الجمعة، 30 ديسمبر 2016

لن تعود مصر الا من بوابة اليمن

لن تعود مصر الا من بوابة اليمن 

المعادلة التي لم تستوعبها بعد مصر 


تقريبا قبل خمسة اشهر من اعلان السعودية قيام تحالف عاصفة الحزم يضم 13 دولة و شن عدوان على اليمن ، كان في زيارة اليمن وفد اعلامي مصري للاطلاع على التطورات الجديدة التي تجري في اليمن خصوصا بعد تصاعد المخاوف من سيطرة الحوثين للشريط الساحلي و الامن باب المندب ، و قام الوفد بعمل لقاء صحفي مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ، و في اللقاء افشى صالح بمعادلة قوة مصر الصحيحة و قدمها كهدية لمصر و قال بالحرف الواحد : الازمة في اليمن حلها بيد مصر ، و نحن نقدم ملف اليمن لمصر،  و راضين بحلولها على الازمة ، لكن بشرط ان تكون مصر  هي مصر جمال عبدالناصر . 


الكثير يدرك حقيقة عملية التشوية الكبيرة الفكرية و الاعلامية الممنهجة و المتعمدة على حقبة عبد الناصر بعد صعود السادات للحكم خصوصا في الداخل المصري ، لم تكن تستهدف عمليات التشويه تلك ناصر لذاته في مسالة شخصية ، بل كانت بالاساس تستهدف كل السياسة و المواقف و الخطوات المصرية في تلك الحقبة و تجريمها في وعي الراي العام سوى داخل مصر او خارجها ، و اعتبارها سياسات خاطئة و تدميرية لمصر ، بل كان هدفها فصل مصر فكريا و نفسيا عن محيطها، باعتبار ان المحيط لا يمت بصلة و علاقة بمصر ، بل يضرها و هو سبب نكسات مصر و خسائرها ، و نعرف كيف ظهرت موجات التذمر من المحيط، و زادت بعد مقاطعة المحيط لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد ، و لاجل هذا تم صناعة بطل النصر لمصر ، رمز للنصر لاجل الاطاحة برمزية ناصر ، فهذا الرمز استطاع تحقيق النصر و القادر ان يسحب البساط عن ناصر و تجريمه و القيام بعدها باي خطوة و سيباركها كافة الشعب ،فهو الوحيد القادر على مد يده لاسرائيل بحكم ان هذا البطل انتصر، و هو يمد يده من قوة و ليس ضعف. 


تلك السياسة جعلت المحيط غير مرتبط بوجدان المصري ، و هذا هو المطلوب ، جعل المصري يرى في قضايا المنطقة امر غير مرتبط و مؤثر عليه بحيث يفقد رؤية مصالحه بشكل جيد ، كي تخسر مصر محيطها الامني مع الوقت و هو غير مهتم ابد ، و مع الوقت بدا المحيط يضيق و يضيق حتى يوشك على خنق مركز الدائرة ، اضعاف مصر حتى تفتيتها . 


تخلت مصر عن العراق و ليبيا و اليمن و لبنان و السودان ، الحلقة تضيق على مصر مع الوقت ، حتى موعد التفتت الداخلي ..فاذا كان المصري يشاهد بريطانياا و غيرها من الدول تتدخل في المنطقة و هي القادمة من وراء البحار ، فكيف لا يكون لمصر مصالح استراتيجية قوية في دول مجاورة بعقلية المصري الذي لا يرى لمصر مصالح في المنطقة ؟ 


 تنتشر في اوساط الراي العام في مصر فكرة خاطئة ان عبدالناصر كلف مصر خسائر في معركة وهمية في المنطقة بدون اي مصلحة سوى محاولة نشر الفكر القومي، و منها حرب اليمن و التي استنزفت مصر كثيرا و من اسباب هزيمة 67 ، خسرت مصر الكثير و لم تستفد شيء .


و هذه الفكرة خاطئة ، قد اتفق مع  ان ناصر كانت له اخطا في  العمل ، لكن ناصر لم يكن مخطىء في الخطوة و الموقف ، بل كانت الاخطاء في الحسبة و التنفيذ ، اما القول بان ما قام به ناصر بالاساس خاطىء و ليس في مصلحة مصر ، فهو كلام خاطىء جملة و تفصيل . ناصر تدخل في اليمن لمصلحة مصر بالاساس الاول و ليس حبا في اليمن، لاجل مصر، خطوة استراتيجية لتامين مصر ، هذه الحقيقة التي لا يستوعبها الكثير في مصر . 


الان دعونا نعالج تلك الفكرة الرائجة في الاوساط المصرية لكن قبلها احب ان اتحدث في نقطة مهمة ، و هي ضرورة التخلص من ثقافة المن و الفضل و استيعاب ثقافة المصالح المشتركة ، هناك مقال بسيط يشرح هذه الجزئية على الرابط هذا و ارجوا الاطلاع عليه للاهمية 


http://sun2son.blogspot.com/2016/12/blog-post_19.html?m=1


مصر دخلت اليمن لاجل امريين اثنين: 


1- الامر الاول ...دعم دولة كي تكون حليف استراتيجي لها و في صف مصر عند اي محاولة سعودية لتهديد امن مصر ، لان السعودية هي من تدير مشروع امريكا و اسرائيل في المنطقة، هي اليد الطولى لامريكا و اسرائيل في المنطقة ، بمعنى ان مصر تصنع حليف استراتيجي لها قرب مديرة مشروع اسرائيل و امريكا ، حليف لها مهدد لاسرائيل و امريكا في اي محاولة لها في تهديد مصر ، و الدليل ما تشاهدونه اليوم من تحركات السعودية في المنطقة لخدمة اسرائيل و امريكا ، و محاولاتها تركيع مصر و محاصرتها لجعل موقف مصر في صف السعودية على حساب مصالح امن مصر الوطني. 


2- الامر الثاني لاخراج بريطانيا من اليمن و انهاء سيطرتها و تحكمها بباب المندب الشريان البحري الاستراتيجي و الدليل بعد توقيع اتفاق ناصر و فيصل في الخرطوم مباشرة ، تم توقيع اتفاقية الجلاء البريطاني عن اليمن الجنوبي و تسلمت الجبهة القومية الحكم في اليمن الجنوبي التي كانت علاقتها قوية بعبد الناصر  . 


في عام 1962 دعمت مصر ثورة ضد النظام الامامي في اليمن . عبد الناصر نجح في الجزائر لانها كانت معركة تحرر وطنية ضد مستعمر خارجي وحد الجبهة الداخلية في الجزائر فطرفي الصراع كان خارجي و داخلي ، لكنه فشل في اليمن خصوصا شمال اليمن، لاسباب كثيرة ، من بينها انه في اليمن تحولت الى حرب اهلية داخلية و ان كانت بدعم خارجي، طرفي الصراع كانا الاثنان داخليا، فلم لم يستطع حسم الامر في اليمن سريعا بسبب طبيعة اليمن و التي كانت خارج خبرة التجربة السياسية لمصر ، ايضا المتغيرات التي جرت بعد نكسة 67 و التي ادت الى توقيع اتفاق بين مصر و السعودية في الخرطوم ، مؤكد ان السبب الثالث هو موت جمال عبدالناصر و عدم وجود خلف له يواصل المشروع بل قام باجهاضة . 


في عام 1967 كانت مصر تخوض حرب ضد اسرائيل و كانت اليمن تخوض في نفس الوقت معركة ضد الملكين المدعوميين من السعودية و امريكا لتثبيت الجمهورية . و بعد النكسة اضطرت مصر لتوقيع اتفاق مع اسرائيل ، نعم اسرائيل و هذه الحقيقة التي يصعب فهمها ، اتفاقية الخرطوم كانت بين مصر و اسرائيل ، فقد كان فيصل مجرد وكيل لاسرائيل  . 


خروج مصر من اليمن و تحويل الصراع الى شان داخلي يمني سياسي في اليمن ، و خروج بريطانيا من الجنوب و توقيع اتفاقية الجلاء ، فتخلى ناصر عن الحسم النهائي في الشمال لكنه  انتصر في الجنوب . اتفاقية الخرطوم نصت على سحب الجيش المصري و اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري في اليمن و استضافة الملكين لديها. ناصر قبل بالاتفاقية لكنه بعد خروج مصر من نكسة 67 و خسارة مصر لجنود في اليمن قررت التفكير بالية سياسية للصراع من خلال مفاوضات ، و  في بال عبد الناصر تحويل الصراع في اليمن الى عمل سياسي على الارض اليمنية ، لانه يعي بان السعودية لن تنتهي معركتها في اليمن . و الدليل ما ان خرج الجيش المصري حتى وقعت ملحمة السبعين حصار صنعاء .


 وضع مصر لم يكن يسمح بزيادة استنزاف .


 1970 توفي ناصر و تشكل مؤتمر خمر في اليمن الممثل الرسمي للسعودية في اليمن و تمت مصالحة في اليمن تسمح بعودة الملكين التابعين للسعودية و مشاركتهم في الحكم ، اذن تم اقتسام اليمن بين السعودية و مصر في النفوذ،  و كان قد تشكل تكتل سياسي اخر يسير في نفس مسار مصر. و بدات عمليات النفوذ السياسي في اليمن يمتد على كامل الخريطة و عمليات استقطاب واسعة تمت من قبل التكتلين . لكن بالاخير انتصر مؤتمر خمر السعودي و تحديدا بعد مقتل الرئيس اليمني الحمدي بتدبير من المخابرات السعودية بسبب خطوة كارثية كان الشمال مقبل عليها و هي توقيع اتفاق الوحدة مع الجنوب الذي خرج من نفوذ السعودية .


1978 تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، الزلزال الاكبر في المنطقة ، و من اهم نتائج الاتفاق ، تغيرت خريطة المنطقة ، حدث انقلاب صدام على البكر في العراق ، و قامت  الثورة الايرانية . 


  

اين تكمن اخطاء مصر التي وقعت في اليمن في عهد جمال عبدالناصر  ؟


1- عدم وجود خبرة سياسية سابقة في اليمن ادى لتورط  عسكري لمصر و استنزاف . 

2- نكسة 67 التي اضعفت مصر ، فساهم في ضعف موقف مصر في اليمن 

3- عدم مواصلة الموقف في اليمن بعد موت عبد الناصر . 


لنترك ماسبق و نتجه الان لمصر 


السؤال المهم : لماذا وصلت مصر الى هذا الوضع ؟ 

الاجابة المنطقية هي : اخطاء السياسة المصرية هي التي اوصلت مصر لهذا الوضع . 


و ماهو الحل ؟ 


هو اصلاح تلك الاخطاء التي ارتكبتها السياسة المصرية و التي اوصلت مصر لوضعها الحالي . 


كيف ؟ 


الان و نحن في عام 2016 تجري في اليمن احداث هي نسخة طبق الاصل من احداث 1962 ، الموقف الان في اليمن هو نفس الموقف عام 1962، و كأن اليمن يحاول اعادة سيناريو فلم 1962 و اهداءه لمصر، لاجل ان تصحح مصر اخطائها السابقة . مع الاختلافات في موازين القوى في اليمن بين الامس و اليوم ، بمعنى ان الموقف في اليمن الان هو نفس موقف الامس ، لكن مع حدوث اختلاف في طبيعة و ظروف اليمن اليوم . 


السعودية تريد اعادة نفوذها السابق بشكل جديد مع اعادة تقسيم اليمن الى دويلات لتتخلص من قوة اليمن ، و بريطانيا عادت للمنطقة و تريد الحصول على عدن و تقسيم اليمن لجعلها تحت نفوذها و التحكم بباب المندب . و هناك اخبار مسربه عن رغبة اسرائيلية بقاعدة في اليمن و بدات السعودية تطرح موضوع قاعدة في جيبوتي و هي بالاساس لصالح اسرائيل . 


ماهو الاختلاف بين الامس و اليوم في اليمن ؟ 


من حيث القوى ان الكتلة القبيلة التي وقفت مع السعودية بالامس هي الان تقف ضد السعودية بجانب اكبر حزب هو المؤتمر و جماعة انصار الله و اما الاحزاب السياسية التقدمية من احزاب الناصرين و الاشتراكين فهي تقف الان مع السعودية . في الماضي كانت المشكلة هي الحزام القبلي حول صنعاء و المنطقة الجبلية الوعرة في الشمال ، اما اليوم فالحزام الامني قوي حول صنعاء و معظم المناطق الجبلية الوعرة خارج نفوذ السعودية و بيد الجيش اليمني و اللجان الشعبية . في الماضي كان القتال بين جمهوريين و ملكين ، اما اليوم من وجهة نظر الواقفين ضد السعودية هي حرب بين استقلال و قرار سيادي و بين الهيمنة و النفوذ السعودي و تقسيم اليمن ..معركة دفاع عن الوطن ، و لدى السعودية هي حرب بين شرعية و بين انقلاب . في الماضي كان لدى اليمن جيش تقليدي ام اليوم فلدى اليمن جيش قوي مدرب و حديث بجانب لجان شعبية مساندة . 

بمعنى اخر ، دخول مصر في ملف اليمن سيكون سهل جدا ، و لن يكون مثل المرة السابقة عام 1962. 

بالامس السعودية و اسرائيل و الاردن و المغرب و امريكا و بريطانيا و ايران مع الملكيين  في اليمن، اما مصر و الاتحاد السوفيتي مع الجمهوريين. و اليوم تقريبا نفس التحالف الامس مع تبدل بين مصر و ايران . 


الان لنفكر بشكل منطقي 


لاعب يحرك القطع فوق الرقعة الشطرنج و قام بعمل نقلات ، ثم اكتشف انها نقلات خاطئة جعلت موقفه في اللعبة صعب و ضعيف امام الخصم . 

السؤال : ماذا يجب ان يعمل للخروج من هذه المازق؟ 

الاجابة : علية ان يتراجع عن تلك الخطوات الخاطئة . لكن هل يسمح الخصم ؟ 


فجاءة يجد اللاعب نفسة و هو يشاهد القطع تتراجع من تلقاء نفسها الى المواقع السابقة، و تهدي اللاعب فرصة نادرة ، للقيام باعادة اللعبة ، كي يغير نقلاته و لا يكرر الاخطاء السابقة التي وقع فيها . 


ذلك اللاعب هو مصر و الخصم هو المشروع الصهيوني و الهدية هي اليمن . 


قوة اليمن هي قوة مصر ، و قوة مصر هي قوة اليمن ، ضياع سيادة اليمن هي ضياع سيادة مصر ، و تفتت اليمن هو تفتت لمصر .


من مصلحة مصر الاستراتيجية ان تكون اليمن بدون وصاية سعودية،  و عدم وجود نفوذ لها في اليمن و بسيادة يمنية كاملة . 


على مصر ان تخرج من تحالف السعودية و تقف و تدعم بقوة اليمن ضد ال سعود، فكل خيوط المعركة بيد اليمن و السعودية غارقة في مستنقع اليمن و نتائج المعركة ستكون لصالح اليمن ، على مصر ان تقف مع اليمن لتكسب ورقة كبيرة في اي موقف مع اسرائيل ، ل تكسب حليف حقيقي باليمن تكون ذراعة القوية ضد المشروع الصهيوني ، مع العلم بان معادلة القوة في الحرب اليوم لصالح اليمن . 


 


ابن الشمس 

.

.

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق