الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

1- تفكيك الزمن الصهيوني - طبيعة الرحلة

" الغاز في الغاز في طلاسم..مللت من كل هذا "

لم اتمالك نفسي من الضحك و انا اقرا هذه الجملة لشخص كتبها تعليقا على مقال تاريخي طويل نشر في مجموعة تاريخية في احدى مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، كان المقال حول مدينة بابل و ربطها بالاهرامات مدعوم ب نصوص دينية، و تابعت ردود صاحب المقال و الذي لم يجد رد الا  : ملل لا بد منه .

ضحكت لاني شعرت بالحالة التي  وصل لها بدون نتيجة مقنعة ، و هي نفس الحالة التي تعم المنطقة كلها ...... و وجدت في تعليقه كمن يعري الحقيقة بدون تحفظ .........  و يلخص الحقيقة التي اشاهدها ماثلة امامي بجملة حادة ساخرة.
             
هل مجتمعات المنطقة تعاني من ذاكرة مشروخة؟

هذا السؤال كان يتردد داخلي و انا اقرا الموضوعات التاريخية و اراقب الحوارات التاريخية التي تجري في مواقع الانترنت و اشاهد طبيعة التعليقات و منطلقاتها في بناء الرواية التاريخية ...... و معظمها تدور في نفس الزاوية ........... و تدعي تاريخ و تنسبه لجغرافية معينة او لقوم معين بصورة حادة ، فكنت اسال عن السبب ؟ . لكن بعد مطالعة عديدة لصفحات التاريخ في المواقع التواصل الاجتماعي من اليمن الى العراق الى سوريا الى مصر الى غيرها .. ادركت انها ظاهرة عامة ...... فتلك الصفحات خرجت من بيئة و عقلية و نفسية واحدة تعم المنطقة  ........ و تزيد الطين بله . فهي تساهم في خلق وعي غير سليم و متطرف نحو التاريخ، و لا تجعل من التاريخ مادة تثقيفية و معرفية  ........ و لا تخلق قارىء يستطيع فهم السياق الديني و الثقافي و الاجتماعي و اللغوي، و لا تستطيع ان تخلق قراءات جديدة وفق منهج علمي جديد كمحاولة لاعادة قراءة التاريخ  .......... فجل الصفحات مقتصرة على ظاهرة النسخ و اللصق من مراجع غربية ... تقريبا .. معظم تلك الصفحات تخلق وعي مريض في فهم التاريخ و ذوات متضخمة متورمة مسكونة بوهم التفرد.

اهتماماتي مختلفة .. و لم افكر يوما ......... بانه سياتي اليوم الذي ابحث فيه بشكل جاد  في موضوع التاريخ ....لاني اهتمامي الاكبر مقتصر على جوانب فكرية ........ و التاريخ بالنسبة لي شيء من الماضي ...... لكن مع دخولنا في ما يسمى الربيع العربي  وجدت نفسي  في مواجهة مع مشكلة و لغز في ان معا، و انا اشاهد ما يجري في منطقتنا من فوضى في كافة المستويات و بدون وجود حلول عملية .. و من بين هذه الفوضى التي تجري  ... موجة من العبث التاريخي تعم المنطقة ...... فالتاريخ اصبح لدى الكثير ضرورة من اجل استحقاق سياسي ...... و اجد نفسي استوعب بعض  جوانبها و في نفس الوقت هناك عجز عن وقفها ...... فهناك توجه ما ببقاءها على حالتها و جعلها شعارات سياسية لدى جماعات في المنطقة من اجل استحقاقات سياسية على الارض و من الطبيعي ان  تلك الشعارات تتلقى دعم من قبل مشاريع خارجية لتكون لها كحامل سياسي تستطيع من خلالها وضع قدم لها ، مستغلة بنية العقل التاريخي لدى شعوب المنطقة ..... و العاجز عن تفكيك الكم الهائل من السرديات و النظريات التاريخية .... التي كتب معظمها المستشرقين الاوروبين و صدرت لنا .

لذلك بدات اتعامل مع موضوع التاريخ بطريقة مختلفة نوعا ما و بجدية اكبر، عرفت ذلك بعد ان وجدت نفسي انجر نحو  قراءة مقالات و كتب في التاريخ و اكتب في التاريخ في مقالات صغيرة في محاولة لوقف بعض الكتابات التاريخية المتطرفة و الغير مقنعة و المزورة و التي لا تملك ادلة مادية و منطقية ، لم اكن اتخيل بان الامر يحتاج الى مهمة تاريخية عمرها بعمر بدايات الحضارة، فتحولت تلك المتعة في قراءة التاريخ الى بحث جاد عن حلول للمشكلات في قراءة التتاريخ  ثم اصبحت في مواجهة عدة الغاز و كان علي ان اجد اجوبة  نهائية لها. 

دخولي للتاريخ بجدية ليس لان التاريخ يعنيني شخصيا، لكن لان التاريخ اصبح بنظري مشكلة و لغز  في ان معا و يحتاج الى علاج و حل ....... صحيح ان التاريخ بنظري يكمن في متعة التخيل و في فهم سياق المعرفة الاجتماعية للشعوب ،  لكن اهمية التاريخ اصبحت بنظري تكمن في جانب اخر .

فهناك ظاهرة جديدة اخرى اصبحت تتجلى بشكل واضح، ظاهرة الموجات التي جعلت من  التاريخ قاعدة اساسية قاعدة في في الحاضر ، و بدات تنمو جماعات ذات خطاب يستند على قراءة التاريخ القديم لاجل استحقاقات سياسية على الارض ، و حين تقرا تلك القراءات التاريخية لدى تلك الجماعات تجدها قراءات انتفاعية مزورة و متطرفة و غير مستقرة و غير واضحة و لا تجد لها سياق متصل واضح ، قراءات عديدة تشكل حالة من الفوضى .

هذه الحالة جعلتني اسال نفسي عن اسباب هذا

لان هذه القراءات العديدة و المتطرفة و الخاطئة للتاريخ خلقت فوضى من التصورات التاريخية في وعي الشعوب، و انتجت مخيلات جمعية متصارعة داخل كل بلد  .......و لن نخرج من هذه الفوضى التاريخية ........ الا عندما نعرف سياقنا التاريخي بشكل سليم و نعرف من نحن و كيف وصلنا الى هذه المرحلة ..... و لن يحدث اي تصالح في مخيالنا نحو تاريخنا الا بعد ان ننزل التاريخ من الفضاء الاسطوري و المزور الى الفضاء الواقعي  .... بإيقاف حركة التاريخ الاسطورية في مخيلتنا و تحويلها الى حركه طبيعية واقعية قابله للفهم .

هذه مشكلة تعاني منها مجتمعاتنا الان .... لكني لا استطيع ان انظر للامر كظاهرة ملازمة و اصيلة بالشعوب، فانا اتفهم الاسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة  و التي ادت الى ظهورها ... و التي من بين اهم اسبابها ........ دخول مشروع كيان الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة و هو يحمل معه رواية تاريخية دينية مزورة عمرها اكثر من 3000 عام ... كشرعية للتواجد في المنطقة امام العالم، و عليه فمن الطبيعي .. ان الوعي الذي يقف خلف هذا المشروع سينعكس على وعي المنطقة كلها .. كظاهرة عامه تتعامل مع التاريخ بجدية .... لانه سيكون هو الشرعية التي تدحض شرعية تواجد الكيان الاسرائيلي،  و سينعكس هذا الوعي ايضا عند قراءة التاريخ بشكل عام. 


الحقيقة حين افكر في التاريخ بشكل عام .. اجده فعلا مثل الطلاسم، رغم حبي لقراءة فترات زمنية من التاريخ ، امارس فيها هواية تخيل شكل الحياة و الوعي قديما و مقارنته بالشكل الحالي للحياة و  الوعي الحالي،  الا اني اجد صورة التاريخ بشكل عام في مخيلتي غير مرتبة و  فوضى غير منظمة و مليئة بالفجوات المظلمة ..... لم اكن من قبل انتبه لهذا الامر  الا مؤخرا بسبب موجة العبث التاريخي ، و بحثي عن رواية تنظم كافة الرويات التي اقراها من وقت الى اخر ...... فعلا وجدت التاريخ غير منظم، ويسبب لي الازعاج ...... لست انا وحدي اعتقد بان الكثير اصبح يشعر بذلك ...... و كأن التاريخ مثل حبات المسبحة المبعثرة في غرفة مظلمة و  تحتاج منا التقاطها ثم ترتيبها داخل خيط لتنتظم داخله .

كتب كثيرة في  التاريخ تجدها تحوي روايات مختلفة و مسميات جديدة لاقوام و شعوب ، و هناك مقالات في الانترنت و مواقع التواصل تملك قراءات مختلفة و تاويلات جديدة، كل يوم تجد تصور جديدحول تلك التسميات و الاقوام .... و ليس لديك تصور واضح و ثابت حولها ، و عندما تكون تصور جديد سرعان ما تجد قراءة جديدة تدحض ما لديك و هكذا.

قراءة التاريخ  .............. سوف تظل مشكلة نعاني منها اليوم و لم تفصل بعد، حتى الاحداث المعاصرة تفتقد الى التوثيق الكامل ..... فمثلا الاحداث القريبة العهد الينا نجد ان لها اكثر من رواية و كلها تناقض الاخرى . و عندما نذهب الى التاريخ الماضي نجد ان الصعوبة تزداد و الروايات تتناقض .و لو فكرنا قليلا و بحثنا عن حلول وجدنا انفسنا امام مقولة تاريخية  تقول ان التاريخ نسبي و ليس مطلق ... فتزداد صعوبة المشكلة.

سؤال منطقي ...... هل يوجد في العلوم الانسانية اجابة واحدة ثابته كما في علم الحساب ؟.

سؤال صعب و كانه يحاول ان يجعلنا نستسلم لكل تلك القراءات التاريخية حولنا، و نقتنع بتلك الفوضى كأمر طبيعي .


لكن لدي قناعة تامة ......  بان هناك في التاريخ جواب حاسم .......و هذه القناعة نابعة من رؤيتي لاصل المشكلة عند قراءة التاريخ ....لاني اعتقد ...... بانه لو استطعنا ان نفهم جذور مشكلة وعينا التاريخي ..... فاننا سنجد جواب حاسم و نهائي .

لقد اشتغلت فترة لا باس بها في الماضي ....... حول الزمن الغير معالج داخل ثقافتنا، و من خلال معرفتي لمشكلة الزمن لدينا،  فانا اعتقد بان اسباب الكثير من القراءات التاريخية الخاطئة  قد جاءت من نقاط جذرية اساسية  مرتبطة بالزمن .

نعم .... الزمن هو المشكلة .

و هذا هو اهم اسباب كتابة هذا الموضوع .... و الذي سيكون على شكل رحلة مكونة من عدة اجزاء ... في تفكيك زمن المنطقة .

و قبل البداية  .... احب ان اطلعكم على طبيعة الرحلة

رحلتنا ....... مرتبطة بالزمن  ..... و بالتفكير حول التاريخ ........ اكثر من كونها مرتبطة بكتابة التاريخ ... هذه طبيعة الرحلة ....حتى نستطيع ....  الخروج بنتائج على الواقع .... و هذه النتائج هي الادلة التي سنجدها و نكتشفها ......... نحن في رحلتنا سنقوم بمعالجة مفهوم الزمن في مخيلتنا و ثقافتنا  ... و سنقوم بربطة بالرواية التاريخية الرسمية ... و نقوم بتحليلها فقط ... و نطرح اسئلة منطقية ....و نطرح مقارنات منطقية... و نحاول خلق صور منطقية جديدة .... و نكتشف زوايا لم يكن احد يفكر بها ....حتى نصنع الارضية ...... وحتى تصبح الصورة كاملة لدينا و هذا الامر براي سيفتح الباب امامنا لرؤية الأدلة اليقينية، و التي ستحسم جدل تاريخي طويل منذ قرون طويلة ..... حاولت مؤسسات الغرب العلمية اخفاءه حتى يومنا هذا ... و الذي سنشاهده في نهاية الرحلة .

و بدون هذه الرحلة ....... سيجد الكثير صعوبة  في استيعاب الادلة .. لاننا عندما قررنا الحديث في هذا الموضوع ... عرفنا اين تكمن المشكلة ..... و  هي في مناهج التفكير الموجودة في السوق حاليا....  بشكل عام ... و مناهج التاريخ بشكل خاص ... انها الحقيقة .

دعونا نصعد طائرة الرحلة جميعا ......... حتى نستطيع كلنا و جميعا و بالاخير  ..... من انتزاع الأدلة نزعا .... من بين انياب الضبع .

---------------------------

في المقال السابق ..... تحدثنا عن الخمسة الازمنة التي مرت على المنطقة .... و هي :

1- الزمن الاول : هو من بداية اول حضارة في المنطقة و ما تلاها من حضارات حتى ظهور زمن الفينقين على مسرح  المنطقة.

2- الزمن الثاني: هو  زمن الفينقين.

3- الزمن الثالث : هو زمن فارس.

4- الزمن الرابع : و هو زمن الاديان و اقصد به الزمن التي ظهرت فيه الاديان الثلاثة، و هو من بداية رواية الديانة اليهودية 560 ق.م  .... حتى نهاية فتنة خلق القران الكريم عام 860م . 

5- الزمن الخامس : من عام 860 م تقريبا و حتى اليوم.

و في المقال القادم ....... سنتحدث بالتفصيل عن كل زمن و صورته  و مساره على خط الزمن حتى نقوم بعدها برسم مخطط جديد نسقط عليه صورة و مسار كل زمن  ..... و ستكون البداية من الزمن الثاني . 

ملاحظة : سنؤجل الحديث عن الزمن الاول الى ما بعد خروجنا من  الزمن الخامس ...... لماذا؟ ...... لاننا سنقوم بالسير فوق خط التاريخ العام للمنطقة بشكل متتابع، و اثناء السير ... لم نكن نعرف ابدا ساعتها شي عن الزمن الاول ... الا عندما دخلنا الزمن الخامس،  و تحديدا في الزمن الحديث المعاصر بعد ان قام الغرب بفك نقوشنا و اخرج لنا صورة الزمن الاول.

بمعنى اخر .... لم يكن احد في المنطقة و العالم، يعلم بوجود ذلك الزمن طوال خط التاريخ .... و لم يكن مرسم بعد ....  و هذا يفرض علينا .. المحافظة على مسار الزمن الموجود قبل ظهور الزمن الاول .... و المحافظة على المخطط ....... ثم بعد خروجنا من الزمن الخامس .... سنقوم بالحديث عن الزمن الاول حتى نستطيع رسم صورة و مسار الزمن الاول بشكل سليم .



يتبع .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق