الاثنين، 23 يناير 2017

اللغة عند الشعوب الوثنية - بين السحر و الواقع

هل يمكن التفكير بدون لغة ؟

بعد دراسة عالم لغويات ايرلندي للغة قبيلة بدائية في الامازون، استطاع هذا العالم الوصول الى تفسير علمي عن الاسباب وراء سمة التطور البطيء جدا لديها، و لماذا يعد الرقم خمسة اعلى رقم موجود في لغتهم، فقد خلص الى ان اسباب ذلك يعود الى لغة القبيلة و التي لا تحتوي الا على زمنين فقط، الماضي و الحاضر، و لا يوجد في لغتها صيغة للزمن المستقبل، فانعكس ذلك على حياتهم و لم يعد هناك داعي حتى للوصول الى ارقام كثيرة في لغتهم ، فهم لا يحتاجون الا الى ارقام صغيرة تلبي حاجات الحاضر فقط.

اللغة اساس التفكير، و المعرفة تتطلب حامل لها و هذا الحامل هو اللغة ، هذا كلام العلماء حاليا ، و العديد من العلماء يفسر الكثير من ظواهر التفكير لدى الشعوب من خلال خصائص لغاتهم . يمكن وصف اللغة و علاقتها بالتفكير ، بلغات الكمبيوتر و برامجمجها، و كيف ان برامج معينة لا تكتب الا بلغات معينة لقوتها و احتوائها على دوال يمكنها التعامل مع التفاصيل الدقيقة في الكمبيوتر، و يصعب على لغات كمبيوتر اخرى القيام بحل مشكلات لضعفها بنفس كفاءة اللغات الاخرى القوية .

الــلغــــــــة العربيــــــــــــــــــــة

يتحدث ادونيس عن مشكلة من مشكلات التفكير لدى العرب، و يقولل بان العربي ينظر الى اللغة كحقيقة مستقلة يتم استدعائها ، بينما اللغة بالاساس اعتباطية ، و سيوافقة على هذا الكلام مفكر الماني و هو يتحدث في كتابة عن لماذا تخلف المسلمون عن الحضارة و يستعرض في كتابة ثلاث مشكلات اساسية و اولها اللغة المقدسة .

هذا يفرض علينا سؤالين

السؤال الاول عن السبب وراء تلك المشكلة ؟

المسلم ينظر الى اللغة كانها حالة ازلية، و لا يتخيل كون بدا الا بواسطة لغة عربية ، و يرى اللغة كانها هبطت من السماء و ليست منتج بشري ، فهي لغة الاله و الملائكة و الكون و الحجر و الشجر الخ ، اي ان اللغة العربية موجودة خارج الانسان و المسلم هو من تعلمها ، ربما السبب لانها لغة الكتاب المقدس لديهم. و اعتقد من الاهمية وضع هذا الشيء في عملية تحديث مناهج التعليم في المستقبل.

الشعـــــوب الوثنية و اللـــــــــــــــــغــــــــة

السؤال الثاني لماذا هي مشكلة ؟

الكلمات و الافكار تلعب دور سحري في حياة الشعوب الوثنية ، فيصبح نطق الكلمة مساويا للحضور الفعلي للشيء ، نطق الكلمة يعني استحضار الشيء و تجسيدة ماديا ، حتى التفكير في الشيء او الرغبة فيه يعني حدوثة بشكل متطابق .

فمثلا ....الاسم لدى الشعوب الوثنية مكون اساسي للشيء او الشخصية ، فعند معرفة اسم الكائن(شخص او شيء ) ، يعني منح الانسان قوة كبيرة باتجاه الكائن. الكل و هناك يحدث الخلط بين الواقع السحري و الواقع الطبيعي ، فيتم احلال الافكار محل الطبيعة ، و يحدث انتقال من السيطرة على الافكار او الاسماء الى السيطرة على الاشياء، و يتحول التفكير الى رغبات جامحة(امنيات) و يصبح الواقع الطبيعي واقع سحري مسيطر على العقل و يصعب الخروج منه .

تقدم لنا الحضارة المصرية القديمة مثال على الدور السحري للكلمات و الافكار لدى الشعوب الوثنية ، فقد كان ملوك مصر القديمة في عصر ما ، كانوا يقومون بنقش اسماء الشعوب المعادية لهم و اسماء حكامها و اسماء المتمردين و المنشقين عن الحاكم على اواني فخارية كبيرة ، و كانت تلك الاواني تحطم في احتفال ديني . لقد كانت الغاية الاساسية من هذا الطقس هو الدعوة بموت اولئك الاعداء و المنفلتون من قبضة الملك ، لكنه لم يكن طقس رمزي فقط ، بل هو اعتقاد راسخ بانهم سيلحقون الاذى بالاعداء و ان الاعداء سيموتون حقا بعد تحطيم اسمائهم المنقوشة على الاواني الفخارية.

اليمن مثــــــــــــــــالا على ذلك

المثال السابق من مصر القديمة ، و ان كان يبدو للكثير ساخرا و غريب ، لكن الحقيقة ان ذلك الطقس يمارس في كثير من الاحيان في حياة شعوب المنطقة تماما و في تفكيرهم ، و ساستعرض اليمن كمثالا على ممارسة تلك الطقس في حياة و تفكير الانسان اليمني ، و حتى و هو تحت القصف و الحصار المفروض عليه يمارس ذلك الطقس بشدة كبيرة  .

- اليمني يخاف ان يذكر اسم امه ، فالبعض يخاف ان يستخدم الاسم في عمل سحري لدى المشعوذين ، و البعض يشعر بالعيب لان ذكر الاسم يعني استحضار امه او اخته او زوجته و تتجسد امامة لحضة ذكر الاسم .

- اليمني لو رأى اسمه على الارض او في ورقة مرمية على الارض ، يمسح الاسم و يلتقط الورقة و يحرقها او يمزقها، لان الاسم بحقيقته مجسدة له و ملقي على الارض و يخاف على جسدة .

- اليمني حين يقص قصة على شخص و يذكر في القصة كلمات مثل ( الحمام او الحذاء ) فهو يعقب ذكر الكلمة بجملة ( اعزك الله ) و كانه يستحضر تلك الاشياء عند نطقها امام الشخص ، فيتعتذر له عن وجودها امامه.

- اليمني حين يضرب له مثلا قبيحا و هو موجود فيه ، سيقول لك لا تضرب المثل بي باي شخص اخر ، لانه يعتقد بان اللغة حين تنطق يعني حدوثها بشكل متطابق
اليمني حين يرى حلم في المنام ، و عندما يستفسر شخص عن تفسير الحلم ، فان اول مفسر له يكون هو التفسير الصحيح و يؤمن به انه واقع سيكون..

- يقول يمني انه محتار فهو ضد التدخل في وطنة لكنه يخاف على دينة ، بغض النظر عن الربط الغير منطقي ، لكن خوفه على دينة ياتي من تجسيدة للدين على هيئة مادية ، فهو يخاف عليه من التحطم او التكسر ، فالدين لديه ليس مفهوم مجرد ، بل حقيقة متجسدة مادية يخاف عليه .

- يقول يمني انه يخاف على 26 سبتمبر المقدس، فهو يستحضر ذلك اليوم على انه حقيقة متجسدة ، و يخاف على ذلك الكيان المادي من الانكسار او التحطم .

- يقول يمني بغضب انه تم استباحة مدينة من قبل مليشيات مسلحة، يستحضر المدنية باكملها على هيئة كيان مادي و يصور المليشيات كانها كيان مادي اخر يستبيحها و يغتصبها .

الامثلة كثيرة جدا  في شرح هذا التفكير لدى الشعوب الوثنية ، ما عليك الا المراقبة و ستكتشف كم هائل منها لتعرف كيف يصبح الواقع الطبيعي واقع سحري في مخيلتنا .

ابن الشمس
.
.
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق