الاثنين، 31 ديسمبر 2018

هل كانت التوراة موجودة قبل موسى؟

لماذا اطرح هذا السؤال ؟ 

هذا السؤال هو من بين عدة اسئلة اخرى تناقش موضوعات مهمة، و اجد من الضروري طرحها و نقاشها للخروج باجوبة منطقية و مقنعة و مؤكدة. صحيح ان الموضوع يدخل بالدرجة الاولى ضمن هدف تدبر و تدارس القران الكريم و فهم صحيح لخطاب القران الكريم. 


 لكن في نفس الوقت نحن نطرح هذا الموضوع لاننا في الوقت الحالي نواجه مشروع صهيوني قديم، و قد عاد قبل سبعة عقود تقريبا، و هو يحمل معه كتاب ديني(العهد القديم) كوثيقة شرعية يدعي بها ان له ميراث قديم في منطقتنا، و هذا المشروع قد استبق هذه اللحظة بمشروع فكري و اعلامي منذ قرون و حتى اليوم،لصناعة وعي جمعي صهيوني في المنطقة، يكون راضخ لهذا المشروع و مقتنع بالقصة .


 لقد استطاع هذا المشروع اختراق العقول عبر مدخل هام جدا و خطير و هو الدين و الايمان،فكما يعرف الجميع فمعظم المنطقة مسلمين و لديهم كتاب ديني يحمل نصوص متشابهة مع نصوص كتاب العهد القديم الذي قدم به الغرب لمنطقتنا .......... و هذا الاختراق استطاع ان يجعل الكثير من المسلمين يقعون في الفخ و اصبحوا يحملون وعي ديني و تاريخي صهيوني و هم لا يشعرون. و هذا الاختراق يفرض علينا مقاومته، و يجعلنا نطرح سؤال اخر و هو ، كيف يمكن لنا مواجهة هذا المشروع، و حتى اليوم لا يعرف احد ما هو التوراة و العهد القديم و الفرق بينهما ؟ 


هذه هي الاسباب التي جعلتنا ان نطرح اسئلة الموضوع 


ما الفرق بين التوراة و العهد القديم؟



 جواب هذه السؤال يحتاج الى دخولنا الى التاريخ و عرض الادلة و الخ، و نقاش طويل جدا، و قد يحتاج الى صفحات، و طبعا هذا الشيء مطلوب و ضروري فعلا ، لكننا سنؤجله الى موضوع اخر تاريخي، لاننا سنناقش هذا الموضوع من جهة خاصة بفئة من الناس و هم المسلمين، و من جانب ديني فقط، من القران ، اي اننل الان سنتدبر القران الكريم و نتدارسه فقط ، فالموضوع الان يناقش مسلمين يؤمنون بالقران الكريم بانه نص صحيح و لا يوجد فيه اي شبهة باطل.

 


دعونا الان نناقش الموضوع 


هل التوراة انزلت على موسى فقط؟ 

هل كانت التوراة موجودة قبل موسى؟ 


هذه الاسئلة اجابتها سهلة في وعي المسلم اليوم، و هذا الوعي هو نتاج كتب التراث التي ادخلت لعقل المسلم ، و التي ظهرت دفعة واحدة في فترة زمنية معينة ، و هي التي اصلت هذا الوعي لهذه الفكرة الراسخة، و زاد الخطاب الديني اليوم و الذي يملك شبكة اعلامية ضخمة، في تاصيل و تكريس وعي صهيوني و وعي خاطىء غير وعي القران الكريم . 


طبعا ...... الجواب المباشر على الأسئلة السابقة هي ان التوراة انزلت على موسى ، و لم يكن هناك توراة قبله.


 لكن لو طرحنا سؤال مرتبط : من اين جاءت هذه الفكرة ؟ 


1- اعتقد ان الاساس الاول في هذه الفكرة ، جاء من السيرة النبوية التي جعلت نزول القران اثناء تواجد اليهود في مدينة الرسول من يهود قينقاع و خيبر و الخ، و هذا يعني بان القران جاء بعد كتاب اليهود الموجودين في المدينة، و هو التوراة الذي انزلت على موسى، ايضا قصة في السيرة النبوية، تتحدث حول يهودي اسلم و احضر اليهود ليسلموا و اكد بان اسم النبي محمد موجود في كتاب يهود المدينة لكنهم اخفوة ..... و هذه القصة جعلت الرسول يؤيد كتاب اليهود بس مخفي منه اسم النبي فقط . و انعكست القصة على وعي المسلم اليوم .   


هذه هي المعلومة الاساسية التي كونت تلك الفكرة عند المسلم ، و جعلتها عقيدة . فالمسلم يؤمن تمام الايمان بان مالدى اليهود اليوم هو التوراة، بس محرف و مخفي منه اشياء فقط ... لكن بشكل عام هو توراة موسى . 


2- ايضا هناك اسباب النزول و قصص في السيرة و التي حاولت تفسير الايات التي تتحدث حول موسى و التوراة ، و بانها كانت تتحدث حول حوادث جرت في زمن الرسول مع اليهود و نزلت ايات القران لتؤكدها . 


3- و هناك كتب التراث و التي ورد فيها قصص الانبياء ، و التي زادت في تاصيل تلك الفكرة في الوعي . 


لن نناقش هذه الجوانب المرتبطة بالموضوع، ستكون في مقال اخر منفصل . 


لكن انا اطرح اسئلة هامة على المسلمين : 


لماذا ذكر التوراة و قصة موسى بذلك الشكل في القران، مجرد اشارات صغيرة و غير مفصلة و بتلك اللغة ، ماذا كان المانع من تفصيل القصة كما في كتب التراث و قصص الانبياء، و ما هو المانع من شرح ماهو التوراة و عرض ايات و نصوص من التوراة ؟

 بل ماهو الداعي من الحديث حول التوراة و قصة موسى و قصته معروفه لدى الجميع و عند اليهود، فهل هي مباراة و مسابقة في من يسرد القصة الاجمل و الاحسن ؟ 


اسئلتي لمن يؤمن بالقران الكريم و بانه نص صحيح جدا . 


مادام القران الكريم هو النص الاول و الاساسي و الصحيح و الالهي الذي نزل للمسلم، فالمفروض بان اي نص اخر غير هذا النص قد جاء و ظهر بعد هذا النص القراني .. بمعنى اخر ، القران هو النص الاول و السابق، و غير هذا النص فهو لا يعبر عن الحقيقة، لان القران صاحب النص الاصلي . 


لذلك فمن المفروض على المسلم جعل القران هو مرجعه الاول لفهم قصة موسى و فهم معنى التوراة، و غير ذلك فهو ليس صحيح بل تزوير و تحريف مهما اعجبتك . 


الان دعونا نذهب الى القران و نقوم ببحث و نتدبر آياته


■ {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} 


لو بحثنا في جميع ايات القران، سنجد فيها مدح كبير و نظرة إيجابية نحو التوراة ، و لا يوجد نحوه اي ذم او قدح، بل تجعل منه نور و هداية للناس .... بل تجعل منه مصدر الحكم الاول ... بينما الواقع مختلف ... فالمسلم ينظر الى كتاب اليهود بانه كتاب محرف. 


الاية واضحة ............ القران يقول نزلنا التوراة بشكل عام و ليس بشكل خاص ، و بانه كتاب هداية و نور ، بل يجعل من التوراة كتاب تحكيم لكل الانبياء. 


 الاية واضحة .... تتحدث عن قاعدة عامة في كل مكان و زمان، اي ليست كما زورت كتب التراث و كتب التفاسير الوعي عندما جعلت هذه الاية لها مناسبة خاصة و زمن معين و مكان معين ..... الاية قاعدة عامة ..... انا نزلنا التوراة ليحكم بها النبيين ( و ليس نبي معين كمحمد ). 


الاية توضح لنا بان الله انزل التوراة بشكل عام... يعني لم ينزلها الله على اي شخص مخصص، اي انزلها لتكون مرجع حتى يحكم بها النبيين، و هذا يعني ان هناك انبياء كثيرون، و كان التوراة مصدر تحكيم لهم، و لم ينزل التوراة على موسى . 


الاية توضح لنا ... بان التوراة انزل منذ البداية و هو هدى و نور ، و انزل منذ البداية ليكون مصدر تحكيم للانبياء، و انزل و هناك مسلمون، هذا يعني بان التوراة وجدت لاجل ان يحكم بها النبيين ، بين الذين اسلموا في المقدمة ، للذين اصبحوا يهود و الاحبار و الرهبان في النهاية. 


■ {ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون} 


لو فتشت في جميع ايات القران، سنجد بانه و لا اية واحدة تقول انا نزلنا الكتاب على موسى ، بل دائما اللفظة المقترنة مع موسى( اتينا موسى الكتاب ) ، حتى مع عيسى ( اتينا عيسى الانجيل ) 


لماذا التشديد و الحرص الدائم في القران على ان تكون كلمة اتينا و ليست كلمة نزلنا . هذا يعني ان هناك فرق بين كلمتي (نزلنا و اتينا). 


كلمة نزلنا .... متعلقة بشيء من البداية ، اي ببداية وجود او ظهور الشيء .


كلمة اتينا .... متعلقة بشيء موجود مسبقا، اي ان شخص تحصل علي شيء موجود مسبقا . 


لاحظ الى الاية ............ الله اتى موسى الكتاب و ليس التوراة. 

فدائما موسى في ايات القران ( يؤتى الكتاب) و ( لا يؤتى التوراة)، و هناك فرق بين التوراة و الكتاب .


 لانه لو يكن هناك فرق لذكر في القران لفظة (كتاب التوراة)، او كان بدل كلمة الكتاب كلمة التوراة ، خصوصا و ان ايات اخرى في القران تجمع الكتاب و التوراة و الانجيل في جملة واحدة . 


■ {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} 


لاحظ الى الاية .... كيف تذكر في تعليم عيسى اربع اشياء ، الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل . 


هذا يعني بان التوراة شيء و الكتاب شيء اخر مختلف . 


لاحظ ايضا .... لم تقل الاية نزلنا و لا اتينا ، بل يعلمه. 


هل الله ينزل كتاب لنبي، ثم يعلمه كيف يكون هذا الكتاب ؟ 


كلمة يعلمه ... تعني ان هناك شيء موجود مسبقا ، او معلوم مسبقا لكنه بعيد عن الناس، و هناك شخص سيعلم هذا الشيء الموجود مسبقا. 


لاحظ ... اقتران العلم بين التوراة و الانجيل ، و هذا يعني بان ما ينطبق على الانجيل الذي علمه الله عيسى ينطبق على حالة التوراة ايضا ، و يحتاج الى علم حتى يحصل عليه الشخص، اي حتى يصبح ممن اتاه الله الكتاب و التوراة و الانجيل ( اي حتى يؤتى لهذا الشخص التوراة او الانجيل) 


 


طبعا ..... هناك ايات اخرى كثيرة تحتاج الى تدبر، و سيكون نقاشها في موضوعات اخرى اثنلء رحلتنا مع القران الكريم، لكني فضلت هذه الايات لانها تفي بهذا الموضوع و تعطينا صورة واضحة لنتائج : 


● التوراة لم ينزل على احد مخصص حسب القران ، بل جعله الله منذ البداية ليكون كمرجعية 


● كل النبيين كان معهم التوراة، و موسى لو اتاه الله التوراة ، فهو حالة عادية جدا من بين جميع النبيين. 


● التوراة خاص بالمسلمين و فيه هدى و نور و مرجعهم .   


● التوراة لم تنزل على موسى 


● الكتاب لم ينزل على موسى ، بل اتاه الله الكتاب ، اي علم موسى الكتاب حتى حصل عليه ( اتاه الكتاب). . 


● التوراة ليس كتاب لتشريع او لتاسيس دين جديد، بل مرجع تحكيم . 


اخيرا 


اذا ....كيف يحل المسلم الان هذا التناقض في كون التوراة كتاب المسلمين و مرجعيتهم و عدم ايمانه بكتاب اليهود ، هل كتاب اليهود اليوم هو كتاب المسلم الذي فيه هدى و نور و مرجعه كما امر الله بذلك في القران ؟ 


لا ...... ما هو موجود اليوم لدى اليهود ليس التوراة اطلاقا، لا من قريب و لا من بعيد، و لا يوجد حرف واحد فيه مرتبط بينه و بين التوراة الحقيقية . الموجود لدى اليهود اليوم ... اسمه كتاب العهد القديم و ليس التوراة ..... و المفروض بان المسلم يلتزم بهذا الاسم عند ذكر كتاب اليهود ..... اسمه العهد القديم .


لماذا حدث خلط عند المسلم ؟ 


التراث هو اهم الاسباب، لان معظم التراث خرج مرة واحدة في زمن معيت، و تم وضعه لاجل صناعة هذا الوعي تحديدا. 


 فالعهد القديم هو الكتاب الذي اخرجته روما عندما دخلت المنطقة و حصلت اثناء دخولها على النسخة الاصلية و الحقيقية من التوراة، فاستدعت 70 رجل لترجمة التوراة المكتوب بلسان عربي مبين، و انتهت المهمة باخراج كتاب بلسان عبري ( صنعوا للكتاب الجديد لغة جديدة) و لا علاقة له بالحقيقة لا من قريب و لا من بعيد ... كتاب مصطنع صناعة لاجل صناعة عالم قديم وهمي مزيف لا يمت للحقيقة باي صله، مشروع امبراطورية كبيرة لتزوير الوعي و المنطقة و العالم كله . 


{وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}


اعد قراءة الاية، حتى تصل الى كلمة (لتحسبوه ) و رددها عدة مرات، لتحسبوه .... لتحسبوه ... لتحسبوه .... الستم اليوم تحسبوا كتاب العهد القديم بانه كتاب التوراة و بانه كتاب سماوي من عند الله. 


ماهو من الكتاب و ماهو من عند الله ... بل من عند روما  

.

.

.

هناك تعليق واحد: