الاثنين، 21 يناير 2019

القران الكريم نقل الينا من خط مقطع

كنت  في جلسة نقاش تاريخية مع باحثين في التاريخ ، و كنا في نقاش حول التاريخ القديم ، فطرحت سؤال على الجميع، سؤال كان يشغلني دائما : لما لانجد في نقوش اليمن القديمة نقوش تتحدث عن عادات القدماء و حياتهم اليومية ، حتى نستطيع تخيل الماضي ، فجل الاثار تتحدث الدين و معارك قبلية و نقوش انتصارات للملوك ؟ ، تعددت الاجابات على سؤالي منها ان اليمن لم تصل الى حالة من المركزية و كانت حروب قبلية لتكوين كيان سياسي واحد، و بعضها طبيعة جغرافيا اليمن التي اهتمت بالعمران .

الحقيقة ، لم اقتنع بتلك الاجابات، لان الحالة ليست حكرا على اليمن ، فعندما نطالع في نقوش الحضارات البشرية بشكل عام و في المنطقة بشكل خاص، نلاحظ ان معظمها نصوص دينية تعبدية و انتصارات ملوك مع قبائل و جل الاثار الباقية هي معابد قديمة و لا نجد اثار لقصور ضخمة لملوك جلها معابد ، و هذه الملاحظة تجعلنا نطرح سؤال منطقي اين كان الانسان ، لماذا كان الانسان مختفي ؟!.

اعتقد بان النص الديني كان البداية ، و كان هو اقوى سلطة معرفية في رحلة الانسان التاريخية ، وحركة الانسان و اعمالة كانا تخضع لقوانين و تصورات النص الديني .

و بالاعتماد على تلك الملاحظة نستطيع ان نفهم نتاج الحضارة و اعمالها ، و عن تاريخ قديم يغلب معظم نصوصه التي وصلت لنا تصورات الدينية للانسان ، فاننا نعتقد ان الدين سيساعدنا في فهم حركة  التاريخ القديم و قيام الحضارات التي نشات و طبيعة النصوص القديمة للحضارات.  و حل قضايا تاريخية مرتبطة بالدين ا، و هناك رواية العهد القديم الصهيونية حول فلسطين التي خلقها الغرب الاستعماري ، و هناك تاريخ بدايات الاسلام و تفسير اسباب انتشار الاسلام بوقت زمني بسيط و على مساحة جغرافية كبيرة بصورة مدهشة حيرت الباحثين و المفكرين و المؤرخين و لا تجد لهذا الامر تفسير موضوعي مقنع .

هل نصوص القران و العهد القديم هبطت فجاءة ؟

حين نقول بانه لا يوجد دين يأتي من فراغ، و لا يوجد دين يظهر فجاءة بدون وجود سياق قديم، فنحن نقول كلام علمي و منطقي،  و  يجد الكثير صعوبة في استيعاب هذه الشيء،فمثلا البعض ينظر للدين على انه حادثة مفاجئة تهبط ليعتنقه الناس، بينما الدين وعي علوي له سياق قديم متصل و متتابع غير منفصل ، و هذا الشيء ايضا لا يستوعبه الكثير من اللادينين و الليبرالين و  الباحثين في مقارنة الاديان و الذين يرددون بشكل مستمر لعبارة ان دين سرق من دين اخر، و كان الموضوع حقوق طبع و براءة اختراع. 

     
لماذا لا نستطيع استبعاد النص الديني في فهم التاريخ ؟

عند الحديث عن القراءة  العلمية للتاريخ بالرجوع الى نصوص الدين  سنصبح امام فريقين:

الفريق الاولى من يضع النص الديني كمرجعية اولية في تحليله و تفكيرة و فهمه للتاريخ، و الفريق الثاني من يرفض النص الديني و يرى بان الاعتماد على النص الديني كاحد ادوات البحث يفقد البحث خاصيتة العلمية و يحوله الى رحله خيالية بعيدة عن الحقيقة .

منهجنا يجعلنا في مكان بين الحالتين السابقتين ، و لم نختر نحن  ذلك المكان ، بل ان معايير منهجنا هي من وضعتنا هناك.

و نحن في ذلك المكان ليس من منطلق معتقد ديني ، و لكن لاننا لا نستطيع ان نستبعد النص الديني  بعد فهمه جيدا و ازالة ما تراكم عليه من الزمن لنحصل في الاخير على صورة قريبة للحقيقة، معتمدين عليها كقرينة تمنحنا ومضات ضوئية في فهم التاريخ ، و هذه الومضات من نتائجها الغير مباشرة انها قد تساعد الفريق الاول في فهم الفريق الثاني، و قد تجعل اصحاب الفريق الثاني يفهمون اكثر الفريق الاول.

لماذا

كما قلنا سابقا فان الدين كان هو المحرك الاقوى للانسان ، و النص الديني  يمثل اعلى وعي ،  بمثابة الفضاء التي كانت تتحرك بها المجتمعات ،  و لذلك فالنص الديني عبارة عن ذاكرة للوعي و للفكر و وعي قديم يتم توراثه، لكن الميزة في النص الديني و الذي يجعلنا لا نستبعده في فهم التاريخ،  انه يحمل سلطة فوقية قوية جدا تلزم المؤمن  بحفظة و نقله و توريثه . لكن الاعتقاد بان  النص الديني يتناول تاريخ غير صحيح .

النص الديني يعطينا حقيقة صافية للوعي قديما ، و هذا الحقيقة تساعدنا في مهمة قراءة التاريخ .

لكن هذا النتيجة ستصطدم بسؤال منطقي جدا :

اذا كان كان هناك سلطة علوية تلزم الانسان الاحتفاظ و توراث النص الديني، ف لماذا لم يحتفظ الانسان في المنطقة بالنصوص الدينية الاولى المكتشفة في العراق و مصر و سوريا اليمن ؟

سنترك اجابة هذا السؤال الهام لمقال اخر ، لكن لو افترضنا باننا وجدنا جواب منطقي للسؤال السابق .... فهذا سيقودنا الى السؤال اخر :

الى اي مستوى يمكن لنا الاعتماد على النص الديني في قراءة التاريخ ؟!

عند الحديث عن النص الديني،  فنحن نميز ثلاثة انواع من النصوص في منهجنا :

1- النوع الاول هو النص الديني الاساسي  مثل  القران و العهد القديم و العهد الجديد  .

2-  النوع الثاني النص الديني التفسيري و هو النص الذي يفسر النص الاول و يحمل داخله ذاكرة فكرية عقائدية في فهم النص الاساسي و اسمي هذه بالوعي الزمني للنص و يكون هذا النوع على لسان رموز دينية في مرتبة دينية ثانية .

3-  و النوع الثالث هو نصوص الدين التي تاتي على لسان رموز دينية بدون الاعتماد على النص الأساسي.

النص الديني الاساسي المقدس

عند الحديث عن النص الديني الاساسي فنعني النص الاكثر صحة و قداسة ، و حين نقول الاكثر صحة فنحن نقصد جانبين اثنين ، الجانب الاول هو اعتقاد المؤمنين به بانه النص الاول الصحيح ، و  الجانب الثاني الصحة في عملية الحفاظ عليه و توريثه جيل بعد جيل .

لكن من اين يحصل النص الديني على سلطته؟

النص الديني لا يمكن ان ياتي من فراغ و لابد من وجود استعداد قديم لقبول مثل هذا النظام اللغوي للنصوص المقدسة ، و لابد من وجود سلطة مطلقة فوقية داخل المنظومة الثقافية تستلزم الحفاظ على النص و العناية الفائقة بنقله و حفظه، و هذا يجعلنا نفترض ان الكتب الدينية المقدسة نصوص قديمة تم الحفاظ عليها.

لكن هناك ظاهرة غريبة و شاذة في المنطقة و غير منطقية ، و هي وجود نصين دينين من النوع الاول( اي اساسين ) و بلغتين مختلفتين و باسلوبين مختلفين .....القران و العهد القديم.

غير منطقي ابدا، و غير طبيعي ابدا .... لابد ان يكون هناك نص واحد اساسي.

الحقيقة اننا لا نستطيع فصل الموضوع ... لكن لو جعلنا القران و العهد القديم في سلة واحدة و قمنا بمقارنه بينهما، فاننا سنضع نصوص القران بالاكثر صحة من العهد القديم، و  هذا الحكم ليس من منطلق اعتقادي،  فنحن لا نقصد بالصحة صحة العقيدة ،  بل الاكثر دقة و عناية ، لان هناك اسباب موضوعيه تجعلنا نعتقد ذلك، و من اهم الاسباب ان الجميع متفقون ، بان كتاب العهد القديم الذي بين ايدينا قد وضع وجمع لأول مرة باللغة اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد  ودعيت وقتها بالترجمة السبعينية وعن اليونانية نقلت الى العبرية ومنها الى بقية لغات العالم ثم اضيف عليها بعد ذلك العهد عدة أسفار في مراحل تاريخية متفاوتة. و عند الترجمة من اليونانية الى العبرية و السريانية و من العبرية و السريانية الى اللغات الاخرى فمن الطبيعي ان تحدث عمليات تحريف للمعاني و مسميات الجغرافيا،  و مايزال العهد القديم يخضع حتى اليوم الى عمليات تحريف من طبعة الى اخرى. و هذا الامر يجب وضعه في الاعتبار.

    

اما القران فهو لم يكتب الا بلغة واحدة فقط من بداية ظهورة و استمر الى يومنا هذا ، هذا من جانب و من جانب اخر هو ان القران يتحدث حول هذه النقطة المهمة التي حدثت مع كتاب العهد القديم و يشدد عليها ، و القران نفسه يقول ان نصه هو الصحيح و غير المحرف و ليس فيها عوج،  فهو باللسان الذي يفهمه الناس و ليست بلغة اعجمية ، و لان القران يذكرها فنحن نفترض ان القران يملك معالجة مختلفة و جذرية . 

لكن من اهم الاسباب التي تجعلنا نضع نصوص القران في البداية
و بكونه النص الديني الاساسي ، هو وجود ظاهرة فريدة عند المسلمين، و هي ظاهرة حفظ المسلمين للقران كاملا غيبا و الغير موجودة عند بقية الاديان، و هذه الظاهرة تجعلنا نعتقد باننا امام ثقافة لديها عناية فائقة في حفظ كتابها المقدس. و هذه الثقافة لا تبدو لنا بانها ثقافة جديدة، بل تبدو لنا بانها ثقافة متجذرة و راسخة و قديمة جدا، لديها قيم دينية تحفظ النص المقدس حرفيا لكونه اعلى نص مقدس. 

و هذه الملاحظات تجعلنا نعتقد بان القران نص قديم جدا .

في مقال سابق تحدثنا حول القراءات السبع للقران، و هذا الموضوع يجد الكثير من المسلمين صعوبة في فهمه و البعض يستغل هذا المدخل في التشكيك بالقران .

نحن تحدثنا في هذا الموضوع للاطلاع فقط ،  لاننا اصلا لا نؤمن بهذا التراث المكتوب، لان المسلم وصل له مصحف كامل كما هو اليوم فقط . هذا واقع موجود و ثابت و راسخ لدى ثقافة تتعامل مع نص ديني مقدس ، و اما ماهو موجود في التراث فهو كلام بشر يحاول فرض سلطته على سلطة النص الديني . مستغلا وجود قرائتين حاليا للقران و متداولة . ليكون مدخل التشكيك باعلى سلطة مطلقة دينية موجودة داخل ثقافة .

لذلك عندما تناولنا هذا الموضوع لتبيان موضوع موجود في التراث فقط ، من باب الاطلاع عليه.

لكن ماذا عن القرائتين الموجودتين حاليا للقران ؟

ما هو موجود حاليا ..... اثنتين

القراءة التي يطلق عليها قراءة حفص عن عاصم و القراءة التي يطلق عليها قراءة ورش عن نافع .

ما معنى القراءات ؟

القراءة لغة مصدر مفرد وجمعها قراءات، وقرأ الكتاب قراءة قُرءانا (بالضم) وقرأ الشيء قرآنا (بالضم) أيضا جمعه وضمه، ومنه سمي القرآن لأنه يجمع السور ويضمها، وقوله تعالى { إن علينا جمعه وقراءنه } أي قراءته .

هذا هو المعنى صحيح جدا لكلمة قراءة و لكلمة قران ، القراءة هي القران ، و  القران سمي قران لانه المصدر للفعل  قرأ .

و نحن  نعتقد بان المصدر الاول للفعل قرا هو قران، لكن كلمة قران جعلت توقيفية على مسمى كتاب واحد و هو الكتاب المقدس الديني، و تم اشتقاق مصدر اخر للفعل قرأ بكلمة قراءة و اطلاقها على قراءة اي كتاب اخر دون الكتاب الديني ، من اجل التمييز بين كلمة قران و بين كلمة قراءة .

و هذا الاعتقاد سيقودنا الى سؤال منطقي   : اذا كان القران هو القراءة ، فمن اين القراءة ستتم ؟ ، هل كان هناك كتاب مقدس و قراءة هذا الكتاب تسمى قران ؟

نعم هذا هو المعنى باختصار لمفهوم القراءات، و لان الموجود حاليا هو قرائتين، فهي قرائتين للكتاب .

  لماذا لا توجد قراءة واحدة ؟

الحقيقة هي قراءة واحدة

هل هناك فرق جوهري بين القرائتين الحاليتين للقران ؟

لا

قديما .. كان هناك اشخاص قلة من يستطيعون القراءة، لان القران مقروء خط قديم، اقدم من الخط الحالي اليوم.  القران نقل من خط لم يكن فيه بعد حرف ( ت ) يشبه حرف ( ث او ب )، بل من خط فيه حرف ( ت ) مرسوم بشكل مختلف تماما عن حرف ( ب و ث )

لماذا ؟

لان نظام الكتابة القديمة في المنطقة كان قائم على قاعدتين
1-  لم تكن تكتب الحروف المتحركة ( ا و ي ) .
2-  جميع النصوص القديمة  تكتب من اليمين الى اليسار.

و اصحاب الكتابة الاصل هم الاكثر دراية و معرفة بالطريقة الصحيحة للقراءة.

نحن اليوم ...لدينا  قراءتين فقط، و هما الاصل ،  و هو الواقع الحالي ، و كل القراءات الاخرى الموجودة في كتب التراث لا معنى لها اطلاقا. و لو طالعنا الاختلافات في القرائتين المتداولة حاليا  ( قراءة حفص و قراءة ورش)، سنجد بان مجموعها قليل و لا يتعدى 30 موضع ، و طبيعة الاختلافات هو الحروف الصوتية ( ا و ي ) فقط.

امثلة من الاختلافات بين القرائتين

ملك = مالك ( حرف الالف )
احسان = حسنا ( حرف الالف)

لماذا نجزم بشكل قاطع بان القران نقل من مصحف مكتوب بخط مقطع ؟

لو كان القران قد نقل من مصحاف مكتوبة بمثل خط اليوم او  بالخط قبل التنقيط، لما حدث اختلاف في قراءة كلمة ( ملك)

فكلم( ملك) مختلفة في كتابتها عن كلمة (مالك) و لن يحدث فيها اي اختلاف كما حدث في هاتين القراءتين . و لذلك، فان المصحف الاول الذي قرا منه القراء كانت كلمة ( ملك) مكتوبة بالطريقة :

( م ل ك )

هذه الملاحظة توكد لنا بشكل قاطع،  بان القران لم ينقل الينا كما حدثتنا كتب التراث الوهمية ، عن شخص بعد موت النبي داخل غرفة يجمع القران و يرتبه و يخرج للناس بمصحف، بل وصل الينا من نسخة اصلية مكتوبة بخط قديم جدا، و لم يكن مكتوب بمثل الخط الحالي اليوم ابدا ابدا ، و لا حتى بالخط قبل التنقيط ، بل بخط مختلف تماما ، و لا يوجد فيه الحروف المتحركة ... لانه لو كان مثل خط اليوم ، لما كان اختلاف القراءات يحدث دائما و تحديدا في الحروف المتحركة ( ا و ي ) .

وجود ثقافة عندها عناية فائقة جدا عند التعامل مع نص ديني حتى على مستوى الحرف الواحد، تدل على اننا امام ثقافة راسخة و قديمة جدا قدست الكتابة و النص و الحرف بشكل عميق و فوق المعتاد ، ثقافة حريصة جدا على منطوق النص الديني بدون زيادة او نقصان ، و هذا الحرص دليل على ان وراء النص زمن قديم جدا و سحيق .

و لذلك فنحن نعتقد بشكل جازم بان الخط الحالي الذي نكتب به، هو مرحلة حديثة و  متطورة في الكتابة ... خط حديث و  ليس قديم ابدا، و اول ظهور لهذا الخط في التاريخ تم بعدما تم نقل القران من مصاحف قديمة مكتوبة بخط قديم مقطع الى مصاحف ورقية بخط مترابط حديث ...... اي ان القران برسمه الحالي هو الذي جعلنا نعتمد هذا الخط الجديد .

تبقى النقطة الاهم التي لا ينتبها لها المسلمين و هم يقراون القران، و لا ينتبهون الى انهم يقراون اوئل بعض السور بحروف مقطعة . و اعتقد بانه كان من الاولى على اول من رسم خط القران ان يكتب الحروف المقطعة في القران بالشكل :

الم = ا ل م
حم = ح م

طبعا الاهمية ، حتى يستوعب القارى بانه يقرا حروف الكتاب الاصل، و ليست كلمات ناقصة في القران لان الخروف اكلها كما يعتقد بعض الحمقى. و بكون القران نقل من مصاحف قديمة بخط  حروفه مقطعة ، و ليس بمثل الخط الحالي. هذا الوعي مهم جدا حتى يفهم المسلم سياق نصه الديني المقدس .

قد يبدو الموضوع مقنع و منطقي بنسبة كبيرة،  و لكن مازال هناك من يحتاج يقين .

بالنسبة لي حتى الان يقين مطلق، لكن لاباس من اعطاء دليل اخر .

انظر الى القطعة الاثرية في منتصف الصورة ، هذه القطعة عثر عليه صديق قبل فترة من الزمن، و هي نقش لامرأة  و تحتها خطوط مسند . هذه القطعة مكثت عندي فترة من الزمن، و كانت هي السبب الرئيسي التي قلبت تصوراتي و نظرتي للقران الكريم .

ساخبركم القصة الكاملة في مقال قادم
.
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق