الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

الغرب و الفاتيكان خلف المذابح البشرية في رواندا

رواندا و تعني بلاد التلال الالف، دولة روندا تقع في شرق وسط افريقيا  بمنطقة البحيرات العظمى ، و عاصمتها كيجالي ، تحدها تنزانيا و اوغندا و الكونغو و بروندي ، وتعد رواندا منبع نهر النيل. مساحتها تصل الى 26000كم ، و عدد سكانها يصل الى 7 مليون نسمة،  و تعتبر روندا من بين اكبر الدول في الكثافة السكانية.

حصلت رواندا على استقلالها من الاحتلال البلجيكي عام 1962م.

تمتاز رواندا بالطبيعة الخلابة ، و التلال الجميلة و وفرة في الحياة البرية ، و تعتبر السياحة اكبر دخل اقتصادي في البلاد

تشتهر رواندا بالكثير من الاشياء، لكن الشهرة الاكبر التي حصلت عليها رواندا، سببها الابادة البشرية الابشع التي جرت فيها في عام 1994.

الابادة البشرية في رواند

- في العام 1993 اغتيل رئيس بروندي الذي ينتمي الى الهوتو، و تسبب ذلك الحادث في مجازر كبيرة للتوتسي ، و هاجر اكثر من نصف مليون الى الدول المجاورة .

- و في العام 1994 تحطمت طائرة تقل رئيس بروندي و رواندا،
تم تفسير الحادثة بان وراءه التوتسيين، وبدأ القتل في اليوم نفسه في عموم البلاد طوال مدة 4 اشهر .

انتشرت في جميع أنحاء البلاد ميليشيات مسلحة بالبنادق والمناجل ، كان الناس يقتلون جيرانهم المجاورين لهم منذ زمن طويل، وكان أفراد الأسرة يخون بعضهم بعضًا، وكذلك تم إضرام النار في كنائس مزدحمة باللاجئين. عصابات تحمل سواطير و سكاكين، ترتكب مذابح و مجازر على طول البلاد، و جثث متراكمة فوق بعض كاكوام الحطب، قتل  خلال 4 اشهر  حوالي  مليون شخص تقريبا كان معظمهم من التوتسي، و اكثر من مليون شخص نازح الى الدول المجاورة .

ما هي اسباب تلك الكارثة ؟

اعتقد ان هذا هو السؤال الاهم لفهم تلك الكارثة ، لان الموضوع من اساسه ليس صراع قبلي ابدا، الموضوع اعمق، هناك سبب قوي ادى الى تلك الكارثة، ، هناك سبب منطقي و قوي يفسر ذلك التوحش و الكراهية ..... بينما الاعلام الغربي و التابع له ، يحاول تغافل ذكر الجهة الحقيقية وراء تلك المجازر و الحروب ، و  يحاول تصوير الموضوع على انه صراع قبلي  .

الجهة الحقيقية وراء ذلك الصراع

لماذا تتصف بعض الانظمة بالبقاء و الاستقرار على حالها ، بينما تتعرض انظمة اخرى للتغيير؟

ذلك السؤال نتج عنه اسئلة اخرى كثيرة ، و قاد التفكير الى تاسيس علم جديد يسمى علم الفوضى ، و الذي اهتم بدراسة و وصف الانظمة العشوائية رياضيا و فلسفيا و منطقيا .

في علم الفوضى ............ يصادفنا مصطلحات كثيرة، من بين تلك المصكلحات  معامل اللانتظام او معامل الفوضى، ذلك المعامل يصف الانظمة المستقرة او الفوضوية ، و كلما زاد معامل اللاانتظام كلما زادت فوضى النظام . 

و هناك مصطلح الانظمة المستقرة ، و الذي يتناول الطرق و الوسائل التي نستطيع فيها تحويل نظام مستقر الى نظام غير مستقر ، و كيفية استعادة الانظمة الغير مستقرة التي تعرضت الى متغيرات خارجية جعلتها في وضع غير مستقر الى وضع الاستقرار . و يخبرنا هذا العلم ، عن حقيقة بان جميع الانظمة الطبيعية في سعي نحو الاستقرار .

هل يمكن لذلك العلم وصف انظمة اخرى غير فيزيائية؟

اعتقد ان هذا العلم يستخدم اليوم في جوانب كثيرة ، فهو  يستطيع تفسير و شرح ظواهر كثيرة من حولنا ، و لا تخلو أي منظومة كانت من تطبيقات ذلك العلم ، بما فيها الانظمة الاجتماعية ، الاقتصادية ، البيلوجية، البيئية و السلوكية. بل يستخدم في هندسة المجتمعات و الشعوب و في صناعة الفوضى . 

و هنا الخطورة عند اللعب بالبنى الثقافية و الاجتماعية ، لانها ستؤدي الى كوارث و فوضى كبيرة، فحالة التوازن التي وصلت اليها المجتمعات هي بسبب تلك البنى الثقافية والاجتماعية، و نقصد بذلك التوازن، العلاقة بين الانسان مع محيطه الاجتماعي و الطبيعي ( الانسان و البيئة) .

قصة الهوتو و التوتسي

الهوتو و التوتسي قبيلتان تتواجدان في شرق افريقيا ، تحديدا في رواندا و بروندي و اوغندا و الكنغو. يمثل الهوتو نسبة 80 % من سكان رواندا ، و يمثل التوتسي نسبة 20%. و بين القبيلتان تاريخ مليء بالتنافس و الصراع.

ما اسباب ذلك الصراع بينهما ؟

الحقيقة ان المستعمر  هو سبب الصراع بين القبيلتين، بل ان الحقيقة الاكثر غرابة ، ان  تلك القبيلتين من صناعة المستعمر . 

نعم هو من صنع تلك القبيلتين و صنع الصراع بينهما

كيف ؟

حين قدم المستعمر الى تلك المنطقة ، و جد مجتمع مستقر تحكمة محاكم اجتماعية تنظم الحياة ، لكنه وجد في ذلك المجتمع مجرد نظامين اجتماعيين متعايشين مع بعض ، النظام الاول رعوي يسمى التوتسي و كانوا اقلية، و الثاني نظام زراعي يسمى الهوتو و هم الاكثرية.

المستعمر كعادته الدائمة،  قام باللعب بتلك البنى الاجتماعية و الاقتصادية ، فقام بمحاباة احدهم و هم التوتسي ، و جعلهم اداة بيده لتطويع الهوتو، اعطاهم امتيازات ضخمة و مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية ، و جعلهم بطبقة رفيعة مقارنة بالهوتو.

لكن الشيء الغريب عندما قدم المستعمر الاوروبي لاول مرة الى تلك البلاد ،  لم يكن يستطيع التمييز بين الهوتو و التوتسي، فاعتمد على نظام معين في الشكل المميز للوجه و الجسم ، و استخدم ذلك النظام في اصدار بطائق للتوتسي الاقلية العدد ، و من لا يحمل تلك البطاقة فهو من الهوتو. و اصبح كل من يحمل تلك البطاقة فهو من علية القوم و له الاحقية و الامتيازات دون بقية السكان. و المضحك في القصة ان ذلك المعيار الذي قام الاستعمار باعتماده، جعل بعض الافراد من الاسرة الواحدة من التوتسي و الاخرين اصبحوا من الهوتو. و بموجب تلك البطاقة تم عملية احصاء للتوتسي في تلك المناطق، و اصبح من يحمل تلك البطاقة فهو يحضى بالمكانة الاجتماعية الاكبر،  و سلطة القوة المعتمدة على المستعمر .

المؤسف ان تلك البطاقة،  كانت الوثيقة التاكيدية التي اعتمدتها العصابات في مذابح رواند في ايجاد افراد التوتسي ، فالاسر التي تحمل تلك البطائق او ورثوا تلك البطائق من الاجداد ، فهم من التوتسي ، فاصبحت تلك البطاقة محل رعب من يحملها بعد ان كانت محل افتخار  .

لقد كان المستعمر هو السبب الحقيقي وراء صناعة هذا الصراع ، نعم الاستعمار كان اهم سبب  لتلك الكارثة البشعة ، هو من لعب بالتراكيب الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية ، و هو من خلق و اسس للتمييز و التصنيفات في المجتمع و قام بتنميتها و تغذيتها و تضخيمها.
لقد دخل المستعمر و وجد مجتمع متوازن ، ثم خرج المستعمر بعد ان رفع معامل الفوضى و اللاانتظام في المجتمع المنتظم الذي دخله ، و خرج المستعمر من البلد و هو غير متزن،  و من الطبيعي ان يحدث بين الفئتين صراع ،  خصوصا و ان تلك المنطقة تعتبر من اعلى معدلات الخصوبة في العالم ، و الاراضي محصورة بايدي فئة قليلة من المجتمع ، مقابل فئة اخرى تتميز بمعدل مرتفع في المواليد ، و لا تملك اراضي كافية يعطي غذاء لتلك الزيادة في المواليد، و هذا يشرح ذلك المبدأ الطبيعي بان أي نظام يرتفع فيه حالة اللاستقرار ، فانه يسعى الى الاستقرار ، او بمعنى اخر يسعى الى علاج ذلك الوضع بالاستقرار، لكن المعالجة كانت بشعة.

اما في عام 1994 ......... فكان المستعمر ايضا وراءها ، فقد كانت فرنسا و الفاتيكان السبب الاول وراء انفجار الصراع و بلوغة الى اوج وحشيته.

ففرنسا كانت تعرف جيدا طبيعة ذلك الصراع الذي خلقة المستعمر في الماضي ، و هي من كانت وراء حوادث القتل التي كانت تقع للروساء، عبر مخابراتها لتفجير الوضع هناك. و كانت المليشيات المسلحة تتلقى دعم من قوات فرنسية .

و مازالت رواندا تتهم فرنسا بانها كانت داعم رئيسي لتلك المجازر، و تتهم فرنسا بالتستر على بعض قيادات تلك المليشيات . و هذا هو السبب وراء تخلي رواندا عن فرنسا، و دخولها الى منظمة الكومنويلث و هي التي لم تكن يوما مستعمرة بريطانية .

و كذلك الفاتيكان كان له دور في تلك المجازر

فمعظم سكان رواندا يعتنقون المسيحية، 48 % كاثوليك و 49% بروتستانت، و كانت معظم الكنائس لها دور اعلامي كبير في تاجيج مشاعر الكراهية و القتل والذبح قبل انفجار الوضع و بعد انفجار الوضع ، و شارك بعض القساوسة في القتل و بعضهم قاموا باخفاء مجرمين و قتله .

و قد اعتذر الفاتيكان قبل سنتين تقريبا عن دور الكنيسة في مجازر رواندا. ( اعتذر و ينتهي كل شيء )

صمت العالم 4 اشهر على تلك المجازر

لكن تلك الوحشية و الكراهية العامة التي غطت رواندا 4 شهور، لم يمنع من حدوث قصص شاذة فيها ، و التي استقطبت مراكز الابحاث الغربية لدراستها، و طرحت تساؤالات كثيرة  بحثا عن جواب حول اسباب حدوثها ، عندما قام المسلمين من قبيلة الهوتو ، بايواء العديد من افراد التوتسي و قاموا بحمياتهم من عصابات القتل، فهم الوحيدون الذين لم يقعوا ضحايا الكراهية الذي صنعها المستعمر، و هذا الشيء جعل نسبة الاسلام في رواندا تزيد من 1.5% لتصبح 14% ......  فبعد عام 1994 توجه الكثير من الرواندين الى الاسلام .

.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق