السبت، 25 أغسطس 2018

قصة المزمار السحري و الشعوب - صناعة الرموز

في الصورة ........ تعليق ممثلة امريكية على رئيس امريكا ترامب بعد حديث له و هو يحرك يده و هي منثنية و فمه بوضع ملتوي و يشبه كلام بعض السياسين الامريكين بالمعاقين :

" قلة الاحترام تولد عدم الاحترام و العنف يولد العنف . هذا الميول الغريزي لاهانة الناس عندما تقوم به شخصية عامة و مسؤول ذو نفوذ و صاحب اعلى منصب رفيع في الدولة ، فان اثره سيمتد الى الجميع ، لانه يعطي البقية تصريح لفعل نفس الشيء "

لكن بالرغم من ان حديثها قد جاء بالتزامن مع حملة اعلامية شهدتها امريكا ضده، و الذي  قد لا يخلو من دوافع سياسية، الا ان كلامها بشكل عام صائب جدا،  فحديثها خلاصتة موجود تقريبا في تراثنا بمقولة ( الناس على دين ملوكهم ).

و  من الطبيعي جدا ان هذه الادراك و الاستشعار الجيد لهذا الشيء،  قد جاء من لسان نجمة من نجوم سينماء هوليوود ميريل ستريب ،  لكونها تعمل في مجال مهمته الاساسية صناعة رموز المجتمع ، فهي تعي جيدا ، لانها في موقع يدرك حقيقة الرموز و دورها في توجيه المجتمعات .

ما هو الرمز ؟

الرمز بشكل عام.......عبارة عن ايقونة مميزة لدى كافة المجتمع او فئة من المجتمع .

هذه الايقونة ... قادرة على تحريك الوعي الجمعي بسهولة و يسر، و تستطيع ايضا اعادة انتاج الوعي بسهولة .

كنت قبل فترة في حديث مع صديق في موضوع حول هذا السياق ، و تحدثنا حول ارتباط الثقافة بالسلطة السياسية بالعالم كله ، و في نهاية حديثي  تذكر كتاب و طلب مني ان اقراه لواحد امريكي بعنوان : من يدفع ثمن  الزمار ؟ ، الكتاب يتحدث حول مشروع امريكي كبير في انشاء  مؤسسات ثقافية و فكرية حول العالم و دور تلك المؤسسات في صناعة نخب المجتمع.

البعض لا يستشعر حقيقة ان شعوب العالم كله .. .. في اللاوعي الجمعي .....تنساق وراء الرموز ...هي لا تفكر الا من خلال الرموز .

لابد من صناعة رموز في المجتمع و عن طريق تلك الرموز يمكن بسهولة جدا ادارة الوعي الجمعي للمجتمعات و توجيهه الى المكان المناسب الذي يتوافق مع سياسة و امن القوى .

هذه الرموز سوى كانت رموز سياسية و ثقافية و دينية و فنية و رياضية الخ ... لان ما سيقوم به الرمز سينعكس على المجتمع بشكل ألي و سريع .

الرمز لا يقتصر فقط على الكائن البشري،  فقد يكون الرمز مكان ايضا و قد يكون دولة او مفهوم ذهني .

رمزية الدولة

من تلك الحقيقة السابقة، سنعرف السبب الحقيقي حول تصريحات ترامب و بعض الجمهوريين في الانتخابات الامريكية و حاليا و المعادية للاجئين و المسلمين التي كانت  بشكل غير مسبوق في تاريخ امريكا.

تلك التصريحات ليست موجهة للداخل الامريكي بل هي موجهة للخارج و تحديدا نحو اوروبا، و الغرض الحقيقي منها احراج الداخل الاوروبي و رفع شعبية اليمين المتطرف في اوروبا، كيف ؟.

تخيل ...... عندما تقوم اعظم دولة في العالم و الدولة الاولى في العالم الراعية و الممثلة للديمقراطية و حقوق الانسان،  بتبني مثل هكذا خطاب ، فانها بشكل غير مباشر ستعطي تصريح للاخريين بان يتحلوا بالشجاعة لتبني مثل تلك الخطابات و التصريحات ، سيتم كسر الحاجز الذي يمنع احد من تبني هكذا خطابات .

تصريحات ترامب تستهدف الضغط على اوروبا لجعلها تقدم تنازلات.

رمزية الدولة نجد لها مفهوم اخر في العلوم السياسية اسمه ... الدولة القدوة.

رمزية المكان

ايضا الحقيقة السابقة تجيب على تساؤل صديق حول المسلمين السنة في المنطقة و اسباب مشكلتهم التي اصبحت ظاهرة ملفتة تستحق الدراسة ، و الذي فسرها البعض باختفاء دور مصر في المنطقة . و بالفعل هي اجابة  صائبة ، لكن تفسير الوعي البائس للمسلمين السنة من منطلق تلك الحقيقة سيكون هو رمزية مكة.

لان مكة في قبضة السعودية، و هذا يعني وعي السنة بيد السعودية ، هذا الوعي المتشدد و و المتناقض و المتقلب و الخائف و المستلب انما هو انعكاس طبيعي و حقيقي للسياسة السعودية  التي تحكم قبضتها على مكة .
سياسة متناقضة و تعاني من قلق وجود و مستلبة تعبر عن مصالح خارجية و مستعدة ان تضحي باي شيء مقابل ان تنتصر .

و هذه الرمزية يدرك ال سعود مدى و عمق تاثيرها  على جموع المسلمين في العالم .

و حديث وزير خارجية السعودية الجبير في شهر يونيو عام 2018 لمجلة امريكية ، يلخص تلك الحقيقة ، عندما قال  :

" المملكة العربية السعودية تمتلك قدراً كبيرًا من القوة الناعمة، والتي بإمكانها التأثير على ما يقرب من 2 مليار مسلم حول العالم يتوجهون اليها في اليوم خمس مرات ، و المملكة عندما تغير وتنفتح وتتبنى سياسات الاعتدال والتسامح والابتكار، حينها سيحذو المسلمون حذوها، فلا يوجد بلد لديه مثل هذه القوة الناعمة. "

انهم يدركون بان اي خطاب يخرج من داخل رمزية مكة فهو خطاب من الله ...... فالله يامر المسلمين حسب الرغبة التي تريدها ما دام الخطاب من مكة.

الرموز القيادية

هناك نقطة مهمة جدا يجب ان يستوعبها الكثير و  ، و هي رمزية الشخص ، خصوصا عند حديثنا عن شخصية مثل صدام حسين، مهما اختلفنا حول شخصيتة ، هل كانت سلبية ام ايجابية !، لكن يجب ان يعرف الجميع انه كان يمثل رمزية كبيرة في المنطقة شئنا ام ابينا ... هذا كان واقع ....حتى لو كان هذا لا يعجب البعض ... لكنه واقع ... و لذلك فقرار اعدام صدام بتلك الصورة جريمة و كارثة، و لم يكن الاعدام بريء اطلاقا،  بل جاء من وعي خبيث يدرك الاثر الذي سيتركة اعدامه بتلك الصورة،  و بذلك الطابع الديني ليفتح المنطقة نحو وعي جديد ... متشنج طائفي. لانك انت الان تعدم رمز امام جمهوره ... و اعدام الرمز سيوجه جمهوره نحو من اعدموه .

تخيل ماذا لو قامت امريكا بقتله و التنكيل به ،فهل تعتقد ان الوعي الجمعي في المنطقة سيصبح كما نراه اليوم ؟!

اطلاقا ... بل كان سيتحول الوعي لمواجهة شاملة ضد امريكا.

لكن البعض لا يستوعب هذا النقطة، و لا يستوعب بان امريكا تدرك ذلك الامر جيدا .... و تدرك بان من مصلحتها اعدامه على يد قوة داخلية لصناعة الفتنة ، لذلك فان امريكا و بدون شك ، هي من امرت بجعل نهاية صدام بتلك الطريقة و بشكل متعمد،  لتدمير الوعي الجمعي، و صناعة الانقسام الداخلي و جعل المعركة داخلية، و تحويل العدو الحقيقي للمجتمع و هو امريكا الى عدو داخلي .

نفس الامر ينطبق على القذافي الذي كان يمثل رمزية مهما اختلفنا حول شخصية القذافي سلبا او ايجابا ... فالناتو هو من قام بقتله لكنه جعل قصة قتل القذافي   على  يد الليبين و بتلك الطريقة الوحشية، لصناعة التوحش داخل المجتمع و جعل  الاقتتال داخليا بين الليبين و تحويل العدو في ليبيا من العدو الخارجي الى عدو داخلي  .

.........

ذكرت لصديقي اثناء حديثنا عن مجموعة من كتاب الادب في اليمن، كانت تقام لهم دورات تدريب و تاهيل للكتابة الادبية و كتابة السيناريوهات في الامارات ، و اعتقد كان من بينهم شخص  يكتب روايات تتناول موضوعات تستفز اخلاق المجتمع  و تثير موجات من السخط،  فعلق صديقي بان هناك ايضا مؤسسة فرنسية مقرها لبنان تقوم بنفس النشاط ، كدليل على ان هناك مشروع فكري واحد.

...........

الرموز المعنوية

مجمع الخالدون في فرنسا ، هذا التقليد الموجود في فرنسا يعتبر من اعلى رمزيات الثقافية و العلمية و الادبية في فرنسا ، و هذا المجمع يضم اسم كل فرنسي كان له بصمة ثقافية و علمية و فكرية ، من امثال فيكتور هوجو ... و مؤخرا بدات فرنسا تدخل أسماء عربية للمجمع ، مثل أمين معلوف و اخريين.
 
هذا التقليد الفرنسي وظيفته الاساسية التي وجد من اجلها هو صناعة رموز معنوية للمجتمعات ليصبح كاعلى وسام فخري يمكن ان يتقلده الشخص او يسعى اي شخص للحصول عليه ، لتكون الرمزية التي يتم منحها لكل الشخصيات التي تسير وفق التوجه الذي تسير عليه السلطة الحاكمة السياسية ، لتكون المكان الذي ينتج اعلى رموز المجتمع .

و هنا تاتي قيمة الجوائز الدولية في كل المجالات الحياة، القيمة ليست في المبالغ المالية التي تمنح ، بل في قيمتها المعنوية .....و اكبرها عالميا جائزة نوبل و جائزة الاوسكار.

فكل من يحصل على جائزة نوبل مثلا، فانه يستطيع بعدها ان يتكلم لينصت له الجميع باستسلام .

صانعو الجوائز لا يهتمون ابدا بمقدار الاموال التي تصرف لانشاء تلك الجوائز ، لان اهتمامهم منصب اساسا في صناعة رموز المجتمع  وفق توجهاتهم و سياستهم ، و من هذه النقطة تدرك الاسباب الحقيقية وراء اهتمام دول الخليج في صناعة عدة جوائز دولية  و عالمية ، من جائزة دبي الى جائزة قطر الى جائزة الملك فيصل ، و اسباب احتفاليتهم الكبيرة و الاسباب وراء تركيزها على شخصيات من توجهات فكرية معينة ، او تركيزها على شخصيات من دول معينة في المنطقة .

انها عملية صناعة رموز المجتمع ، و لدينا افضل نموذج  يوضح تلك الحقيقة ، ب توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، فبعد حصولها على الجائزة اصبحت صفحتها في الفيسبوك مزدحمة بالمتابعين ليس لسبب الا لانها حصلت على نوبل كاول امراة في المنطقة .  

الرموز الدينية و السياسية و النضالية و الفنية و السينمائية و الحقوقية .... الخ

هل شاهدتم العدد الكبير من الرموز السياسية التي ظهرت خلال ما يطلق عليه ( الربيع العربي )؟

هل تشاهدون العدد الكبير من شيوخ الدين الذين يظهرون بشكل متواصل على القنوات الاعلامية ؟

هل شاهدتم كم عدد نجوم الفن و الغناء الذين دخلوا عالم السياسة بعد ما يطلق عليه الربيع العربي ؟

--------------

ربما ان الكتاب الذي نصحني صديقي بقراءته ، قد استقى الكاتب عنوانه من قصة من تراث احدى البلدان التي تدور حول صاحب الناي السحري ، الذي كان يعزف الناي و يسحر سكان القرية بصوت الناي و يجعلهم يمشون خلفه و يقودهم الى اي مكان.

انه عالم صناعة الرموز التي تعزف للجماهير و تقودهم الى اي مكان ...... صناعة الزمار .

الان ...تخيل معي :

- ماذا لو كان الرمز و بكل ذلك اللمعان لكنه يحمل توجه فاسد و منطق خاطىء ، كيف سيصبح عندها وعي المجتمع؟! 

سيكون المجتمع نموذج طبق الاصل من الرمز بسلوكه و تفكيره و اخلاقه و منطقه.

- بل تخيل ماذا لو كانت كل الرموز في المجتمع قد صنعت من قبل منظومة قوى واحدة و متفقة على توجه سياسي في، من الطبيعي انها ستقود المجتمع بسهولة الى اي مكان و لن يستطيع الشعب ان يخرج من سحر تلك الرموز المسيطر على  وعيه .

و رموز ما يطلق عليه زورا "الربيع العربي" و السحر الذي قاموا به على الجماهير... مثال حي على ذلك .

هل المسيخ الدجال في التراث الديني ، عبارة عن قصة هدفها تربوي تعليمي لتقريب حقيقة كيف ان الرموز تسحر الجماهير و تجعلها تذهب الى الهلاك و هي تعتقد انها ذاهبة الى الجنة ؟!

.
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق