الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

المسار السياسي و ليس المسار المناطقي او المذهبي .

كتب الدكتور مصطفى العبسي ، دكتور علم النفس الشهير في امريكا ، بوست في صفحته على الفيسبوك ، و طرح سؤال معين : لماذا المقاومة الشعبية للحوثي متركزة في تعز و عدن و مارب ، و لا يوجد لتلك المقاومة اي ذكر في ذمار و صنعاء و صعدة ؟، و انهى سؤاله بالقول : دعونا نكون صريحين و لا نكذب على انفسنا ، و ستكون الاجابة في الرد القادم ؟
الدكتور يحاول ان يكون صريح مع الجميع ، و كانه يشخص المسالة مناطقيا باستحياء ، هكذا فهمت و هكذا فهم الجميع اثناء تعليقاتهم على بوسته فالكثير من اصدقائه في الصفحة يقولون انها حرب مناطقية مذهبية.

الحقيقة لا اعرف هل الدكتور مصطفى و الذي قام بحذفي من صفحته بعد تعليقي على ذلك البوست ، كان يعني فعلا ذلك المنطق البسيط المخل للحقيقة، ام انه قد كتب بوست اخر و وضح فيه الاسباب بعيدا عن التفسير المناطقي. 

حسنا ...ساترك الدخول في التحليل النفسي الذي انطلق منه الدكتور مصطفى في تفسير تلك الظاهرة ، و ساحاول الاجابة على سؤاله بطريقة موضوعية ، و الذي اتمنى ان يصله المقال ، فربما سيعيد نظرته حول الاسباب قبل نشرة للاجابة في صفحته.

في ثقافتنا دائما ما نميل الى تفسير الظواهر من حولنا و ردها الى عوامل طبيعية ، سوى كانت ظواهر سياسية او اجتماعية الخ ....نميل الى تبسيط الظواهر بعد عجزنا عن التحليل العلمي للظواهر ، و نرد الاسباب الى عوامل طبيعية ، فتفسيراتنا لا تخلو من الاجابات : المناخ ، الجغرافيا ، الشمال ، الجنوب ، الجبل ، السهل ، الهواء ، المنطقة ، الساحل ، البحر ، الخ ، حالة من الخمول الفكري في تحليل الظواهر ، و كسل في بحثنا عن المتغيرات المساهمة في انتاج تلك الظواهر، و هذه ميزة في العقل الخرافي الاسطوري ، الذي يعوز للطبيعة تفسير كل شيء من حوله . 

دعونا نعود الى السياق السياسي لليمن ، و نستعيد ذاكرتنا المفقودة . 

لماذا تلك المناطق ؟


في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي ،و بعد انعقاد مؤتمر خمر و مركزة عمران و مؤتمر الجبهة و مركزة المناطق الوسطى و تحديدا مدينة جبلة ، تم اغتيال الحمدي من قبل مؤتمر خمر الذي يتبع السعودية ، و خاضت اليمن شمالا حروب الجبهة ، و تركزت الجبهة في المناطق الوسطى ( اب ، تعز ، وصاب ، رداع ، الحديدة ) و شملت ايضا صنعاء ( ارحب و حرف سفيان) و صعدة و البيضاء و مأرب . 
قامت الجبهة على حامل فكري الاشتراكية و القومية في صراعها مع سلطة النظام الجديد الذي شكلته السعودية ، قامت على محاربة الاقطاع و الاستغلال و تحديث المجتمع و تطويرة زراعيا و اقتصاديا، و استعادة مسار اليمن من مسارها السعودي ، لكن مؤتمر خمر واجه الجبهة و اتحد مع حامل ديني قادم من السعودية و بدعم سعودي متمثل بالاخوان ، و استطاع هذا التحالف هزيمة الجبهة و الانتصار للمشروع السعودي في اليمن ، و قاموا بتحويل مسار المعركة من معركة رفض وصاية الى معركة بين الايمان من جهة و الكفر و الالحاد من جهة اخرى .
بعد ذلك الانتصار ، كان لابد للمسار السياسي السعودي في اليمن ، ان يعمل على مشاريع متعددة في تلك المناطق ، من اجل القضاء على تلك الحقبة في ذاكرتهم الجمعية ، و الحيلولة دون عودتها مرة اخرى بعملية غسيل شامل ، و ربطهم بالمسار السعودي السياسي ، و تمثلت تلك المشاريع باشكال عدة ....فكرية و دينية و اقتصادية و سياسية و اجتماعية و الخ .

المشروع الفكري و الديني 
تمثل هذا المشروع باغراق تلك المناطق بالجمعيات الدينية و التي كانت تهتم بالنشىء و الاطفال ، و سمحت الدولة بانشاء المعاهد الدينية التي كانت مفصولة في منهاجها عن المدارس الحكومية ، تولت تلك الجمعيات و المعاهد مهمة تكوين الاجيال الجديدة بحيث يسير في نفس خط الجماعات الدينية الممولة من السعودية و جمعياتها ، و هذا المشروع كان يعول عليه عمل غسيل دماغ لتلك المناطق و ازالة الحقبة الاشتراكية و افكارها و تجريمها من وعيهم و ذاكرتهم ، فتقريبا الاعمار ما بين 10 سنوات و حتى 40 سنة في تلك المناطق ، قد تعلم و تربى و احيط بذلك المشروع الديني و الفكري ، ومن الطبيعي ان يتماهوا مع خطاب الجماعات الدينية ، و تاكيد ذلك ان اجيال بعمر 20 سنة في تلك المناطق مازالوا ينظرون الى حقبة الحمدي انها حقبة كفر و الحاد و خمور بشكل كبير، و هناك تماهي مع الخطاب الديني القادم من شيوخ السعودية . و تحولت تلك المناطق الى مراكز لتصدير المجاهدين الى افغانستان و الشيشان و كشمير ، و هولاء المحاربون تم استيعابهم في السلك العسكري في ما كان يسمى الفرقة مدرع، و يملكون رتب عسكرية كبيرة و جميعهم تم صرف اموال لهم من السعودية ، و هولاء لهم حضور كبير في مناطقهم و التي معظمها مناطق الجبهة القديمة . 

لاحظ جيدا مناطق الجبهات ، و لاحظ مدى توسع و تركز الجمعيات الدينية و الجماعات الدينية فيها ، فالمناطق الوسطى اكبر حاضنة للاخوان و للجمعيات الدينية السلفية ، و رداع تحولت الى مركز مقدس للقاعدة ، و ارحب تحولت مركز مقدس للاخوان بفضل الزنداني ، و البيضاء تحولت الى مركز لجماعات دينية تكفير و هجرة ، و صعدة تحولت الى مركز مقدس للسلفين ، و زبيد ايضا اصبحت حاضنة اخوانية . فتم الربط الفكري و الديني بالسعودية .

اذن فهذا المشروع الديني و الفكري الذي تم عمله في هذه المناطق ، لم يكن منتج محلي ، قام الانسان اليمني بانتاجه من ادوات محلية، بل كان مجرد مشروع خارجي تم احلاله في اليمن ، لخدمة مسار سياسي دولي فقط . 

المشروع الاقتصادي 
تمثل المشروع الاقتصادي بتسهيل كبير لابناء تلك المناطق بفرص العمل في الخليج و السعودية، فاصبح المواطن رزقة مرتبط بالسعودية ، و تلاحظ ان معظم العمال في السعودية من ابناء المناطق الوسطى ، و هذا المواطن يعول اسرة كبيرة ، فتحول العمل في السعودية الى اقتصاد كبير يعول افراد كثير من اليمن، و ليس هذا فقط ، بل ان العامل اليمني اصبح في وضع يسمى كفيل ( جملة لتحسين كلمة عبد) ، و لا ننسى ان هولاء العمال سيعودون لليمن و هم يحملون نفس النمط الفكري و الديني و السياسي المحيط بهم ، و تم الربط الاقتصادي مع السعودية .

المشروع السياسي 
فهو وجود حزب الاصلاح الذي لديه حاضنة كبيرة في مناطق الجبهة ، اب ، مارب ، رداع ، ارحب ، ريمة ، وصاب ، تعز، و كما يعرف الجميع فان من مبادىء حزب الاصلاح الاساسية العمل على تعزيز و تقوية العلاقات بين اليمن و السعودية . فتم الربط السياسي بالسعودية .

المشروع الاجتماعي 
فهو وجود شخصيات قبلية و سياسية و اجتماعية تتحصل على مال سعودي ، في ما يسمى اللجنة الخاصة، و وظيفة هذه اللجنة هو اعطاء اموال لتلك الشخصيات كي تحافظ على ربط مسار تلك المناطق بمسار السعودية ، فشيخ القبيلة في اليمن يملك سلطة تاريخية يستطيع بها توجيه مناطق نفوذه نحو السعودية من خلال الربط المالي له . و تم الربط الاجتماعي مع السعودية . 
مع ملاحظة مهمة و هي انه بعد انتصار مؤتمر خمر و الجماعة الدينية على الجبهة ، تم منع ابناء تلك المناطق بصورة غير مباشرة من الترقي في السلك العسكري تقريبا، هذا المنع في البداية كان خوفا من عودة الجبهة او عمل اي انقلاب على السعودية في اليمن ، لان معظم مقاتلي الجبهة كانوا ضباط و جنود في السلك العسكري في اليمن .

اليمن عام 94
بعد انتصار ادوات المسار السعودي في اليمن في حرب 94 المتمثل بمؤتمر خمر و الاخوان ، و الذي انفجر بالبداية من عمران مركز مؤتمر خمر، و هو نفسه الذي انتصر على الجبهة في الامس بنفس الطريقة و الادوات و الوسائل و الافكار ، حدث للجنوب تقريبا نفس ما جرى بالامس مع مناطق الجبهة ، فقط كان لابد من عمل مشاريع لربط الجنوب بالمسار السعودي ، فكريا و دينيا و اقتصاديا و سياسيا ، و ازالة و محو الحقبة و الافكار الاشتراكية ، فتم تسريح الضباط الجنوبين خصوصا من الضالع و يافع ، و اغراق تلك المناطق بالفكر السلفي ، و تسهيل فيز العمل لابناء تلك المناطق ، و يحضى الان كثير من شيوخ القبائل من يافع و الضالع بعلاقات قوية بالسعودية، فحدث الربط الفكري و الاقتصادي و السياسي والاجتماعي و اصبحو يسيرون في نفس المسار السعودي في اليمن . 

تلك المشاريع يتميز كل منها بخاصية مهمة ، و هي العبودية الصارخة، فالدين في عقول الناس تحول الى علاقة عبودية كعبودية الانسان للانسان ، فاصبح الناس عبيد لشيوخ دين الممثلين لله، و اصبح المواطن اليمني مستعبد من قبل رجال دين في السعودية، يستمعون لهم في كل شيء و كل امر و يؤمنون بهم بطريقة عمياء ، اما الاقتصاد فتحول الى عبودي و اصبح اليمني يفرح بان يحصل على كفالة( عبد) في السعودية، و اصبح رزق الانسان اليمني مرتبط بعلاقة استعباد، يخاف اليمني على السعودية اكثر من خوفه على اليمن ، خوفا على رزقة و يتحمل اي اهانة او قوانين ظالمة سعودية المهم رزقة، مع العلم بان نظام الكفيل هذا تصفه كل المنظمات الدولية بانه ضد الانسان و قوانين عبودية قبيحة، و تحول اليمني الى مجرد عامل و شاقي ، لان السعودية سعت من خلال ادواتها في اليمن الى عدم خلق اقتصاد قوي لاستيعاب تلك العمالة، اما من ناحية الوضع الاجتماعي فالشيخ الذي يستلم مال هو مسؤول عن جماعة في نطاق نفوذه القبلية و يستند على قوة تجعله يمارس اي دور في ذلك النفوذ و تجعله فوق القانون . 

اذن فهذه المشاريع العبودية ترابطت و تفاعلت ، لتشكل المسار السياسي للسعودية في اليمن ، فتشكلت اجيال داخل هذا المسار و تغذت منه فكريا و سياسيا و اقتصاديا ، و تكونت افكار قائمة على قاعدة ذلك المسار ، و تركزت بشكل كبير في تلك المناطق تقريبا ، و اصبح الكثير يجهل انه تحت طائلة مسار سياسي خارجي، و انه فكرة و عقيدته و اقتصادة و سياسته من حوله تشكل في خيال استراتيجية السعودية داخل اليمن ، حتى هذا اليوم الذي تصبح السعودية لها اليد في ترتيب الوضع الداخلي لليمن بدون اي اعتراض من تلك الاجيال ، و اصبح الجميع في تلك المناطق يتماهى مع الخطاب القادم من السعودية سوى كان سياسي او ديني او اعلامي او فكري او اي حلول قادمة من هناك . 

كل تلك المشاريع الاستعبادية امتزجت و تفاعلت لتشكل مسار السعودية في تلك المناطق ، و وجدت من الاعلام النفطي المحيط بنا من كل مكان منبر يعبر عنه و يعبر عن ارتباطه الواضح بالمسار السعودي ، فما يطلق عليها مقاومة في تلك المناطق ، انما هو مقاومة تتبع مسار سياسي سعودي فقط، لمسار سياسي غير مرتبط بالسعودية .

و هذا هو السبب وراء رؤيتنا لناس من تعز و يافع يرفعون صور ملك السعودية ، و يقولون شعار : شكرا سيدي سلمان لانك تقصفنا.

شعار العبودية الجلي ، و المعبر تلقائيا عن مسار السعودية السياسي في اليمن .
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق