الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

9- تفكيك الزمن الصهيوني - صورة الزمن الاول

في المقال السابق ( الجزء الاول) بدانا حديثنا عن الزمن الاول و تحديدا عن مسار الزمن الاول ، و في هذا المقال( الجزء الثاني) سنتحدث عن صورة الزمن الاول .

          ------- صورة الزمن الاول ------------

ما هي صورة الزمن الاول في مخيلتنا ..او كيف تبدو صورة الزمن الاول الذي رسمه الغرب لنا ؟

باختصار  ..... عبارة عن انفجارات بشكل مفاجىء و في لحظة واحدة.

■ مثل شخص يفتح جهاز الهاتف المحمول فجاءة .... على خبر عن عدة انفجارات مفاجئة في مدينة ما .

■ مثل شخص يصحو من النوم فجاءة ..ليجد نفسه في غرفة فيها عدة اشخاص و يتحدثون بلغات لا يفهمها و لا يعرفهم.

■ مثل شخص يمشي وحدة في طريق ضيق،و فجاءة يخرج له عدد من الأشخاص من طريق فرعي ،  و يصرخون باعلى صوتهم في وجهة : بوووووووو.

■ مثل قرد شمبانزي سكب علبة الالوان السائلة دفعة واحدة على ارضية غرفة مليئة ب لوحات رسم بيضاء .. و بعدها تم عرض اللوحات في معرض فني .

هكذا ارى الصورة .... لماذا ؟

ساركز على المثلث الجغرافي .... الهلال الخصيب - مصر - اليمن.

فجاءة صحونا ...... و هناك عدة حضارة في العراق و الشام و هناك حضارة في مصر و هناك حضارة  في اليمن .......... و متقاربات في الظهور الزمني على مسار الزمن .... لكن لا تعرف تفسير منطقي حول اسباب هذا الظهور  المفاجىء ........ فجاءة بدون اي مقدمات او سياق منطقي ............ فجاءة وجدنا الزمن الاول ممتلىء بعدة حضارات و كل حضارة معاها لغة و دين و كتابة .

ليس هذا فقط

بل عقب هذا الانفجار المفاجىء بثانية واحدة، جرت انفجارات مفاجئة داخل كل انفجار،  فالهلال الخصيب و بعد ظهورة المفاجىء .......كان هناك ظهور مفاجىء اخر داخله لعدة حضارات، السومرية و البابلية و الاكادية و الاشورية و الاوغارتية و الخ ظهور مفاجىء لعدة لغات و لعدة اديان ....الخ ، و في اليمن ايضا حدث نفس الشيء، ظهور مفاجىء جرى بعده في جزء من الثانية ظهور مفاجىء اخر لحضارات ... سبا قتبان معين اوسان .... ظهور مفاجىء لعدة اديان و عدة لغات.

اما مصر .... فوضعها مختلف .... فهي واحدة على طول خط الزمن.

الان دعونا نضع كل جزء من الصورة التي نرسمها للزمن الاول في نقاط .... حتى نقوم في الاخير بتجميعها كلها على هيئة صورة واحدة مكتملة .

● البداية هي عدة انفجارات مفاجئة في نفس الوقت .. و ساسميها الانفجار الأم  .... و في داخل كل انفجار أم حدثت عدة انفجارات اخرى سريعة و متتالية .... و ساسميها الانفجار الابن .

●  كل انفجار .... له كون خاص .

● كل انفجار سوى كان من الانفجارات الأم او الابن .... يحوي داخله لغة و دين خاصه به .

تقريبا هذه هي بداية ظهور صورة الزمن الاول، لكن هل هذه البداية صحيحة؟! ... او بمعنى اخر .... هل هذا الاجزاء الاولى من الصورة منطقية ؟ ... سندع نقاش هذا السؤال الى المقالات القادمة .

كما ذكرنا في المقال السابق بان الزمن المصري هو الزمن الذي رسم مسار الزمن الاول للمنطقة ، بحكم كون مصر هي اول مكان يرسم الغرب لها المخطط الزمني للملوك الذين حكموا مصر ، لان الزمن لا ينقسم ... فالزمن هناك هو الزمن هنا ، الزمن يعم المنطقة كلها بل العالم كله .

لكن و بالرغم من ان الزمن المصري ، هو من رسم مسار الزمن الاول للمنطقة ، الا انه وفق اكتشافات الغرب يعتبر زمن العراق و الشام هو اول انفجار حدث في المنطقة .. اول الانفجارات ....في اول جزء من الثانية

لماذا ؟

لان أول اكتشاف حدث في الهلال الخصيب ... هو الالواح الطينية التي تتحدث حول قصة الطوفان العظيم ... و لان قصة الطوفان العظيم مذكورة في العهد القديم ... و هي في المخيلة الدينية تبدو بداية الزمن،فحدث الربط بين زمن الهلال الخصيب مع بداية الزمن ......... اصبح الزمن في كتاب العهد القديم هو المرجعية الزمنية القياسية لصورة بداية الانفجار  الخاص بالهلال الخصيب.

و توقف الكون الذي احدثه الانفجار الخاص بالهلال الخصيب .. مع ظهور اليونان بقصة اكتشاف اسطوانه تتحدث عن ملك فارسي اسمه قورش و الذي قام بحروب مع اليونان ... و هو تقريبا الزمن الذي ظهرت فيه رواية اليهودية .

صحيح ان الانفجارات مفاجئة و متقاربه في الزمن ، و الفارق بينها اجزاء من الثانية .. لانه حسب عمر الحضارات ... و التي تحمل اعمار متقاربة ... لكن الزمن المصري يحمل ملامح الحداثة بشكل اكبر في مخيلتنا.

لماذا؟

1-  لان اول اكتشاف حدث في مصر لم يكن مثل الهلال الخصيب مرتبط برواية العهد القديم ... و لم يكن مرتبط ببداية الانفجار، بل مرتبط بنهاية الانفجار  ..... و هذا منح الزمن المصري صورة حديثة في المخيلة ... لان اول اكتشافات في مصر كان حجر رشيد و الذي يتحدث عن حاكم يوناني كان في مصر  .... و لان اليونان في مخيلتنا الزمنية يبدون من زمن حديث نسبيا.. فحدث الربط بين زمن مصر مع الزمن الحديث ...و في هذا الزمن يكون الكون الذي احدثه الانفجار الخاص بمصر  قد توقف . و هو تقريبا نفس الزمن الذي ظهر بعده رواية الدين اليهودي . 

2- ايضا لا تملك مخيلتنا كما في حالة زمن الهلال الخصيب صورة ثابته حول بداية الانفجار  الخاص بمصر .. اي ان بداية الانفجار الخاص بمصر  ...لا يملك مرجعية زمنية اخرى نستطيع بها رسم صورة لبداية الانفجار .... بالرغم من صغر الفارق الزمني بين الانفجارين الخاصين بالهلال الخصيب و مصر ... حتى يمكن لنا البحث حول الطوفان ليكون مرجعية قياسية نستند عليها ....الا ان الطوفان لم يذكر في تاريخ مصر .

اما في اليمن فحدث الانفجار فجاءة في نقطة في الزمن غير واضحة، و لا تملك مرجعية زمنية اخرى يمكن القياس عليها سوى كانت مرجعية زمن مصر او الهلال الخصيب او مرجعية قصة دينية ، لكن الغرب وفق المخطط الزمني الذي وضعه لملوك اليمن ، وضع بداية الانفجار تقريبا في نقطة 2000 ق.م .

اما نهاية الكون الذي احدثه الانفجار الخاص باليمن فهو مرتبط  بمرجعية زمنية اخرى تم الاستناد عليها ، و هي مرجعية زمن  رواية الاسلام و قصة سيف بن ذي يزن و الاحباش و فارس و روما ، و نقش ابرهه المكتشف و الذي يؤكد تلك المرجعية .

لنضع ما سبق في نقاط

● حدث الانفجار في مصر في نقطة من الزمن غير واضحة ، و توقف الكون الذي احدثه هذا الانفجار مع ظهور (اليونان و فارس و اليهودية ).

● حدث الانفجار الخاص بالهلال الخصيب في نقطة زمن الطوفان حسب مرجعية زمن العهد القديم ... و توقف الكون الذي احدثه هذا الانفجار مع ظهور (  اليونان و فارس و اليهودية ).

● حدث الانفجار الخاص اليمن في نقطة من الزمن غير واضحة ،و توقف الكون الذي احدثه هذا الانفجار مع ظهور ( روما و فارس و الاسلام).

------------------------

هناك نقطة مهمة نسينا ذكرها.

●  ما هو الاساس الذي استندنا عليه في تحديد بداية الانفجارات و نهايتها لرسم صورة الزمن الاول؟

نحن نستند على مرجعية السجلات النصوصية ... و اقصد بالسجلات .. النقوش الكتابية ... بمعنى نحن نعتقد ان شكل الكتابة هو مرجعيتنا التي صنعت صورة الزمن الاول،  و هي :
النقوش المسمارية و النقوش الهيروغليفية و نقوش المسند.

بمعنى اخر .... لو قام شخص في الزمن الاول بكتابة نقش اخر مختلف عن تلك الثلاث النقوش فهو لن يكون مرجعية في رسمنا لصورة الزمن الاول .. حتى لو كان النص يتحدث بنفس موضوعات النقوش الاخرى .

اي نحن نرسم صورة الزمن الاول ... بالاستناد على شكل النقوش الثلاثة  فقط.

● فعندما حدث انفجار الام الخاص الهلال الخصيب ، ظهرت لنا سمه واحدة و هي الكتابة المسمارية ، و حدث داخله عدة انفجارات من النوع الابن  ... و هي بالترتيب :

السومرية ( 4500 ق.م)
الاكدية
الاشورية
البابلية

● في مصر حدث الانفجار الام، و ظهر لنا الخط الهيروغليفي ، لكن لم يحدث داخله انفجارات اخرى  .. فهو انفجار واحد .

● و في اليمن حدث الانفجار الام، و ظهر لنا خط المسند، و حدث داخله عدة انفجارات من الابناء :

معين
سبأ
حضرموت
قتبان
اوسان
حمير
------------------------

اما صورة الاديان و العقيدة في الزمن الاول فهي  كالتالي :

■ الانفجار الام في الهلال الخصيب نتج عنه فضاء مكون من اكثر من 1000 الهة تقريبا ... و اعقب الانفجار الام انفجارات من النوع الابن ... و التي نتج عنها عدة فضاءات جزئية ... اخذ كل فضاء حصته من العبادات و الالهات . فكان كالتالي :

السومرية  ( إنكي  و انانا و انليل )
الاكدية (  انانا و انليل )
البابلية  (  مردوخ سين تموز عشتار شمش )
الاشورية  ( اشور و عشتار و شمش )

شكل الديانة في الهلال الخصيب

تبدو بصورة واضحة و كانها خرجت من خيال الهات تعشق الشعر و سيناريوهات القصص، تتجسد العقيدة كمسرح كبير و تقول الالهات بالتمثيل فوق خشبة المسرح في ادوار مسرحية شاعرية تتماهى مع الظواهر الطبيعية و يتخللها صراع تراجيدي   .

■  الانفجار الام في مصر ، نتج عنه فضاء يضم عدد كبير من الالهات ، و لانه لم يحدث داخل فضاء الانفجار الامم اي انفجارات اخرى  ، فكانت الهات مصر تقريبا هي وحدة على طول خط الزمن، حتى منتصف زمن مصر الاول حدث تحول عقائدي بالتوحيد الالهات ( اتون ) لكنها انتهت و عادت الالهات السابقة  فحسب كتابات الغرب فقبل نهاية الانفجار الخاص بمصر كان المصرين يعبدون 300 الهة .

من اشهر الهات مصر (  امون و جب و اتوم و نوت و تحوت و اوزريس و ايزيس و حورس )

الديانة في مصر حالة ممزوجه بين الشاعرية و الصرامة ... و العقيدة تبدو اكثر ارتباط بقصة صراع جاد و حقيقي و ملحمي بين الالهات، و هذا الصراع  هو الذي خلق المعنى للحياة .

