسم الذي يدغدغ عواطف الكثير في المنطقة، اسم يجعل الكثير في المنطقة يتفاخر بادعاءه ، خصوصا مع موجة الفينقين في الشام، و لدينا الشاعر السوري ادونيس الذي اختار لنفسه هذا الاسم اليوناني ليعبر عن مدى اعجاب البعض برواية الاخر عنه .

موضوعي الاساسي ليس في هذا الجانب بل في الزمن ،  لكن اردت ان ارفق بعض ملاحظات مهمة مختصرة حول رواية اليونان للفينقين و لن اطول بها .

من هولاء القوم الفينقين ؟

نحن نسمي سكان الصين باسم الصينين ، لكن الصينين لا يسمون انفسهم بهذا الاسم ابدا ، فهل عندما يقرا الصيني تاريخه من مصادر عربية سيعتقد ان هناك قوم اسمهم الصينين عاشوا في الصين و اختفوا فجاءة ؟ 

نحن نسمي سكان المجر بالمجرين ، لكن سكان المجر يسمون انفسهم بتسميه اخرى ، فهل عندما يقرا المجريين تسميتهم من مصادر عربية سيعتقدون بان هناك قوم عاشوا في وطنهم و انقرضوا فجاءة و كان اسمهم المجريين ؟

هذه النقطة لا يريد ان يستوعبها الكثير ، لان الموضوع اصبح فعلا يدل على وجود اعاقة مزمنة في التفكير، اليونان سموا سكان المنطقة بتسميتهم الخاصة وفق نظامهم اللغوي، و لا تعبر عن وجود حقيقة خارجية و مستقلة تسمى فقط فينقين ، هم احرار باطلاق تسميتهم، لكن ليس من حقهم او من حق البعض فرض مسمياتهم كحقيقة ثابتة و مستقلة.

و هناك الحساسية التي لدى البعض و لا تفهم سببها ، عندما يتحدثون عن الفينقين يعتقدون انها تسمية خاصة بهم من قبل اليونان ، و تقول لهم غير صحيح اطلاقا ، لانك عندما تقرا وصف اليونان عن الفينقين، فهم يتحدثون عن الشام و يتحدثون عن شمال افريقيا ايضا و يتحدثون عن اصولهم القادمة من البحر الاحمر، و تستغرب عندما تقرا وعي بعض مؤرخي اليوم الذي يتحدث عن الشام فقط بانهم الفينقين ، طيب و شمال افريقيا ؟ .. يقولون لك هجرة من الشام ، طيب و اصولهم من البحر الاحمر ؟ .

ثم تستغرب من تصور الكثير من الباحثين عندما يقراون كتب اليونان التي تصف البحر المتوسط بانه بحيرة فينقية ، لكن الباحثين يعتقدون ان مصر ليست فينقية ؟ ، مصر في وعيهم فرعونية. طيب و مصر على البحر المتوسط ؟! ،  مع ان هيرودت يتحدث عن المصرين و احاديثهم و قداستهم ل طير الفينيق.

اذن هذا الفضاء الجغرافي الكبير .... و الذي يحمل سكانه تسميه واحدة حسب رواية اليونان ( فينقين ) فهل يعقل ان هذا الفضاء لا يحمل لغة و عقيدة واحدة في ذلك الزمن ؟

المفروض منطقيا انهم بلغة و عقيدة واحدة ..مادام ان اليونان يسمونهم فينقين ، لكن لا تجد موضوع يفصل هذا الامر .

اذن نحن في هذا الزمن ........ لانملك وثيقة زمنية تثبت و تؤكد هذا الزمن .... اي تثبت نقطة بداية هذا الزمن و نقطة نهايتة . 

فقط قالوا لنا و نحن سلمنا بالامر .

لنتفق انها صحيحة

لكن

بداية الزمن غير موثقة ابدا ، و نهاية الزمن غير موثقة ايضا .

■ الزمن الثالث

ما علاقة الفينقين بفارس ؟

لا تعرف ابدا اي علاقة ... تجد اوصاف ضخمة و مجلدات ضخمة ينشرها الغرب عن الفينقين ، لكن فجاء  يدخل الزمن الثالث حول الفرس و الصراع مع اليونان ....طيب و اين الفينقين في  صراع فارس و اليونان ؟  لا تعرف . العلاقة فقط بين فارس و اليونان .

فلا توجد اي وثيقة تربط بين نهاية الزمن الثاني و بداية الزمن الثالث . حتى يمكن لنا ان ندخل الزمن الثالث بمنطقية.

نحن مؤمنين بهذا الزمن بالإستناد على مركزيتين اثنتين. مركزية الرواية التاريخية لليونان و الرومان ، و مركزية الرواية التاريخية للتوراة و التي سيدا منها الزمن الرابع  .

تختفي قصة الفينقين و فجاءة تظهر رواية الفرس ، و عند النظر اليها سنجد بانها لا تحمل اي طابع ديني  فهي تبدو امامنا رواية مراقب فقط و و توثيق و هي مركزية رواية اليونان و الرومان، اما مركزية الرواية الثانية فتحمل جانب ديني مقدس و هي رواية التوراة التي لا يجب تكذيبها لانها مرتبطة بالعقيدة فهي حقيقة مطلقة.
حدثت بين الروايتين عملية زاوج اسس لولادة زمن جديد، و  هو  الزمن الثالث و الرابع ، و ذلك الزاوج بدأ من النقطة المشتركة بين الروايتين. 

ماهي النقطة المشتركة؟ 

النقطة المشتركة بين الروايتين ........ هي شخصية قورش ... لقاء اليونان بالشرق ..حروب اثينا و روما مع فارس... محرر اليهود من السبي البابلي.

نعم ....  فرواية اليونان تذكر تلك الشخصية قورش و رواية التوراة تذكرها ايضا، و هذا الاشتراك هو الذي اسس شرعية حقيقية لتلك الرواية. و شرعية اخرى و هي دخولنا للزمن الثالث .

فدخولنا للزمن الثالث لم يكن دخول من نقطة البداية ، بل دخلناها بشرعية نقطة النهاية، من شرعية رواية التوراة كمصدر ديني يؤكد الحادثة.

في هذا الزمن له نقطة بداية و نهاية .... نقطة البداية لا نملك وثيقة خاصة بنا لتؤكدها ، لكن نقطة نهاية الزمن ، فدينا وثيقة توكدها و هي وثيقة كتاب اليهود العهد القديم .. و الجميع يعترف بها باعتبارها دين سماوي .

■ الزمن الرابع

هذا الزمن يحتاج الى تفصيل كبير  .

بشكل عام ........ المسلم يبدا الزمن عنده من بداية الاسلام ، و لا يستطيع تخيل الزمن قبل الاسلام، بل يشعر في داخله بان الحقبة قبل الاسلام كانها مظلمة لا يستطيع فهمها و يسميها فترة الجاهلية لكنها مرتبطة بجغرافيا الاولى التي ظهر فيها الاسلام ، اما تاريخ جغرافيته ف ينظر نوعا ما اليها انها فترة كفر من حيث العقيدة، لكنه يفخر برواياتها التي لا تمس العقيدة فهو يحتفظ بمرويات تاريخية و اشعار  عن شكل الحياة حول فترة ما قبل الاسلام لكنها صورة بسيطة عن تاريخ جغرافي معين مرتبط بجغرافيا منطقة بعيدة و هي مكة و الجزيرة العربية، و لا تمثل تاريخ الاحداث في الجغرافيا التي يسكنها، مع العلم بان ذلك التاريخ كتب بعد الاسلام بفترة طويلة تقريبا 300 سنة تقريبا، و لذلك فمن الطبيعي ان نسمع الكثير يشكو من هذا الامر و عن اسباب حصره في فضاء جغرافي معين و في نفس الوقت يتم استبعاد تاريخ جغرافيا المنطقة التي يعيش فيها .

اتذكر ان احد الاصدقاء ممن يحبون التاريخ كان يشكو من هذا الامر و نبهني حول نقطة بان ذلك الامر كان منذ فترة المرحلة الاعدادية ، فعندما كان يقرا تاريخ اليمن ، كان يجد صعوبة في تخيل التاريخ قبل الاسلام حتى و ان كان التاريخ  الذي يسبق الاسلام بفترة بسيطة ، و صعوبة في عملية تنظيمة و اسقاطه مع المكان الذي اسكن فيه ،  و محاولة ايجاد روابط بين تلك الحقبة و الحالية . 

كان تلك الملاحظة ملازمة لي قديما ، و لم اكن اعرف السبب ، و مع الوقت كنت افترض تفسيرات عديدة لهذا ، فمثلا كنت افترض كارثة حصلت صنعت شكل الحالي او هي قوة الدين التي فرضت وعيها و الزمت الكثير به فحدث لنا قطيعة تاريخية . فرواية الاسلام تتحدث ان اهل اليمن دخلوا افواجا ، و عندما اردت البحث اكثر في الامر واجهت صعوبة اخرى ، فترة مظلمة اخرى و هي في الفترة ما بين ظهور الاسلام و بداية عصر الدويلات في اليمن، لا وجود لاي نصوص كتبت خلال تلك الفترة ، شيء مبهم و لا تجد له تفسير .

تلك الملاحظة و بحثي عن تفسير لها اوصلتني الى نتيجة ان تاريخ اليمن مليء بالفجوات و يجب ملئه ، فهناك ما قبل الاسلام و هناك ما بعد الاسلام ب 250 سنة تقريبا.

هذا الامر ليست حالة خاصة بصديقي بل هي حالة عامة عند كل مسلم في المنطقة، و  تلك المشكلة ليست حكرا على تاريخ بلد معين بل تشمل تاريخ المنطقة  ، و عليه فنحن نعتقد ان المسلم لديه انقطاع في الزمن قبل الاسلام مظلم و لديه فجوه زمنية اقل عتمة ما بعد الاسلام مدة 300 سنة ، بداية عصر التدوين و ظهور الكتابة .

لكن الامر ليس مقتصر على المسلمين بل حتى على المسيحين انفسهم ، فهم لديهم نفس الحالة تقريبا ، فالوعي الزمني  لديهم يبدا من ميلاد المسيح، و اما الزمن قبل المسيح  فهو منقطع ، لكنهم يحتفظون بالعهد قديم و هو تعبير يشابه تعبير المسلمين بالفترة الجاهلية و يقدسونها، و لديهم ايضا مشكلة في الفترة ما بين المسيح و ما بين ظهور النصوص الاولى المقدسة و التي قيل انها كتبت بعد المسيح بمائة عام ، لكن الحقيقة ان المسيحية بشكلها الحالي بدات من مؤتمر نيقيا ، بعد المسيح ب 320 عام و هذا الامر يعني ان هناك فجوة اخرى تقارب مدتها المدة لدى للمسلم بين ظهور المسيح و بين بداية الوعي حول العقيدة .

لكن الشيء الغريب و المحير في الامر ان المسيحي يملك فجوة اخرى و هي نفس الفجوة التي  مع المسلم، فليس هناك نصوص تاريخية واضحة لدى المسيحين حول الحقبة  التي تتحدث عن بدايات الاسلام او احداث الاسلام و شخصياته، فالمسلم لو حاول البحث عن تفسير تلك الفجوة و حاول ان يملئها بالاستناد الى رواية نصوص المسيحية، فلن يجد اي رواية متكاملة ، سوى اسطر قليلة متقطعة من كتب و مكونة من خمس جمل او اكثر و مسمياتها غريبة، و غير واضحة و يتم تاويلها و اسقاطها بانها تتحدث عن بدايات ظهور نبي و تحمل تاريخ مختلف للاحداث  .

لكن  الامر الاكثر غرابة ، ان اليهود ايضا لديهم نفس المشكلة ، فلديهم انقطاع زمني و الغريب بانها ايضا مرتبطة بنبي . فالانقطاع الزمني قبل رواية قورش الذي هو بنظرهم نبي و ملك، فقبلة يعاني اليهودي من تخيل صورة للزمن ، و من ظهور قورش و حتى الترجمة السبعينية  فهي تمثل فجوة مظلمة ايضا ،  فهم لا يجدون نصوص ذكرت مسمى اليهود ما قبل تلك الفترة بلغتهم او بنقوش في المنطقة او في كتابات اليونان، لديهم فجوة ما بين الترجمة السبعينية و بين قورش الذي حررهم من السبي على حد قولهم.

و تصل الغرابة ذروتها ، عندما نعلم بان لدى اليهود الفجوة نفسها التي لدى المسيحين و يشتركون بها معهم حول قصة يسوع المسيح و التاريخ المسيحي بعد ميلاده ب 300 سنة.

بل يصل الامر الى مرحلة اللامعقول، بان  لدى اليهود نفس الفجوة التي لدى المسلمين و يشتركون بها معهم ، فهم لا يملكون رواية تاريخية حول فترة الاسلام و التاريخ الاسلامي بعد الاسلام ب 300 سنة .

حتى لو حاول ....... نبيل فياض اخراج كتاب كبير و بمقدمة طويلة و احتفالية كبيرة ...... حول جهوده العلمية في  تحقيق مخطوطة يهودية من 15 سطر و قام بترجمتها و تحقيقها و فيها حوار بين رجال دين يهود عن خروج نبي عن قوم باسم غريب و جاء فوق العربة الحربية و يحمل السيف و عنده مفاتيح الجنة . نبيل فياض يحاول ان يختصر حقبة زمنية ضخمة ..... بحوار من عشرة اسطر يدور حول تفسير خاطىء و ترجمة محرفة لنصوص صورة موجودة في كل نقوش المنطقة حول الرجل الذي يمتطي عربة حربية و يحمل السيف و  يريد اقناع قراءة انها قادرة على تفسير تلك الفجوة .
                  
ماهو الغريب في هذا الامر ؟

زمن الفجوات يبدا من تاريخ بداية ظهور نبي ، و ينتهي عند تاريخ الحديث حول موضوع كتابة الكتاب الديني .

1- ففجوة اليهود تبدا من ظهور قورش و تنتهي عند زمن بداية الترجمة السبعينية للعهد القديم و هي تقريبا 300 سنة.

2- اما فجوة المسيحين فتبدا من ميلاد المسيح و تنتهي عند زمن كتابة العهد الجديد . و هي تقريبا 300 سنة.

3- اما الفجوة لدى المسلمين فتبدا من ميلاد النبي و حتى حادثة خلق القران و هي تقريبا 300 سنة .

شيء لا يدخل العقل ابدا،  300 سنة تقريبا  بدون تدوين لرواية تاريخية كاملة ، ثم 300 سنة اخرى ، ثم300 سنة اخرى تقريبا ، بمجموع 900 سنة تقريبا خلال 1300 سنة بدون تدوين ، امر لا يصدقه عقل بشر ،  هل نحن امام ظاهرة و تقليد ثقافي يدخل ضمن معالجة مفهوم الزمن ، اما ان هناك لعبة خبيثة بالزمن ؟

لا اعتقد ان الامر صدفة ، انا متاكد بل اجزم بان هناك حلقة مفقودة ...... و بحثنا عن تلك الحلقة يتطلب مننا طرح جميع الاحتمالات الممكنة ، و يجب تحليل تلك الاحتمالات بمنطق.

لماذا تتشارك الاديان في الفجوات ، و لماذا هناك فجوة اصلا ؟

نحن امام ثلاثة احتمالات :

●  الاحتمال الاول ان يكون امر طبيعي يدخل ضمن معالجة دينية للزمن ، و نحن امام وعي زمني متشابه و كانها ثقافة راسخة ، لديها طريقة واحدة في معالجة مفهوم الزمن.  لكن اذا كان الامر كذلك ، فما علاقة ميلاد زمن دين بزمن دين اخر ، اذا كانت الفجوة تخص دين معين بناء على معالجة داخلية  ، فمن المفروض ان هذه المعالجة  لن يكون لها تاثير على بقية الاديان .فمثلا في لحظة ظهور الاسلام يكون لدى البقية رواية رسمية متكاملة حوله .. لكن لا يوجد .

هذه الملاحظة .......... تدل على اننا نعيش في زمن واحد، و بان زمننا غير منفصل عن زمن الغرب ابدا ،  زمن المنطقة مرتبط بزمن الغرب و ليس منفصل عن زمن الغرب .......... بدليل اننا مازلنا نعتمد التقويم الميلادي كمرجعية زمنية موثقة  .

و هذه هي الكارثة الكبيرة التي سيجد الكثير صعوبة في فهمها.

لماذا ؟

لاننا اصبحنا لحظة تاريخية اتت و ولدت بعد زمن الغرب ....... لقد اصبح الغرب متقدمين علينا بالزمن ، و نحن الان تابعون لزمنهم فقط ....هم اساس الزمن و نحن فرع للزمن .... بعد ان كان لنا زمننا المستقل عن الغرب ..... و الان اصبح الغرب مسيطرين على زمن المنطقة .

●  اما الاحتمال الثاني ........ و الذي قد يبدو غريب بعض الشيء ،  و هو ان تكون الاديان الثلاثة انشقت و انفصلت في وقت واحد.

كيف ؟

بمعنى ........ اننا وفق المخطط المرسوم في الصورة ، فاننا سنقوم بضغط الثلاثة ازمنة في زمن واحد فقط و يملك  فجوة واحدة، حتى نتخلص من تلك الفجوات المتشابهة و التي لها نفس الطول الزمني تقريبا.

قيامنا بهذا الامر سيحل مشكلة وجود تلك الفجوات التي لا يمكن لعقل سليم و طبيعي ان يقبلها لعدم وجود روايات كاملة للاديان  .

- هل من المعقول .... ان ندمج ميلاد قورش و ميلاد المسيح و ميلاد محمد في لحظة زمنية واحدة ؟

فكرة غير معقولة ...... و لن يقبلها العقل المؤمن بالدين و بقصص الانبياء و ترتيب ازمنتهم .

لكن هل نستطيع تحقيق هذا الشيء؟

نعم ........ يمكن لنا بسهولة تحقيق هذا الشيء ، اذا عرف الجميع حقيقة كانت مخفية علية طوال قرون عديدة ، و ساتحدث حولها لاحقا .

لكن حتى لو تمت العملية بنجاح ، فنحن سنقف امام مشكلة جديدة ناتجة عن العملية ...... و هي تفسير وجود تلك الفجوة الناتجة .

صحيح هذا الشيء ........ لكننا نستطيع تفسير تلك الفجوة الناتجة بعدة تصورات كثيرة و منطقية.

● الاحتمال الثالث ...... نستطيع ان نتخلص من تلك الفجوات و التفسيرات الناتجة عنها اذا قمنا بطريقة فريدة و مختلفة، بحيث لا ينتج عنها اي فجوة و اي تفسير ، و هذا الطريقة ستكون بقيامنا بعكس اتجاه الزمن .

نعم ..... سنعكس الزمن

كيف ؟!

ساقول لكم .. كيف ... ببساطة و بصراحة شديدة:

لن يتم اصلاح زمن المنطقة الا بطرح سؤال هام جدا جدا جدا، حتى لو عارضه الكثير .

السؤال هو : هناك واحد من الاديان الثلاثة هو الصحيح و البقية صناعة مزيفة ؟!

نعم ... كلامي بمنتهى الصراحة .

لكني لا اقصد بالصحيح .... من منطلق عقائدي من هي العقيدة الصحيحة،   او من منطلق من سيدخل الجنة او النار اطلاقا، او من فكرة كفر و ايمان.

لا ... ليس هذا الامر الذي اقصده

انا  اقصد بالصحيح .... شيء اخر مختلف تماما .

يتبع
.
.