الخميس، 1 نوفمبر 2018

10- تفكيك الزمن الصهيوني - ما هو الزمن؟

قبل الدخول في الموضوع ...هناك ثلاث ملاحظات هامة كان المفروض كتابتها في المقال السابق الذي تحدثنا فيه عن الزمن الاول ، لكن بسبب طول المقال قمنا بتاجيل كتابتها الى هذا المقال ، و هي  :

● اول ملاحظة ..  بعد انتهائنا من الحديث عن الزمن الاول ،  اكتشفنا وجود ثلاثة ازمنة داخل الزمن الاول ، و هذا يفرض علينا اعادة رسم المخطط النهائي لازمنة المنطقة، و الموجودة الان في مخيلة سكان المنطقة ، على مسار خط التاريخ العام للمنطقة ( السهم الابيض ) و الموضح في الصورة.

● الملاحظة الثانية .... نحن عندما تحدثنا عن الزمن الثاني و الثالث خرجنا بهذه الخلاصة :

- الزمن الثاني ...عبارة عن رواية تاريخية يونانية رومانية حول  شعب اسمه الفينقين يمتد من اسبانيا و شمال افريقيا الى الشام و قادم من وراء البحر الاحمر لكن لا تعرف شيء واضح هل كانت له لغه واحدة و او عقيدة واحدة  .......... و في هذا الزمن لا نملك اي رواية تاريخية اخرى الا رواية اليونان التي تؤكد وجود هذا الزمن. الوثيقة الوحيدة التي لدينا ...... هو رواية الروم اليونان و ثقتنا المطلقة باليونان كمصدر تاريخي و اخلاقي و يتحلى بالامانة العلمية.

  - الزمن الثالث ... يملك وثائق  لكن لا تملك شرعية قوية لعدة اسباب من بينها ... اننا لا يمكن الاعتماد على كتاب العهد القديم في اثبات وجود ملك فارسي اسمه كورس و حرر اليهود كن السبي ، لانه لا يمكن استبعاد ان وجود اسم قورش في العهد القديم جاء من تاثير رواية اليونان التاريخية ، لانه كما يعرف الجميع بان كتابة  العهد القديم جاءت بامر سياسي لحاكم  يوناني، بل ان اول نسخة من العهد القديم كانت مكتوبة بلغة يونانية .... و بالتالي يكون كتاب العهد القديم مازال بمثابة وثيقة يونانية و يدخل من ضمن الرواية اليونانية الاصلية و ليست رواية طرف اخر .

● الملاحظة الثالثة... كما قلنا في  المقال السابق الذي تحدثنا فيه عن مسار الزمن الاول ....... باننا في الزمن الخامس و تحديدا في الفترة الزمنية الخامسة التي تمتد من 1798م - 2018م  ... تشكل في مخيلتنا زمن جديد لم نكن نعرفه من قبل ، في هذه الفترة رسم الغرب في مخيلتنا زمن جديد لم يكن يعرفه احد و لم يعرفه اجدادنا، فقبل دخولنا الى هذه الفترة من الزمن الخامس ... لم نكن نحن و لا اي انسان في الارض يعرف و يدرك اي شيء عن الزمن الاول الذي كتبه الغرب.

ماذا يعني هذا ؟

هذا يعني نقاط مهمة جدا :

1-   لو افترضنا ..... بان الغرب لم يقم بفك نقوشنا القديمة :

فاننا اليوم لا نعرف اطلاقا اي شيء عن الزمن الاول ، عن تاريخ كرب ايل وتر او تحوتمس او عن توت عنخ امون  او عن جلجامش او عن سرجون او اوغاريت او السومريون و البابلين الخ .

2- لو افترضنا ..... بان الغرب لم يقم بفك نقوشنا القديمة:

●  فهذا يعني بان الزمن الاول غير موجود اطلاقا اليوم في مخيلتنا، لان الزمن الاول سيكون متصل مع الزمن الثاني .. بمعنى سيكون الزمن الاول هو نفسه الزمن الثاني بمعنى ان الزمن الاول خاص بشعب اسمه الفينقين  ........ و اخيرا سيكون زمن المنطقة مكون من اربعة ازمنة فقط.

3- لو افترضنا ....... بان الغرب لم يقم بفك نقوشنا القديمة:

●  و لأن الزمن الثاني يبدو متداخل بالزمن الثالث .......لأننا لا نستطيع ان نجد حدود فاصلة واضحة جدا بين الاثنين، خصوصا لان رواية اليونان التاريخية لهيرودت 400 ق.م  تتحدث عنهما في نفس الوقت .... هذا يعني بان مجموع الزمنين يكاد يكون زمن واحد ،  بحكم ان رواية اليونان التي تتحدث عن هذين الزمنين هي رواية تاريخية ظهرت في زمن معين  و صغير نسبيا .. عندها يمكن اعتبار مجموع الزمنين هو زمن واحد فقط، و سيكون مجموع الزمنين هو الزمن الذي يسبق الزمن الرابع ( الزمن الديني).

●  ثم احكتمنا الى قاعدة منطقية و علمية و هي اننا لا نستطيع كتابة تاريخ معين و اثباته بالاستناد على رواية تاريخية لطرف واحد،  لابد من اخذ رواية كل طرف ثم كتابة التاريخ .

بمعنى ........ لو افترضنا ان هناك شخص و قام ببناء منزل له ، ثم قام جاره في كتابة كتاب و ذكر فيه بانه مالك المنزل الحقيقي ، فهل بعد 300 سنة يحق لاحفاد هذا الجار مطالبة احفاد ذلك الشخص بمنزلهم بالاستناد على الكتاب الذي كتبه جدهم بكونه وثيقة شرعيى تثبت ملكيتهم للمنزل .

بمعنى آخر ..... لو انت قاضي محكمة ........ فانه من الواجب عليك ان تستمتع للطرفين من اجل ان تتخذ الحكم العادل ، و لو استمعت لطرف واحد ثم اتخذت الحكم ... فأنت ظالم ...... صح ؟

ساضرب مثال أخير  ..... لو افترضنا اننا ذهبنا الى ادغال افريقيا و شاهدنا قبيلة منعزلة و تعيش وفق قوانينها و معتقداتها و عاداتها التي توارثتها منذ القدم .... فماذا لو كتبنا عنهم تاريخ مزيف .. و اطلقنا عليهم اسم ما من خلال شكلهم او لونهم ...... و  قلنا بانهم ليسوا اصحاب الارض بل نحن ...... و  بانهم يعبدون اشباح و ياكلون لحوم بشرية  ، سيكون كلام في قمة الانتهازية و اللصوصية و الخساسة و القذارة .... فتخيل لو انت قاضي محكمة ............ فهل ستستند على ذلك التاريخ المزيف و تعتمده فقط ؟! .... سيكون ظلم كبير .. لان القاضي العادل و الذكي لن يصدر اي حكم اطلاقا .. حتى تقدم تلك القبيلة  روايتها التاريخية التي عاصرت روايتنا التاريخية التي كتبناها حولهم، حتى يستطيع ان يصدر حكمه العادل.

و عليه و  من خلال تلك القاعدة و تلك الامثلة ...... فاننا نستطيع  ان نلغي الزمن الثاني و الثالث تماما  من زمن المنطقة ... و بثقة تامة جدا ... حكم عادل جدا و منطقي و علمي ... لان اليونان هم وحدهم من كتبوا ذلك الزمن و نحن ليست لنا اي وثيقة  تاريخية حول ذلك الزمن .......... اي لا يوجد لدينا وثيقة عاصرت رواية اليونان التاريخية . 

نحن لا نشكك ابدا باليونان ..... و لا نمس تلك الصورة الجميلة في مخيلتنا لليونان بأي سوء .. لا نمس صورة العلم و العقل و المنطق و الدقة و الامانة العلمية و الفلسفة ....... نحن احتكمنا الى قاعدة علمية و منطقية و عادلة فقط .

حكمنا السابق لا يعني ابدا بان رواية اليونان كاذبة و مزيفة ..لا اطلاقا .... استغفر الله العظيم ... نحن في محكمة فقط ..... و لها قانونها ... و الحكم لابد ان يكون عادل و ليس ظالم ..... و لا يعني عدم وجود تلك الازمنة الجميلة و الساحرة ... اطلاقا .... لان حكمنا السابق يعني منطقيا ...... بانه يحق لنا الحرية في خيار ثاني و هو  عدم وجود تلك الازمنة و عدم صحة تلك الرواية التاريخية .... الحكم السابق  يمنحنا خيار ثاني و يعطينا حرية في الاختيار  بين الاثنين فقط .

و حتى يطمئن عشاق اليونان و الامانة العلمية الغربية اكثر ،  فنحن سنكون معهم اكثر امانة علمية و اكثر دقة .. و نقول لهم باننا في هذا الخيار لا يعني باننا غدا سنبدا نكتب تاريخ وفق فرضيتنا و نلغي فيه ذلك التاريخ و تلك الازمنة .... مع انه يحق لنا القيام بذلك و بمنتهى الامانة العلمية .... و لكننا سنبني على هذا الخيار بحثنا في تفكيك زمن المنطقة الحالي حتى نصل الى الزمن الحقيقي للمنطقة ، و عندما نصل الى  اكتشاف الزمن الحقيقي ، سنقول لقاضي المحكمة  هل رواية اليونان صحيحة ام رواية مزيفة و رواية لصوص  ... و بعدها سنكتب التاريخ الحقيقي و على الجميع التسليم للزمن الحقيقي .

اذن ... فالخيار الثاني العادل هو : عدم وجود هذا التاريخ و هذا يعني منطقيا عدم وجود الزمن الثاني و الثالث اطلاقا في مسار الزمن العام للمنطقة ........... و هذا يعني ان مسار زمن المنطقة سيكون مكون من ثلاثة ازمنة .

1 - الزمن الاول : من بداية الحضارة - 260 ق.م
من بداية الحضارة و حتى كتابة العهد القديم كتاب اليهود .
و منطقيا باننا سنجلع نهاية الزمن الاول في تاريخ كتابة العهد القديم ، لان الفجوة الزمنية الخاصة باليهود تحتوي على رواية اليونان التاريخية حول الفرس.

2 - الزمن الثاني : 260 ق.م - 860 م ( الزمن الديني )
من كتابة العهد القديم و حتى نهاية حادثة خلق القران . و سنسمي هذا الزمن بالزمن الديني ... الزمن الذي ظهرت الاديان الثلاثة فيه .

3 - الزمن الثالث : 860 م - 2018
من بعد حادثة خلق القران و حتى اليوم الحاضر
--------------------------------

اسئلة مهمة احب ان ارى لها اجوبة  في التعليقات : 

- هل يبدو لك هذا المسار الجديد لزمن المنطقة اقل تعقيد من المسار الاول المكون من خمسة ازمنة ؟
- هل بدا البعض يشعر بنوع من الراحة عندما وصلنا الى هذا المخطط الجديد لمسار زمن المنطقة و المكون من ثلاثة ازمنة ؟
- هل  بدا البعض يشعر بان الزمن اصبح يبدو واقعي ، و كانه يحاول ان يتصل و يرتبط بالزمن اليوم ( اللحظة الان) ؟

و مع ذلك

و بالرغم من انه يحق لنا اعتماد هذا الخيار، و نبني عليه كتابتنا للتاريخ و بامانة علمية ... الا اننا سنكون اكثر كرما مع اليونان و عشاق اليونان .... و لن نتخذ هذا الخيار  .... و سنعود لتلك الازمنة السابقة التي رسمها اليونان بارادتنا و نعتمدها.

انتهت الملاحظات الثلاث
-------------------

و الان ..... بعد ان انتهينا من الحديث عن كافة ازمنة المنطقة الخمسة، سننتقل في رحلتنا الى مكان جديد و فصل هام ، و هو معالجة الزمن الذي رسم لنا منذ قرون عديدة  و اعادة رسم مخطط زمن المنطقة الحقيقي .


لكن هناك سؤال  يفرض نفسه :

كيف نستطيع ان نقوم بتفكيك هذا الزمن بدون معرفة ماهو الزمن و كيف يبدو الزمن في وعينا الثقافي ؟! .

لابد من تعريف الزمن ..... اولا

ماهو الزمن ؟

الزمن كلمة من ثلاثة حروف و لابد ان يكون له تعريف لدى كل انسان وفق تصوره الشخصي ...... حتى و ان عجز الانسان او وجد صعوبة في تعريف هذا المفهوم التجريدي فلابد ان يكون للزمن صورة مرسومة في العقل.

الزمن له تعريفات كثيرة

فلدى بعض الفلاسفة ،  يعرف الزمن برقم الحركة تبعا لما قبل و لما بعد ، و اخر يعرف الزمن بالصورة الحركية للزمن الابدي .

و هناك من يعرف الزمن بانه الحركة ، فنحن لا نستطيع ان نفهم الزمن الا بوجود حركة متتابعة .

اما حديثا و بحسب قول علماء الفيزياء بعد نظرية النسبية لاينشتاين فهم يفرقون بين نوعين من الزمن:

الزمن الاول هو الزمن الخارجي و هو مستقل عن الانسان و لا يكون الا مرتبط مع المكان  و هذا الزمن نسبي و ليس مطلق ، بمعنى ليس هناك زمن واحد يعم الفضاء ، بل هناك عدة ازمنة تختلف باختلاف مرجعية القياس،

و اما الزمن الاخر هو الزمن الداخلي الذي يشعر به الانسان نتيجة التغيرات التي تجرى على الانسان و على ما حولة و يلحظها . 

           
لست هنا في موضوع علمي او فلسفي من اجل معالجة حقيقية للزمن حتى الوصول الى التعريف الصحيح .....لكني ساحاول ان اميز بين نوعين من الزمن في وعينا ....... و هما:  الزمن العادي و الزمن الديني.

الزمن العادي

عندما تسال الشخص العادي عن معنى الزمن سيكون الجواب الطبيعي و السريع هو الماضي و الحاضر و المستقبل .

صحيح جدا  ....  فنحن لا نفهم الزمن الا بواسطة ثلاثة اشياء و هي ...........ماضي و حاضر و مستقبل،  لان الزمن لا نستشعره الا بالثلاث الكلمات السابقة ، فالزمن  يحول المستقبل الى حاضر ، و يحول الحاضر الى ماضي ...... و بدون هذه الكلمات لا يمكن لنا ان  نلحظ الزمن في حياتنا اليومية ، فالزمن مثل  نهر من الاحداث المتتابعة تبدا من الماضي الى الحاضر  حتى المستقبل.

الزمن الديني ( الزمن المختوم )

الزمن في الوعي العادي مثل نهر من الاحداث المتتابعة يبدا من الماضي الى الحاضر  حتى المستقبل ........ لكن الزمن في الوعي الديني  مثل نهر من الاحداث لكن له نقطة بداية و نقطة وصول نهائية فهو لا يستمر بالحركة الى مالا نهاية .

قرات يوم موضوع يتحدث عن كتاب لمفكر الماني يتحدث عن جذور مشكلات العقل المسلم و التي تمنع المسلمين من مواكبة الحضارة  ، و يسرد اربعة اسباب و من بينها الزمن المختوم ، فهو يفرض ان الزمن في مخيلة المسلم مثل سيل جارف ينتهي عند نقطة و الصحيح برايه ان يستمر بالحركة بدون نقطة وصول .

طبعا لا اتفق ابدا .... مع كل ما جاء في كتابة و لست في باحة تفنيده، و لست في باحة الحديث حول هذه الكتابات ، لكني سافند حديثة حول الزمن ، لان الحقيقة ان هذا التصور للزمن ليس حكرا على المسلم .............. فهو نفس الزمن الموجود لدى الوعي اليهودي و المسيحي ...... و لا اعتقد ان هذه التصور للزمن مشكلة ابدا ، لانه قد جاء من ثقافية قديمة راسخة و لا يجب مقارنتها مع التصورات الحديثة للزمن او تصورات اي مجتمع اخر ، خصوصا و ان هذا التصور للزمن هو السبب في ظهور اول حضارات على الارض .

نعم .. هذه الحقيقة . 

اذن فالزمن في الوعي الديني  ....مثل سيل جارف ..... يبدا من نقطة و ينتهي عند نقطة . هذا مسار الزمن في الوعي الديني.

لكن هناك مشكلة في الزمن عند التصور الديني ..... و خصوصا عند الاديان الثلاثة اليهودية و المسيحية و الاسلام ... و تتعلق بنقاط المسار العام للزمن .

اين ؟

المشكلة متعلقة بمفهوم الانبياء .

كيف ؟

لانه و ببساطة شديدة ........... مفهوم الزمن في عقل المؤمن مرتبط و متحد ايضا بمفهوم الانبياء و الرسل .  فالانسان المتدين عندما يتخيل الزمن فهو يرسمه كما قلنا كسيل جارف يبدا من نقطة و ينتهي عند نقطة ... لكنه يضع فوق مسار هذا الزمن الانبياء ... فالانبياء في تخيلة عبارة عن حقب زمنية متتابعة  وفق مخطط ثابت للانبياء .... من ادم ثم نوح و هكذا تتابع ....

و هنا المشكلة  .... لماذا ؟

● المشكلة الاولى .... لو كان مفهوم الانبياء مختلف عن تصورنا الحالي ... فهذا يعني اننا نرسم صورة  خاطئة للزمن ... لان هذا التصور يفرض علينا سؤال ....... ماهو مقياس النبوة قديما .

بمعنى اخر  لو افترضنا .......اننا نعيش قبل الزمن الرابع فكيف سوف يكون مفهوم النبوة .... و ماهو المرجع او القياس الذي يمكن لنا اعتماد النبي و التحقق من كونه نبي .

● المشكلة الثانية .........  لو افترضنا انه تم اللعب بترتيب ظهور الانبياء .... فهذا يعني اننا نلعب بمسار الزمن . 

--------------------

البحث عن الزمن في الثقافة الشعبية  .

يوجد في ثقافتنا الشعبية نساء نسميهن بالمتسفلات. المتسفلات جمع متسفلة و هي امراة طاهرة جدا .. لا تجد للحقد و الكراهية مكان في قلبها، تتصف ايضا بالنظافة الشديدة و تحب لبس الالوان البيضاء ... تعيش وحيده ، و ينظر الناس لها بطريقة فيها نوع من الاحترام و المحبة .

تملك المتسفلة قدرات غير طبيعية ، و يقوم بعض الناس باستدعاءها بسبب تلك القدرات الغير طبيعية التي تملكها،  فعندما يريد شخص معرفة ماضي انسان ميت لتسديد ديون علية او معرفة مكان كان يخفي فيه مال او وثائق هامة او معرفة اي شيء عن حياة الميت ، يتم استدعاءها ثم تنزوي في مكان و تعود و قد جاءت بالاخبار عن الميت .. لا تأخذ المتسفلة مال على عملها هذا، فهي تقوم بهذا العمل من باب الأجر، و لا تستخدم قدارتها هذا في اي عمل سيء او فيه أذية لأحد، بل انها لا تكشف عن اشياء سيئة في حياة الميت لاقرباءه و يمكن ان تسبب بمشاكل لهم.

من المؤكد بان كلمة متسفله اصلها جاء من كلمة أسفل و كانها اشارة بانها تزور العالم الاسفل عالم القبور ...... و يقال بان تلك النساء وصلن لتلك الحالة بسبب موت عزيز لهن كانت تحبه جدا فاصابها حزن شديد عليه و جعلها تنزوي بعيد عن الناس و تعيش الوحدة.

هذه الظاهرة لم اكن اصدقها، كنت اعتقد انها مجرد قصص من التراث الشعبي و لا صحة لها ، حتى وجدت شخص اكد لي انه استدعى يوما احداهن و اخبرته بمكان وثائق هامة لوالدة كانت موحودة عن صديق قديم لوالده و يعيش في مدينة اخرى و حددت اسمه ايضا.

ماهو تعريف الزمن في ثقافتنا ؟

الحقيقة اني احترت كثيرا في تفسير  ظاهرة المتسفلات ، بواسطة مناهج التفكير الحالية التي ندرسها و نتعلمها ، و كانت هذه الظاهرة تشغلني دائما، لاسباب كثيرة من اهمها اني كنت و مازلت منشغل في البحث عن مفهوم الزمن في ثقافتنا الشعبية، و عن صورة و مفهوم الزمن في وعينا ........ فكنت اطرح عدة اسلئة محاولا فهم تلك الظاهرة و فهم جوانب عديدة في ثقافتنا الشعبية مرتبطة بها، و عن اصولها و جذورها القديمة.

سالت نفسي سؤال:

هل هذه الظاهرة تؤكد بان ثقافتنا الشعبية قد وصلت لتعريف ثابت للماضي و الحاضر و اصبح التعريف كحقيقة ثابتة في ثقافتنا ......... بدليل اننا وصلنا لتجربة ناجحة بالاطلاع و الكشف عن الماضي ؟!

لو سلمنا بحقيقة تلك الظاهرة باعتبارنا كعنصر داخل هذه الثقافة ، محاولين فهم معنى الزمن لدى كافة العناصر داخل الثقافة ، فان هذا سيضطرنا الى الخروج من مناهج التفكير الحالية ، لكن خروجنا هذا لا يمنع ان نفكر بمنطق من منطلق تلك الظاهرة.

لنفرض ان هناك اناس يملكون فعلا قدرات غير طبيعية ، يستطيعون من خلالها معرفة ماضي شخص ما، فالسؤال :
هل لان الامر مرتبط باشياء قد حدثت، هل لان الماضي قد حدث، و من المنطقي ان الشيء الذي قد حدث فهو موجود و  يمكن البحث عنه و ايجاده،  و هولاء الاشخاص يلتقطون من سجل احداث لا نعرف ماهيته، ام ان الموضوع مرتبط بتواصل بين ارواح فقط، و هو موضوع اخر يصعب علينا فهمه ايضا ؟

لكن اذا كانت ثقافتنا قد وصلت لتعريف الماضي و بانه سجل احداث قد وقعت ، و يوجد من يستطيع كشف الماضي و الحاضر، فهل كان يوجد في ثقافتنا او مازال يوجد من يستطيع كشف المستقبل بنفس تلك القدرات الفائقة ، بالرغم من معرفتنا بان المستقبل لم يحدث بعد؟!

الحقيقة من خلال البحث في ثقافتنا الشعبية ..... نجدها مليئة بهذا الجانب المرتبط بالمستقبل، فكثير ما نجد قصص و اخبار و حكايات تتحدث عن النبؤات التي ستتحقق في المستقبل ، بغض النظر عن التصديق بها او علاقتها بالدين، فهناك مثلا نبؤة محلية تحكي بان الاعور هو من سيحصل على الكنز الموجود في منطقة ما، و هناك حكاية من التراث تحكي عن شخص من اسرة فقيرة تحققت عليه نبؤة رجل زار منزلة ، و هناك نبؤات تتحدث عن نهاية حاكم، و هناك ايضا قصة مثل قصة النبي يوسف عليه السلام ، و هناك الكثير من القصص تدور حول النبؤات.

هذا التراث الكبير الذي يدور في موضوعات النبؤات يؤكد بان هناك ثقافة تعتقد ايضا بامكانية كشف المستقبل، و تؤكد كذلك بان بنية هذا الثقافة تؤمن و تعتقد بان المستقبل ايضا قد حدث فعلا.
لهذا من الطبيعي ان يكون المستقبل في وعي العناصر داخل هذه الثقافة قد حدث فعلا لكن في علم المثل الاعلى للثقافة و هو الله،  و سيكون الناس داخل هذه الثقافة مجرد سيناريو معد مسبقا و لكنهم لا يعلمون.

تاريخيا ...... تعرض هذا المفهوم للزمن لجدال و نقاش كبير بين  العلماء و الفلاسفة و تسبب في ظهور مذاهب فكرية و دينية متعددة. و في الوقت الحالي  نال هذا المفهوم للزمن نقد من العديد من المفكريين و معظمها ترى ضرورة اصلاح هذا الزمن ، باعتقاد ان هذا المفهوم لا يدفع الانسان للحركة. و لاني لا اريد ان ادخل حاليا في نقاش فلسفي و فكري حول مفهوم الزمن و انعكاسة على الواقع فهو ليس موضوعي الرئيسي ، فاني سانهي هذه النقطة بسؤال  :

اليس هذا المفهوم للزمن يتفق مع العلم حديثا الذي يؤكد على ان السفر عبر الزمن  ممكن نظريا، اليست بعض النجوم البعيدة جدا عن مجرتنا وفق النظريات الحديثة في الفيزياء، و التي يصل ضوءها للارض،  هي في الحقيقة نجوم قد ماتت من زمن بعيد و نحن الان نشاهد ماضيها فقط ؟!

اعتقد ان ثقافة كشف الماضي بشكل عام داخل ثقافتنا قليلة  ، و هي مقتصرة على مثل ظاهرة المتسفلة التي تبدو لي الابرز ، فهذه الظاهرة مقتصرة على الشخص و كأن التجربة تحتاج الى شخص ميت فقط ، لكن هل يمكن لهذه الظاهرة ان تكشف عن تاريخ عام و تكشف عن الاحداث و كيف جرت بشكل حقيقي ؟

اما ظاهرة كشف المستقبل تبدو الاكثر وضوح و بروز و انتشار داخل ثقافتنا، من قصص تدور حول احداث عامة  او حول شخصيات ،  و من اهتمامات الناس في مطالعة الابراج ، الى م علوم تدور حول هذه الظاهرة و الخ ... و تبدو نبوءات المستقبل كالخوارق في داخل ثقافتنا ، عندما تنطبق الاحداث مع منطوق النبوءة .

هذه التساؤلات و الافكار و عمليات البحث يطول الحديث حولها ، لكني اختصرتها بالشكل السابق ، لان ما يهمني فيها انها تقودنا الى طرح سؤال هام:

هل يمكن القول بان الانبياء ظاهرة ولدت من داخل هذه الثقافة ، و هم من بين هولاء الذين حدث لهم اتصال مع المثل الاعلى للثقافة و هو الله، حسب اعتقاد المؤمنين بظاهرة النبوة و كشف له عن المستقبل ، هل الانبياء هم الذين يستطيعون مشاهدة احداث المستقبل و الكشف عنها، و هل كانوا ظاهرة قديمة جدا و  متعارف عليها و هل كان لهم انعكاس متكرر على الواقع منذ القدم؟

----------

البحث عن الزمن في التراث الماضي  .

لا يمكن ان نفهم صورة الزمن جيدا في ثقافتنا بشكل اكبر ، الا بالبحث عن الزمن و تصوراته في وعي حضارات المنطقة قديما حتى اليوم.

و حتى اكون صادق ........ لم اجد حتى الان اي كتاب او دراسة تتحدث عن مفهوم و معنى الزمن لدى حضارات المنطقة ، قد يكون هناك و لم انتبه ، لكني لم اجد الا فتات متفرق فقط و ليست بحوث متكاملة ، ربما قد يكون السبب لعدم وجود نصوص كافية من نقوش المنطقة في هذا الجانب .

و هنا يظهر لنا سؤال منطقي :

على افتراض صحة ترجمات الغرب لنقوش المنطقة ،  و على افتراض صحة نظريات الغرب التي تتحدث حول تطور الاديان ، فانت تستغرب فعلا ........ فكل هذه الاديان المتعددة و عشرات المئات من الالهات في المنطقة منذ القدم و المختصة في جوانب كثيرة من الحياة،  و لا تجد الهة تمثل الزمن في اديان المنطقة ، مفهوم الزمن غائب في من يكتب عن التاريخ القديم .... لانه من  المستحيل ان تظهر اديان بدون تفكيرها بمسالة الموت و الزمن.

اين هو الزمن ؟

هل الزمن كان من اعمال الهات مختصة لوحدها ..... ام كان خاص بكبير الالهات ، ام ان الزمن كان يتخفى حول شيء و لم ننتبه له ؟

اذا كانت اديان و حضارات المنطقة القديمة قد وصلت للتقويم السنوي و لتقسيم الايام و حساب اليوم ........ فهذا يعني انه من الطبيعي و المنطقي ان معنى الزمن كان حاضرا بقوة لديهم في وعيهم ، و يعني بان الزمن مسالة تشغل وعيهم.

لكن هل كان الزمن امر من مهام الالهة الاكبر ، اما منفصل يختص به الهة اخرى ، ام لا علاقة له بالالهات،  هل كان الزمن مقدس او غير مقدس ؟

لكن من كان يختص به ؟ .

● تقريبا وجدت حالة تتحدث عن الزمن في الحضارة المصرية ، في الاله الذي  يسمى ( تحوت ).

و بالرغم من ان ترجمات و تفسيرات الغرب لنقوش المنطقة تثير لدي نوع من التحفظ  ، لكني ساحاول تجنب اثارة موضوع حول دقة ترجمات الغرب و تفسيراتهم ..... و سانقل لكم مقتطفات من كتاب لمولف اجنبي يتحدث عن تحوت،  مع الانتباه باننا  ننقل بناء على افتراض صحة ترجمات و تفسيرات ترجمات و تفسيرات الغرب  :
-------------
تحوت هو اله الزمان، القائم بحساب السنوات ، انه ضياء رع في مضهرها الليلي ، اي النور الخفي في الطريق و الاسرار ، لان تحوت هو اساسا ملقن و مرشد ، و لذلك فهو يجسد المعرفة .

تحوت لم ينل حقه الوافي من الاهمية ، لانه ينتمي الى مجال الوعي الروحاني ، فهو يمثل المعرفة المطهرة : " انني تحوت ، رب الحق ، لقد محوت الدنس ، و تجسد الاسرار الطقسية ، و وحي الشعراء ، و كل من يجد في الليل الالهام، اني تحوت الذي يبلور كلمة حورس الى حقيقة"

لقد كان تحوت يطابق الهة الاغريق هرمس، و نسبوا اليه بعض خصائص انوبيس .
ملاحظة : هرمس كان يعتبر رسول الالهة الذي ينقل رسائل الالهة الى البشر .
--------------------

لاحظ في المقتطفات السابقة ... سنجد ان ( تحوت ) مختص بالزمن و بحساب السنوات و هو رسول الالهة الذي ينقل رسائل الالهة للبشر .

لكن على افتراض صحة نظريات الغرب حول ان الاديان الحالية تطورت من الاديان السابقة القديمة ، فالسؤال الهام جدا:

اين اختفى ( تحوت) داخل بنية الثقافة الحالية، هل اصبح يتخذ رمز جديدا في وعينا الديني الحالي ؟

هل يمكن ان تحوت قد اتخذ رمزية النبي ، ام هو فعلا كان و مازال هو النبي ؟ ، الا تجدون اي علاقة بين ( تحوت ) رسول الالهة المختص بحساب السنين ،  و بين الانبياء في الزمن الرابع ، و الذي مع كل ظهور لكل واحد منهم ....  يبدا زمن جديد و حساب جديد و تقويم جديد  ؟ !

● ايضا لو بحثنا في كتب التراث النصي سنجد بان هناك حديث عن طائر العنقاء ، مع ان لدي تحفظ بكونها تراث محلي و ليس نتاج ترجمات كتب يونانية ، لكن حسب هذا التراث النصي و ليس التراث الشفوي ، فان طائر العنقاء يولد كل 500 عام و في بعض الروايات كل 1000 عام ، ففي كل 500 عام او 1000 عام يعود الى عشه و يحترق  ليولد من جديد و يخرج من تحت الرماد طائر عنقاء اخر . 

اين نجد طائر العنقاء يختفي في داخل ثقافتنا اليوم؟

-  الا تجدون تشابه بين قصة طائر العنقاء و قصة ظهور الانبياء في الزمن الرابع .
 
- الا تجدون علاقة بين قصة العنقاء و قيامه باحراق نفسه ليولد من جديد من تحت الرماد ، و بين ارتباط ظهور نبي في الزمن الرابع بدمار و خراب مكان ما ........حريق بابل و خراب الهيكل و هدم الكعبة ؟

- الا تجدون علاقة بين عمر طائر العنقاء و بين المدة الزمنية بين ميلاد نبي و نبي اخر و هي 500 عام تقريبا الموجود في الزمن الرابع ...... بل الا تجدون بان طول الفترة الزمنية بين اول نبي و اخر نبي في  الزمن الرابع  هو 1000 عام تقريبا ؟

و كأن الزمن الرابع  قام طائر العنقاء الاسطوري برسمه ،  و كأن الزمن الرابع ... قامت اسطورة يونانية برسمه بعناية ، و كأن الزمن الرابع  قام قانون رياضي  برسمه فوق ورقة بدقة و لم ترسمه الصدفة و العفوية و العشوائية .

و اذا افترضنا صحة مخطط الزمن الرابع .... فهذا سيفرض علينا سؤال مهم :

هل كان زمن المنطقة منذ القدم، يسير بنفس السير الذي سار فيه الزمن الرابع  .... يخرج من نقطة ثم يعود اليها ليبدا زمن جديد اخر ؟!

منطقيا

لن نستطيع فهم زمن المنطقة الحقيقي .......... و نتاكد من صحة  هذا المخطط الزمني  ...... الا بالعودة الى نقطة البداية التي ولد منها الزمن، و الخروج من نقطة البداية سيصلح جميع الازمنة التي مرت عليها المنطقة .

لابدا ان تكون البداية من الزمن الاول .
الزمن الاول هو البداية الحقيقة .

لابد من اصلاح صورة و مسار الزمن الاول .

يتبع

هناك 3 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
  2. بصراحة لم استطع استيعاب المسار الأول لكن المسار الثاني رائع.
    والسؤال الذي يطرح نفسه الان هل كانت منطقتنا تملك ثقافة مشتركة ولغة مشترك في الزمن الأول...؟ ولماذا ثقافة وأدي النيل ولغته وابجديته مختلفة عن ثقافة ولغة وابجدية الهلال الخصيب وكلاهما مختلفتان عن اليمن ...؟؟ ألم يكونوا شعبا واحدا وحتى لو كانوا شعوبا مختلفة فمن غير المنطقي انهم لم يتأثروا بثقافات بعضهم البعض على مدى ألاف السنيين.

    ردحذف