■ اما في اليمن فبعد الانفجار الام ، تكون فضاء يحوي داخله عدد ليس بالكبير من الالهات . و كان نصيب كل فضاء خاص بالانفجارات من النوع الابن التي جرت داخله ... كالتالي :

معين ( عم و ود )
سبأ ( عثتر و المقة )
حضرموت ( سين )
حمير ( ذي سماوي و رحمان )

الديانة في اليمن تبدو اكثر بعد عن ميثولوجيا الاديان الخاصة بمصر و الهلال الخصيب .. فهي لا تحمل كل تلك القصص و الاساطير .. تبدو اكثر صرامة ... و بعيدة عن الروح الشعرية . و لا يوجد لديها تصورات حول بداية الخلق و الخ . لكنه في نهاية الانفجار في اليمن وصلت اليمن الى التوحيد الالهي بعبادة (ذي سماوي ).

الخلاصة

● كانت الديانه في الهلال الخصيب تؤمن بتعدد الالهات و كل حضارة   عبدت الظواهر الطبيعية و  امنت بتعدد الالهات ، و كانت العبادة ..... الهات متعددة و تختفي لصالح الهات اخرى متعددة مع تقدمنا في خط الزمن الخاص بالهلال الخصيب .

● اما الديانة في مصر فكانت تؤمن بتعدد الالهات و عبدت الظواهر الطبيعية و وصلت لتوحيد الالهات  تقريبا في منتصف خط الزمن المصري ثم عادت مرة اخرى لتعدد الالهات حتى نهاية الانفجار  .. و تقريبا كانت العبادة واحدة على طول مسار الزمن المصري .

● اما الديانة في اليمن فكانت تؤمن بتعدد الالهات  و كانت العبادة تختفي لصالح الهات اخرى مع تقدمنا بالزمن ..... حتى وصلت لتوحيد الالهات في نهاية الزمن .
------------------------

اما صورة اللغة في الزمن الاول

كانت اللغة في الهلال الخصيب على طول مسار الزمن كالتالي :

اللغة السومرية
اللغة الاكدية
اللغة البابلية
اللغة الاشورية

اما في مصر ... فكانت اللغة على طول مسار الزمن الخاص بها :
اللغة المصرية

اما في اليمن ... فكانت اللغة على طول مسار الزمن الخاص بها :

اللغة المعينية
اللغة السبئية
اللغة الحميرية

● كانت اللغة في داخل الهلال الخصيب  على طول مسار الزمن ، في حركة متغيرة ......ظهور لغة و اختفائها لصالح لغة اخرى حتى وصلت اللغة في نهاية مسار الزمن الخاص به الى اللغة الاشورية .

● و في مصر كانت اللغة على طول مسار الزمن ، في حركة ثابته غير متغيره  ... لغة واحدة حتى نهاية مسار الزمن الخاص بها.

● و في اليمن  كانت اللغة على طول مسار الزمن .... في حركة متغيرة ... ظهور لغة و اختفائها لصالح لغة اخرى ... حتى وصلت في نهاية المسار الزمن الخاص بها الى اللغة الحميرية .

-------------------

اما صورة الحكم السياسي في الزمن الاول

● في الهلال الخصيب  و على طول مسار الزمن،  كانت دول متعددة و متتابعة و كل دولة ترث الدولة السابقة ...... و في مواقع جغرافية متعددة و ليست ثابته مركزيا. 

● و في مصر على طول مسار الزمن ، بدات بالوحدة السياسية دولة واحدة و في حركة ثابته حتى نهاية مسار الزمن الخاص بها.

● و في اليمن  كان الحكم السياسي على طول مسار الزمن ..دول متتابعة او بشكل متزامن مع بعض  ... و في مواقع جغرافية متعددة و ليست ثابته ، حتى وصلت في نهاية المسار الزمن الخاص بها الى الوحدة  السياسية  في عهد الدولة الحميرية .

الى هنا و اعتقد ان هذا هو الاطار العام لصورة الزمن الاول التي رسمها الغرب لنا.

----------------------
و نكون هنا قد انتهينا من الحديث عن الزمن الاول و   نكون ايضا قد انتهينا من الحديث عن كافة ازمنة المنطقة .  و سنبدا من المقال القادم ، بالفصل الاهم في  رحلتنا هذه  ، و هو معالجة الزمن الذي رسم لنا منذ قرون عديدة  و اعادة رسم مخطط زمن المنطقة .

يتبع
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق